صائمون و الله أعلم

Read Time:4 Minute, 51 Second

هبه محمد معين ترجمان

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_رمضان شهر الخير والبركة شهر الرحمة والغفران الشهر الذي أعطانا ثقافة هامة تدعو لكل القيم الخيرة بما في ذلك دعوة للعودة لله والسلام والوئام ليعم الخير على البشر قيم زرعها شهر كريم الذي فرضه الله للتفكر والتدبر .في السابق كان الهدف من صوم رمضان هو الاستجابة لله عز وجل الذي قال في كتابه الكريم ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فالصيام فريضة بين العبد وربه تكفل سبحانه وتعالى بالمكافأة عليها كما قال في الحديث القدسي ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا اجزي به ) . ومع ذلك فإن للصيام فوائد صحية كثيرة لا يُغفل عنها، هو شهر للتدريب الجسمي والروحي مع الأمل أن يستمر ذلك لما بعد رمضان. الكثير الكثير من معاني حملها شهر ربما يحاول الإنسان فيه أن يعود إلى إنسانيته لكن ما الذي  حل بشهر الصيام في زمن العولمة والتكنولوجيا وثورة الاتصالات وما الذي حدث للشهر الكريم وهل اختلفت والمبادئ فيه وتطورت مع التطور الذي حصل في العالم ؟في الواقع وعلى الرغم من أن الكثيرين يوقرون الدين ويحترمون رمضان، ويعظمون شعائره، ويعملون على تصفية نفوسهم بالصوم (لعلهم يتقون) لكن من ناحية أخرى نجد ما يتناقض ذلك تمامًا . وحتى مع وجود الإنسان العادي، المتدين بطبيعته، الذي يستعد لرمضان بنية الصيام والقيام وختم القرآن والإقلاع عن التدخين والمنكر، ويستحي من الله تعالي، مهما كان فاجرًا، فإن الإعلام وثقافته جاءت بما يخالف هذا الموضوع فقد اعتبرت القنوات التلفزيونية والفضائيات أنه شهر تسابق للأعمال الفنية ومهرجانا للعروض والتنافس في ذلك وطبعا الثقافة الحالية هي ثقافة مأخوذة من الإعلام و الريادة للفضاء و الفضائيات – وفي الشهر الكريم شهر رمضان نجد المزاحمة بين المسلسلات الدرامية المختلفة ،  والتي لا نجد حرجاً فيها بما تقدم من مشاهد قاربت العري والدلع لسيدات وفنانات أعمارهم تجاوزت الأربعين وأحياناً الستين  وكذلك فنانات الجيل الجديد اللواتي يقبلن أن يفعلن أي شيء، في سبيل الفن وهنا يمكنك أن تشاهد في رمضان الدراما 24/24 ساعة يومياً من قناة لأخرى وتسمع عن خلافات المسلسلات وأبطالها ومنتجيها سواء السورية أم الخليجية والمصرية وذلك كنوع من الدعاية لهذا الأعمال لزيادة الإقبال الجماهيري عليها .ولا ننسى أن هناك مسلسلات رمضانية سابقة قد تسببت بإشكاليات اجتماعية منها وقوع العديد من حالات الطلاق بسبب بعض هذه الأعمال حيث تذكر إحدى الدراسات أن 88% من حالات الطلاق سببها الدراما.أما الأعمال التاريخية التي كانت رمزاً لهذا الشهر الكريم على اعتبار أنها من التراث وتعطي قيماً رشيدة فقد قزمت وغلب عليها الطابع الدرامي الذي يلغي الحقيقة التاريخية وأصبح المشاهد أسيراً لثقافة كاتب العمل وتوجهاته حيث يتقبل ما يقدم إليه باعتباره الحقيقة التاريخية الوحيدة دون بحث أو تدقيق, لتأتي هذه الإعمال إما مقتبسة من أعمال أخرى أو لتجسد سياسة الدولة الحالية أو توجهات أصحاب الإنتاج أو لتشويه التاريخ بشكل عام . ليبقى الأهم في جميع الأعمال المذكور البحث عن الكسب المادي بعيداً عن القيم الأصيلة التي يجب أن تغرسها فينا الأعمال الفنية  في المرتبة الثانية تزاحم الدراما برامج المسابقات والفوازير  السخيفة التي تغري الناس بالمشاركة بها بغباء الأسئلة الموضوعة ودلع المذيعات إضافة للاستعانة بممثلين لم يجدوا مكانهم في الدراما الحالية فتحولوا للتقديم لاستقطاب اكبر عدد من المتصلين وطبعاً تزداد المرابح مع ازدياد الاتصالات والماسجات .غضافة لبرامج المقالب التي أصبحت قريبة من حد السخافة وتقدم الرعب والصراخ وكل محطة تجعل لها كاميرتها الخفية كما تراها. أما البرامج المنوعة  تزداد نسبة ضيوفها من الممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات لتصل حد 99%  .ومن هنا يتبين لنا بأن الثقافة العربية اختُصرت بأهل السينما العربية وبأهل الغناء من الجيل الجديد. وهناك إحصائية تقول بأن عدد المغنين والمغنيات من الشباب في العالم العربي الآن زاد عن 400 مغنٍ ومغنية، وهو أكبر رقم شهده الغناء العربي طوال تاريخه وهم يتهافتون على المحطات في هذا الشهر الكريم .حتى البرامج الدينية  أصبح  لكل شيخ جمهوره الذي يجله ويحبه ولا يقبل من غيره أي كلام و بطبيعة الحال لا يمكن مقارنتها بالأعمال الفنية فهي  قليلة نسبة لهم  ولمزاحمة الدراما والفوازير لن تستطيع الصمود أو تجد كماً من المشاهدين , فهي تظهر بأوقات معينة وقصيرة وتستجلب شيوخاً أو دعاة عصريين يحاولون تقديم الدين بلباس أصحاب المحطات أو اوامر الساسة والحكام .أما عن الواقع الاجتماعي فمع بداية شهر الصوم يبدأ الشباب بالتأفف من الصيام ولا اعتقد أنهم يجلون القيام فالتلفاز هو الأهم في هذا الشهر ولن ننسى الاجتماعات التي يقوم بها هؤلاء الشباب بعد الإفطار في المقاهي والخيم الرمضانية وجلسات الأركيلة أو الشيشة والدخان بعد صوم شاق لنهار تم قضاؤه في المنزل .وطبعاً الجميع يعلم الخيم الرمضانية وما تقدمه من سهرات ومنوعات وحتى الأماكن الثقافية ودور الأوبرا في العواصم العربية تقدم برامجاً فنيةً منوعةً خصصت لهذا الشهر الكريم حيث يتم التعاقد مع أهم الفنانين من مطربين و راقصين ليتم إحياء ليالي من التواشيح والأناشيد الدينية وهذا يعتبر أكبر الأيمان .من جهة أخرى نجد أن هذا الشهر ارتبط أيضاً بعد الفضائيات بالاقتصاد حيث تمتلئ الأسواق بالناس للشراء كأنما الأيام انتهت بعد هذا الشهر ولنجد أن الطعام قد ارتفع سعره وزادت الأسعار بنسب مخيفة ويظهر الاحتكار وتتنوع المأكولات حيث يشتري الصائم الكثير من الطعام كأنما مضى له دهر لم يفطر .أما موضة موائد الرحمن التي تسري في بعض الدول فبدل أن يحاط اسم المتبرع بها بسرية أصبح يجاهر بها رجال الأعمال والفنانين والفنانات  لتكون لهم دعاية وإعلان خاصة أنهم يدعون إليها بعض المشايخ لحصولهم على البركة والشهرة الدينية التي تجعلهم محط ثقة الناس وطبعاً لا نعرف مصدر المال الذي تقام منه هذه الموائد العامرة . وبدل أن يكون المدعون لها من الفقراء يتوجه لها الكثير ممن هم ليسوا بحاجة كنوع من الترفيه بدون مقابل .أشياء وأشياء ثقافة اختلفت في الظاهر والباطن عما كنا نسمع ونفهم من رمضان ليمضي الشهر الكريم بين أماكن السهر والأسواق وعند التلفاز هذه هي الثقافة الحالية وبعده ننتظر العيد لنفرح بالإفطار لننسى أن  الصوم مدرسة لتربية النفس ، وتزكية القلب ، وغض البصر ، وحفظ الجوارح وأنه  سر بين العبد وبين المعبود سبحانه ومساحة للعودة وطلب الغفران .فهل كان صيام اليوم قيام الليل أمام التلفزيون أم أن الشهر هو للأكل وللإسراف بالإنفاق وزيادة الهموم والديون وهل بهذا نحن صائمون ؟ لعلنا صائمون والله أعلم ؟ 

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post العقل في الحرب على مدينة طرابلس
Next post من يغامر بمستقبل منطقة الخليج الى الهاوية