ابن الفارض في رحاب الصوفية

Read Time:6 Minute, 15 Second

شبكة المدار الإعلامية الأوربية…_الصوفية هي مذهبٌ من مذاهب الإسلام ومنهاج عبادة وطريقة يسلكُها الإنسان لكي يصلَ إلى الله بمعرفتِه والعلم به، ويتمُّ ذلك عن طريق التحلّي بالأخلاق الحَسَنة والالتزام بأوامر الله ونَواهيه والاجتهاد في العبادة إلى أبعدِ حدّ، ويستمدُّ مذهب الصوفية فروعه وأصوله من القرآن الكريم والسنة النبوية واجتهادات العلماء، فهو علم مثل بقيَّة علوم الفقه وله مدارسه وعلماؤه وأئمّته الذين أسّسوا وطوَّروا هذا العلم على مرِّ السنين ووُجِدَ الكثير من الشعراء الصوفيّين الذين كان لهم تأثير كبير في الشعر العربي، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول ابن الفارض والحب الإلهي وأشعار ابن الفارض.

ابن الفارض

يعدُّ ابن الفارض من أشهر الشعراء المتصوّفين في العصر العباسي بشكلٍ خاصّ وفي التاريخ الإسلامي بشكلٍ عامّ، هو أبو حفص عمر بن علي بن مرشد الحموي، وُلد عام 1181م في مصر ووالداه من مدينة حماه في سوريا، وقد لُقّب والده بالفارض لأنَّه كان يعمل على تحصيل فروض النساء من الرجال بين يدي الحكام، ونشأ ابن الفارض مشتغلًا بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثمَّ اتَّجه إلى طريق التصوف والتجرد ومالَ إلى الزهد، وسافر إلى مكة المكرمة من أجل أن يؤدي فريضة الحج، فاعتزلَ في أحد الوديان البعيدة، واستمرَّ في عزلته ما يقارب خمس عشرة سنة زاهدًا عابدًا متصوِّفًا منعزلًا إلى أبعدِ الحدود، وهذا ما هيَّأ له فرصة للتأمّل والتفكّر ثم عاد إلى مصر إلى آخر حياته وتوفي فيها ودفن بجوار جبل المقطم في مسجده عام 1235م. )

ابن الفارض والحب الإلهي

عُرف ابن الفارض بأنَّه من أشهر الشعراء المتصوفين في تاريخ الحضارة الإسلامية، فهو شاعر متصوِّف كبير يُلقب بسلطان العاشقين، وفي شعره فلسفةٌ ما يُسمَّى بوحدة الوجود، فقد سلكَ ابن الفارض طريق الصوفية من بداية حياته، فاعتزلَ في أحد الوديان الذي يدعى وادي المستضعفين في جبل المقطم في مصر، وبعدها اعتزل في مكة الكرمة في أحد الوديان البعيدة ما يقارب خمسة عشر سنة وهذا ما ساعده على تخليص نفسه من كلّ ماديّات الحياة، وعيش حياة الورع والزّهد والعبادة والتنسُّك وضبط النفس ومجاهدتها فكان يقضي الأيام الطوال دون طعام  ودون شراب ودون نوم وكانت تصل أحيانًا إلى أربعين يومًا وهي ما سمّيت بالأربعينيات، وهذا ما حَدا به أن يغدوَ مطمئنًا إلى بهجته العظمى والظفر بالوصول والأنس والقرب من محبوبه الأسمى الذي عاش ابن الفارض حياته كلّها للوصول إليه، فالحب الإلهي عند ابن الفارض لم يقتصر على عباداته وزهده وورعه وإنَّما كان ماضيًا إلى حدود أبعد من ذلك في الحب الإلهي، وكان يطمح أن يصل إلى الله تعالى، ووصل إلى مرحلة اعتُبِر فيها إمام الصوفية والعاشقين في الحب الإلهي.)

أشعار ابن الفارض

تميَّز ابن الفارض بأنَّه من أهمّ شعراء الصوفية على الإطلاق، وأشعار ابن الفارض من الشعر الصوفي الرقيق الذي يدعو إلى الحب الإلهي لدرجة الفناء في الذات الإلهية، وكثيرًا ما تمَّ إنشاد أشعاره في مختلف المناسبات الدينية وغيرها، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج بعض من أشعار ابن الفارض:

  • قصيدة قلبي يُحدّثُني)

قـلـبي يُـحدثُني بأنك مُـتلِفي          روحـي فِداك، عرَفت أم لم تعرفِ

لم أقضِ حقّ هواكَ إن كنتَ الذي          لـم أقـض فيه أسى ومثلي مَن يفي

مـا لي سوى روحي، وباذلُ نفسه          فـي حب من يهواه ليس بمسرفِ

فـلئن رضـيتَ بها فقد أسعفتَني          يـا خيبة المسعى إذا لم تسعفِ!

يـا مانعي طـيب المنام ومانحي          ثـوب الـسقام بـه ووَجدي المتلفِ

عـطفًا على رمَقي وما أبقيتَ لي          من جسمي المضنى وقـلبي المُدنف

فـالوجدُ بـاقٍ والوصالُ مُماطِلي          والـصبر فانٍ والـلقاء مسوِّفي

لم أخلُ من حسدٍ عليكَ فلا تُضِع          سهَري بتشنيع الخيالِ المُرجِفِ

واسأل نجوم الليل هل زار الكرى          جَـفني وكيف يزور من لم يعرفِ

لا غـرو إن شحَّت بغمضٍ جفونها          عـيني وسـحَّت بالدموع الذرَّفِ

وبما جرى في موقف التوديع من          ألـم النوى شاهدتُ هول الموقفِ

إن لم يكن وصـلٌ لديكَ فعِد به          أملي وماطل إن وعدتَ ولا تفي

فـالمطلُ منك لديَّ إن عزَّ الوفا          يـخلو كـوصلٍ من حبيبٍ مسعفِ

قصيدة خفّف السير واتّئد يا حادي)

خفِّفِ السَّيرَ واتّئِدْ يا حادي،          إنَّما أنتَ سائقٌ بفؤادي

ما تَرَى العيْسَ بينَ سَوْقٍ وشَوْقٍ          لِربيعِ الرُّبوع غَرْثَى، صَوادي

لمْ تُبقِّي لها المهامِهُ جسمًا          غيرَ جِلْدٍ على عِظامٍ بَوادِ

وتَحفَّتْ أخْفافُها، فَهِيَ تَمْشي          من وَجَاها في مِثلِ جمرِ الرَّمادِ

وبَراها الوَنى، فَحّلَّ بُراها،          خَلّها تَرْتَوي ثِمادَ الوِهادِ

شفَّها الوَجدُ إن عدِمتَ رِوَاهَا          فاسقِها الوَخدَ من جِفارِ المَهَادِ

قصيدة ما بين مُعتَرَكِ الأحداقِ: )

ما بينَ مُعْتَرَكِ الأحداقِ والمُهَجِ          أنا القَتيلُ بلا إثْمٍ ولا حَرَجِ

ودَّعْتُ قبلَ الهَوى رُوحي لما نَظَرَتْ          عيناي منْ حسنِ ذاكَ المنظرِ البهجِ

لِلّهِ أجفانُ عينٍ فيكَ ساهِرَة           شَوْقاً إليكَ، وقَلْبٌ بالغَرامِ شَجِ

وأضْلُعٌ نَحِلَتْ كادتْ تُقَوِّمُها          مِنَ الجَوى كبِدي الحرَّى مِنَ العَوَجِ

وأدمعٌ هملتْ لولا التَّنفسُ منْ          نارِ الهَوى، لمْ أكَدِ أنجو منَ اللُّجَجِ

قصيدة زِدني بفرطِ الحبّ)

زِدْني بفَرْطِ الحُبّ فيك تَحَيُّرا          وارْحَمْ حشىً بلَظَى هواكَ تسعَّرا

وإذا سألُتكَ أن أراكَ حقيقةً         فاسمَحْ ولا تجعلْ جوابي لن تَرى

يا قلبُ أنتَ وعدَتني في حُبّهمْ         صَبراً فحاذرْ أن تَضِيقَ وتَضجرا

إنَّ الغرامَ هوَ الحياةُ فمُتْ بِهِ         صَبّاً فحقُّك أن تَموتَ وتُعذرا

قُل لِلّذِينَ تقدَّموا قَبلي ومَن         بَعدي ومَن أضحى لأشجاني يَرَى

عني خذوا وبي اقْتدوا وليَ اسمعوا         وتحدَّثوا بصَبابتي بَينَ الوَرى

ولقد خَلَوْتُ مع الحَبيب وبَيْنَنَا         سِرٌّ أرَقّ منَ النسيمِ إذا سرى

وأباحَ طَرْفِي نَظْرْةً أمّلْتُها         فَغَدَوْتُ معروفاً وكُنْتُ مُنَكَّرا

Weziwezi

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post حياة ووفاة قاسم أمين
Next post طوفان الوباء.. صناعة الكراهية والشقاء