الانتقال الديمقراطي وتحديات بناء المجتمع والدولة

Read Time:3 Minute, 31 Second

يوسف محمد جمعة الصواني

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_إن ما تحقق في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي حتّى الآن هو إيجابي بجميع المقاييس، رغم كلّ ما يتردّد يومياً في عناوين الأخبار من أحداث عنف أو اعتداء على الشرعية المؤقتة. إن ما تحقق إيجابي، إذا ما قيس بما عرفته البلاد خلال مرحلة طويلة من تراكمات. ويأتي في مقدمة ما تحقق تحرّر الناس من كلّ العقد والقيود، وفي مقدمتها الخوف. وهذه المقولة لم تتحقق إلا بعد انهيار نظام القذافي، على الرغم من أنه كان دائماً يردّد بكلّ صفاقة أن الناس لها الأولوية على السلطة. لذلك، رغم أننا ما زلنا نجد الحوادث المتكرّرة، من استهزاء بالسلطة، واعتداء على رموزها وأشخاص ممثليها، كما نشهد أسبقية مستويات مختلفة من تصرّفات الشارع وحضوره، ولو على حساب المصلحة الوطنية العامة، فلا بدّ من الإشارة إلى أنه ما زال أمام البلاد، بالتأكيد، طريق طويل وشائك قبل أن تصل إلى تحقيق الإنجاز التاريخي بإقامة الدولة الديمقراطية، إذ تقف في طريق هذا الهدف تحديات وعقبات متنوّعة.من الواضح أن ليبيا تشترك مع الحالات العالمية المشابهة في ما يتصل بمرحلة ما بعد الصراعات أو الحروب الأهلية، وكيف تلقي هذه بظلالها الكثيفة على أي انتقال ديمقراطي، ولكن ليبيا تتوفر، أيضاً، على مكوّنات وتحديات خاصة بها. بعض هذه التحديات تجد جذورها في الثقافة السياسية، وفي طبيعة الاقتصاد الوطني، بينما ترتبط أخرى بما ترتّب على حكم القذافي، والظروف والأوضاع التي نجمت عن الإطاحة به. ومع أن التهديد الخارجي، أو التدخل الأجنبي، يبرز كأخطر تحدّ للسيادة الوطنية، ويهدد أي توازنات أو توافقات يمكن التوصل إليها بين الأطراف، فإنه يضاعف من حدّة التحديات الأخرى، وخاصة تلك المتعلّقة بإعادة البناء وإعادة الاعتبار للدولة وهيبتها[1]. إن التجربة المرّة التي عاشتها البلاد خلال العقود الماضية أدت إلى عدم الاهتمام بالجوانب المؤسسية بشكل واضح، ونشوء ثقافة تحتقر المؤسسات والقواعد، وتسوّغ الفساد، وتحتقر الخير العام.إن ليبيا تواجه اليوم تحدّي إعادة الاعتبار للمقاييس أو المؤسسات بما يؤسس لتنمية حقيقية. إن لذلك صلة أيضاً بتحقيق الأهداف الاجتماعية، مثل تنظيم التقسيم المنتج للعمل، وتوليد وصيانة النمو الموالي للبسطاء، مثلما هو معزّز لأداء واتخاذ القرارات اللامركزية، وبناء وتعزيز رأس المال الاجتماعي. لقد أدى التدخل العسكري لحلف الأطلسي مدعوماً بالمال والسلاح من بعض بلدان الخليج ـ قطر والإمارات في المقام الأوّل ـ إلى تعميق اشتغال الآلية القبلية والجهوية سلبياً من ناحية أولى، وإلى بدء عملية تحويل ليبيا إلى منطقة لممارسة النفوذ الأجنبي من ناحية ثانية، بينما تتوقع بعض التحليلات استناداً إلى تطورات الأحداث أن الأسوأ لم يقع بعد، حيث إن هناك إشارات إلى توقّع حصول تداعيات قاسية، كما بيّنت أحداث أوائل صيف عام 2013.لا يبدو أمام الليبيين إلا السعي إلى التمسك بقيم تمّ تجاهلها إلى وقت طويل لتجنيب البلاد العواقب الوخيمة للعسكرة والتدخل الأجنبي بدل الدعوة إلى مزيد منه، حيث تتعاظم أخطار التدخل ويتكرر الخطأ في اعتبار هدف إسقاط الحكم التسلطي أكثر أهمية من هدف الحفاظ على البنية المجتمعية من التفكك وحماية الكيان السياسي من الاضمحلال[2]. إن من شأن إسقاط الدكتاتورية بثورة مسلّحة في مواجهة آلة القتل التي يستخدمها الدكتاتور الطاغية أن يجعل العنف ومؤسساته، وربما اللجوء إليه في مستويات مختلفة من الممارسة، أمراً قائماً أو محتملاً في مرحلة لاحقة. إن هذا يبدو نتيجة واضحة، خاصة إذا ما تذكّرنا أن الدكتاتورية تقتل أو تضعف وتهمّش كلّ قوى الديمقراطية والتغيير. إن أساليب النضال المستخدمة ذات صلة وثيقة بتوزيع القوى المؤثرة من أجل تحقيق أهداف الثورة في القضاء على الطغيان وخلق نظام ديمقراطي، كما هي وثيقة الصلة بهدف الحيلولة دون ظهور دكتاتورية جديدة. وفي هذا السياق، يقرر جين شارب أنّه لأن «الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني تكون ضعيفة في ظلّ وجود أنظمة الحكم الدكتاتورية، وتكون الحكومة في المقابل قوية جداً، فإذا لم يحدث تغيير في موازين القوى هذه، فإن الحكّام الجدد يستطيعون إن أرادوا أن يكونوا حكّاماً دكتاتوريين كأسلافهم»[3].

المصادر

[1]محمّد الفيتوري، «قطر تقود ليبيا خارجياً،» الوطن الليبية، 19/12/2011،  <http://www.alwatan-libya.com/more-18776-13>.

[2]محمّد عبد الشفيع عيسى، بدايات ونهايات ثورة يناير: رؤية فكرية (القاهرة: منشورات الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2012)، ص 129. 

[3]جين شارب، المقاومة اللاعنفية: دراسة في النضال بوسائل اللا عنف، ترجمة خالد دار عمر (بيروت: الدار العربية للعلوم ـ  ناشرون، 2009)، ص 72. [وقام مركز دراسات الوحدة العربية بإعادة نشر وتوزيع الكتاب تحت نفس العنوان عام 2012]. 

مركز دراسات الوحدة العربية

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post على ترامب ألا يدع خطة جاريد كوشنر للسلام تبصر النور
Next post الأوضاع المتفاقمة منذ زمن التي أدت إلى الاحتجاجات الشعبية في الجزائر