موسيقا العمل والتراث الخليجي- الكويت نموذجاً-

Read Time:8 Minute, 1 Second

هبه محمد معين ترجمان

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ عندما نتحدث عن خصوصية فنية في منطقة ما يجب أن نفهم البعد المكاني والزماني والمرحلي لهذه الخصوصية  ، وعلى الرغم من وجود تنوع في ثقافتنا العربية لكن هذا لا يعتبر اختلافا، لأننا نتفق على القواسم المشتركة في جميع الدول العربية ونعرفها ونقرها أما القواسم المشتركة فهي معروفة والبحث العلمي دائماً يزيد في إثباتها . وعندما يكون المطلوب أن نعرف أين يبدأ التمايز ؟ نتحدث عن أكثر سبب  فالقول بالاختلاف الجغرافي , ضمن المنطقة الواحدة و غيره من اختلاف الأمزجة والآراء والأديان  هذا كله يشكل نوعا من الاختلاف لا الخلاف فليس من الممكن أن نعيش ونكون جميعاً صورة طبق الأصل.من خلال معظم الدارسات التاريخية  الخاصة بالجانب الموسيقي ،خاصة  الدراسات التي وضعها علماء  (الأنثروبولجي) نجد أن الأصوات بما فيها الموسيقا مكون  أساسي من مكونات ثقافة أي مجتمع، تُساهم في تكوين الخصائص الثقافية بتشكيل الذائقة السمعية.من هنا ننطلق أن الدارسات الحديثة للموسيقا تختلف عن السابق خاصة أنها أصبحت فرع من فروع الانتربولوجيا الاجتماعية والثقافية فكان التوثيق لها يعطينا صورة هامة عن المجتمع بمختلف صوره وهنا بدأت الدول ومن خلال الاتفاقية الدولية منها والخاصة الاهتمام بتوثيق التراث الموسيقي بشكل قد يختلف من دولة لأخرى حسب نوعية هذا الفن ولكن كي لا يندثر وتستطع أن تحافظ الدول على أصلتها  .وعن موسيقا الخليج والكويت كنموذجاً نجد سمات التمايز فيها تلك التي رسمتها البيئة  فقد ارتبط الغناء بالعمل فلكل نوع من أنواع العمل غناؤه وموسيقاه الخاصة به وهي متنوعة حيث تقسم إلى:

-أغاني العمل في البحر-أغاني العمل في البادية -أغاني العمل في المدينة-

لكن أهم أنواعها على الإطلاق هي الأول أغاني البحر لكونه المصدر الأساسي للرزق في حياة الأجداد فقد كانوا يعملون على الغوص وصيد اللؤلؤ والتجارة لذا  يعتبر الغناء البحري من  أرقى أنواع التراث .

الذي يتم أثناء ممارسة البحارة لأعمالهم وقبل الولوج لظهر السفينة لتنظيم العمل وقبل ذلك أثناء صناعة السفينة وتتنوع الألحان حسب تنوع العمل ..وأغاني الوداع بينهم وبين النسوة  إذ تبدأ رحلة الغوص بأغاني الوداع وهى أغان مؤثره لوداع الأهل والوطن بل.. أملا ًبملاقاتهم بعد أربعة أشهر وعشر أيام .

وبعد أن تصل السفينة إلى الماء .. وأثناء عملية الرفع يتغنى بأغاني تحمل معاني الدعاء والتمني بأن تكون رحلتهم رحله تحوطها عناية الله .. وأن يمنحهم الرزق الوافر .. ويبدأ التناغم مع الكلمات التي ينشدها البحارة مع كل إيقاع حركة من حركات العمل من تحريك المجداف لرفع الشراع لجر المرساة ولحظة انفصال المرساة من الأرض هي لحظة بداية الرحلة فعلا .. فالمرساة هي الصلة بين عالم السفينة .. عالم البحر وعالم الأرض .. فمعها  يكون اتكالهم على الله .. في سعيهم وراء رزقهم: حيث  تبدأ أغنية ( الخطفه ) هي لرفع الشراع بعدها تبدأ الرحلة , ثم تنطلق السفينة.. إلى المكان المقصود للغوص للبحث عن المحار واستخراج اللؤلؤ .. وأثناء السفر ينشد البحارة مواويلهم .. ويتغنون بأغاني الشوق والأمل ويشترك معه رفاق السفر يبددون صمت البحر بصوت الإنسان الفنان .. ويذهبون السأم والتطلع إلى البحر والسماء والتعبير عما يحيط بهم وما تعتمر به نفوسهم من إيمان .. وتظل الأغاني تتردد يتبادلها مع جلسات الأنس وشرب الشاي والقهوة ويتبادلون إلقاء المواويل الزهيرى حتى الوصول لمكان الغوص والبدء بالعمل للحصول على اللؤلؤ حيث يصل طول الحبل الذي يلقى به حوالي 20 كيلو فيلقى به إلى أن يشعر أنه لا يوجد لؤلؤ ينتقل ويجر الحبل الطويل مسافة طويلة ليتغنى البحارة أثناء جر الحبل بجهد هذا العمل الذي لا ينتهي إن الفترة الطويلة رغم مشقتها مليئة بالأغاني .

وفي المقابل نجد النساء اللذين ينتظرون هؤلاء البحارة على البر لديهم أغاني ترتبط بعودتهم و رمزيات حلوة لكن البحر لديهم هو شيطان أو غول يغنون من أجل أن يعيد لهم أزواجهم وأولادهم وأخوتهم

لقد أعطى البحر الموسيقيين ثراء لحني موسيقي فقد أصبح هناك شعر خاص بالبحر  ينقسم لشعر عربي فصيح اسمه الزهيري فقراته ثابتة وشطره ثابت يتكون من سبعة أبيات .. الثلاثة الأولى بقافيه واحده .. ثم ثلاثة بقافيه مختلفة .. ومنها ما يحمل توريه أو جناسا .. ثم البيت السابع ختاما للموال من نفس قافية البيت الأول .. ويمكن أن يكون طويل حسب احتياج البحار  مثلاً عندما يغني يجر المجداف وإنزال المجداف جميعها محسوب بحساب جيد ليتلاءم الشعر مع الغناء والموسيقا وجر السفينة هذا موجود في هذا النوع من الشعر ونوع ثاني هو من شعر شعبي أو الكلام الشعبي يستخدم للأغاني  سريعة وهو قصير وليس ثابت مثل جر المجداف لأن البحار يؤدي العمل المطلوب منه حسب نوع الشعر .

كذلك هناك نوع آخر من الغناء خاص بالسفن الكبيرة ذات الأشرعة الثلاث التي تسافر للمسافات البعيدة حيث تذهب  للباكستان و افريقيا والهند والبحارة في سفرهم مثلا لهذه الدول تمتد إقامتهم فترة أطول قد تصل لـ 6 أو 7 أشهر فيختلف الغناء كذلك  كلام الغناء حيث يستخدمون بعض الكلمات الهندية أو الإفريقية في شعرهم .

لذا قد نجد أثراً هندي وأفريقي في موسيقا الخليج و معظم الموسيقيين الخليجين قديماً تعلموا في الهند ليس في الوطن العربي فالإقامة الطويلة مكنتهم تعلم الموسيقا وممارستها والالتقاء بالموسيقيين الكبار فنجد المدارس اليمنية الموجودة في الهند كبيرة جدا وكذلك وأفريقيا .

نوع آخر  من الغناء البحري هو غناء الفرح حيث البحارة فترة وجودهم في الكويت كانوا يتجمعون في مكان اسمه الديوانية عادة إلى الآن موجود في الكويت في كل بيت وهو غرفة كبيرة في المنزل إحدى الغرف الرئيسية التي تجمع فيها الأهل والعائلة مع الأقرباء والجيران وأصحاب البحارة يجتمعون ويغنون وأصبح اسم هذا الغناء الفجري لأنه يستمر حتى طلوع الفجر وهو غناء جميل وصعب لأنه يحتاج إلى إيقاعات متنوعة .. وكذلك عند عودتهم إلى الوطن يرددون أغاني العرضه  .. حين ذلك يخرج الأهالي ينتظرونهم على الشاطئ ويغنون في هذا اليوم الذي يسمى يوم القفال .هكذا تتميز أغاني البحر بالشوق والحنين وتفاعل أحاسيس المحبة والاغتراب مع ذكريات الأحبة والتطلع إلى القادم .

– بالنسبة للأنواع الأخرى من الأغاني , هناك الغناء البدوي وبيئتة التي كانت تعد خارج السور، لأن السور الذي بني حدد بصورة تقريبية سمات سكان المدن، ومن ثم : ظلت البادية محتفظة بما لها من سمات متوارثة، لم يستطع المجتمع المدني أن يلغيها فكان والغناء هنا يعتمد بشكل أساسي على الجمل وخطواته فالخبطة الجمل دور في وضع الموسيقا لعدم وجود آلات إيقاعية كثيرة لديهم بل آلالات خفيفة جدا من مكان لمكان والرباب الخفيف بوتر واحد يطابق صوت البدوي في غناءه وشعره عندما يكون على ظهر البعير ودائما البدوي يغني على البعير وهي الآلة الخاصة له وهي بغنائه تحافظ على خطواتها ومنها وليس هناك غناء كثير في البادية مثل الحضر والبحر .وهناك موسيقا المجتمع الحضري الذي فصله عن البادية السور الذي بناه الكويتيون ليحميهم. وابتعد أو كاد معظمه يبتعد عما في بيئة البحر من مغامرات، ومارسوا الحرف اليدوية والصناعات التي يتطلبها المجتمع المدني، وكان بناء السور حداً فاصلاً بين بيئتين، تميزت كل منهما عن الأخرى بسمات مختلفة. فقد  اهتموا بنوع معين من الغناء العربي القديم وحافظوا عليه وظلوا في بوتقة غناء الصوت العربي القديم وحتى اليوم هناك من يبحث في هذا النوع  دائما ويتساءل لماذا الآن لا يعمل بالصوت وهو مذكور في الكتب ونوه عنه الفارابي والأرموي في كتابهما  كذلك كان معروفاً قديماً حتى في دول أخرى مثل العراق وذكر في قصص ألف ليلة وليلة .

وقد حاول العاملين في الثراث الموسيقي الخليجي جمع الصوت وأنواعه المختلفة وتمكنوا من وضع نوعين منه صوت عربي وصوت شامي الصوت العربي 4/4 والشامي 4/6 لكن الموضوع هناك ما زال غير واضح الإيقاع أو غير ذلك حسب الدارسات .لكن الخاصية التي تميز الخليج أن غناء الصوت انتهى في العراق لكنه موجود في اليمن والخليج نتيجة البحارة الخليجين اللذين ذهبوا اليمن .ومن الغناء الحضري أيضاً هناك غناء المرأة أو الغناء النسائي هو نوع غني جدا ومنوع جدا مثل غناء  الأعراس والظروف الاجتماعية المختلفة مثلا عند دق الهريس أي الحبوب لصنع الطعام في رمضان ودق الهريس هو احتفال جميل تتجمع فيه النساء وتغني مع إيقاع ضرب الحبوب في الخشب ليظهر صوت وإيقاع جميل مركب من الضرب وهو مشهور إضافة للأغاني الأعراس والطهور .إلا أن الغناء البحري  يتميز عن الغناء البري بكونه أكثر هرمونية و أكثر إبداعاً  أكثر بينما البري أقل موسيقا.أما الميزة  الخاصة جداً للموسيقا في الخليج والكويت عن سواها من الموسيقا العربية أنها موسيقا إيقاعية وليست نغمية إذ ليس لديهم في الخليج آلات نغمية بل الإيقاعية نتيجة الجو وظروف البيئة ونتيجة تعودهم على القرع لا العزف أما باقي الآلات فقد جاءت وقت متأخر مثل العود والكمان كذلك الناي 1959 دائما كان الاعتماد على الآلات الإيقاعية لأنها سهلة الصنع والنقل كذلك لا تتأثر بالعوامل الجوية الآلات الإيقاعية و ظل الأمر هكذا حتى دخلت الآلات مع بداية الإذاعة الكويتية الإرسال وبدأت تدخل أنماط أخرى من الألحان والفرق العربية والآلات المختلفة .إذاً أصل الألحان بشكل أساسي في الكويت هو الإيقاع ومع هذا تبقى الأغاني ذات الطابع السريع هي ليست خليجية على الرغم من أن موسيقا تتميز بأنها إيقاعية  لكن السرعة جاءت من الغناء الأفريقي الذي يمتاز بالسرعة ووصل وافداً للخليج واخذ  شكل خميسي فقد ظهر من خلال الدارسات أن حالة البحر لا تحتاج للسرعة في الإيقاع لكن بطء بسبب التأثير الاجتماعي الجغرافي بيئي لذلك تتكون نوعية معينة من الغناء أو نوعية الغناء في المنطقة لذلك عندما نريد أن نعرف الغناء الموجود في منطقة ما لا بد من دراسة البيئة والجو والحالة الاجتماعية كل هذا يؤثر تأثير كبيراً في الغناء والشعر والموسيقا .ورغم التاريخ الكبير و التراث والتنوع الفني وكما هي حال الأمور الثقافية التطور جعل الناس تهمل وتهجر الأعمال الفنية القديمة التي تكاد أن تنقرض بسبب  انصراف الناس إلى أعمال جديدة اختلفت عن أغاني العمل أو الأعمال التي كانوا يقومون بها ، فكان هذا سبباً لانقراض أنواع الغناء المصاحبة للعمل , وذلك على الرغم بعض الجهود من الجهات المتخصصة بحفظ التراث مثل  المجلس الوطني للثقافة والفنون الذي حاول القيمون به أن يقوموا بتوثيق الأنواع الغنائية الخاصة بالأعمال التي لم تعد موجودة كما حاولوا مسرحة العمل أي خلق مسرح بنفس جو العمل من بحارة وسفن ليعيشوا روح العمل ويؤدون الأغاني في جوها الأصلي ويتم توثيقها وتسجيلها  قبل أن تندثر خاصة أن العمل نفسه اندثر لكن هذا العمل المسرحي التوثيقي لم يؤتي ثماره بشكل صحيح , خاصة أن بعض عمليات التنويط الحديثة لتلك الأعمال الفنية القديمة كانت على الكمبيوتر وهذا خطأ حيث يضيع 80% من جمالية العمل لأن التنويط الآلي غير عمل الإنسان وعزف الآلة غير عزف الإنسان وخاصة أن الأعمال القديمة تختلف بنغمتها عن الآلات الحديثة لذلك لابد من التنويط الإنساني لأنه يعيد الحياة للموسيقا .ورغم المحاولات للتوثيق والعمل على دعم الفنون التراثية تبقى هذه الأعمال قاصرة لعدم وجود الدعم اللازم من الدول والتقصير بالدراسات البحثية في هذا المجال .

.

_…شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الأقليات في الوطن العربي وسؤال الهوية قراءة على سبيل التمهيد
Next post فيليب كلوز عمدة بروكسل رسمياً