شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_أعادت تطورات المشهد السياسي الدولي وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، ترتيب أولويات الاتحاد الأوروبي بشأن استراتيجية الأمن، وتعزيز الشراكة مع الحلفاء داخل التكتل وفي إطار حلف الناتو، بجانب التعاون مع الشركاء من خارج أوروبا، خاصة وأن التحديات الأمنية التقليدية المتمثلة في مخاطر الجماعات المتطرفة وتداعيات الهجرة غير الشرعية، زادت حدتها بتصاعد الصراعات السياسية في قارتي أفريقيا وآسيا وفي منطقة الشرق الأوسط، ما يفرض على التكتل الأوروبي إعادة صياغة سياسات حفظ الأمن الأوروبي، وفقاً للتحديثات التكنولوجية وتوسع استخدام الذكاء الاصطناعي.
ما طبيعة الشراكات بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لتعزيز الأمن الأوروبي؟
يتعاون الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في التصدي للإرهاب والتهديدات السيبرانية، ويجتمعان بشكل منتظم لترتيب اتصالات عسكرية دائمة لتسهيل التواصل على المستوى العملياتي، عبر فريق اتصال تابع للحلف وهيئة الأركان العسكرية للاتحاد منذ 2005. تأسست خلية تابعة للاتحاد لقيادة عمليات الناتو في بلجيكا 2006، ويساهم الحلفاء الأوروبيون من خارج الاتحاد بشكل كبير في جهود الدفاع عنه، وتعد مشاركتهم ضرورية للشراكة بين الناتو والاتحاد الأوروبي.
يمثل التعاون بين الناتو والتكتل الأوروبي، ركيزة أساسية لعمل الأخير الهادف لدعم الأمن والدفاع الأوروبيين، وفي 10 يناير 2023، وقع مسؤولو الاتحاد الأوروبي والأمين العام للناتو وقتها، اتفاقاً لتعزيز التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية، لمواجهة التحديات المشتركة لتصاعد وتيرة حرب أوكرانيا، وتنسيق الإجراءات ضد التهديدات الأمنية المشتركة في القارة الأوروبية، خاصة وأن الطرفان يعملان معاً في إدارة الأزمات ويسعيان للارتقاء بالشراكة إلى مستوى أعلى.
هذا التوقيع يعد التعاون الثالث بينهما في التعامل مع التهديدات الأمنية المماثلة، بعد إعلان وارسو المشترك في 8 يوليو 2016، لمواجهة التهديدات الهجينة ودعم التعاون العملياتي في الهجرة والأمن السيبراني والقدرات الدفاعية. وتوقيع إعلان آخر في 10 يوليو 2018، بشأن الانفتاح والشفافية في سياسة الأمن والدفاع، خاصة وأن الناتو يعد حجر الأساس لأمن أوروبا.
أكدت قمة الناتو في 6 أغسطس 2024، على التعاون مع العواصم الأوروبية، لتعزيز الدفاع السيبراني والتصدي للمعلومات المضللة، والتعاون الدفاعي في منطقة الإندو-باسيفيك، والعمل على مشاريع تكنولوجية لردع أي تهديدات داخل أوروبا أو خارجها. ويعمل موظفو الناتو والاتحاد لتطوير القدرات في إطار مبادرات الدفاع المشتركة.
ما طبيعة الشراكات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتعزيز الأمن الأوروبي؟
مر التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بـ (3) مراحل حول الأمن الأوروبي ومكافحة الإرهاب، جاءت المرحلة الأولى بعد هجمات (11) سبتمبر 2001، وكثف الجانبان التعاون في اتفاقيات المساعدة القانونية المتبادلة وتسليم المجرمين، وأسسا نظام الأمن الداخلي عبر الأطلسي وفقاً لمعايير مشتركة.
تدريجياً تراجعت الشراكة بينهما بخصوص هذا الشأن في المرحلة الثانية وخلال إدارتي جورج بوش الابن وباراك أوباما، وانخفض الاهتمام بالتعاون الدفاعي بين واشنطن وحلفائها بالاتحاد الأوروبي، واكتفى الطرفان بمبادرات الحد من تأثير انخفاض الإنفاق الدفاعي لجيوش الدول الأوروبية، وأصبحت التهديدات الرئيسية للأمن الأمريكي ليست في أوروبا، بل انتقلت إلى الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ.
باندلاع حرب أوكرانيا في 24 فبراير 2022، بدأت المرحلة الثالثة بعودة الأمن الأوروبي على أجندة العلاقات الأمريكية-الأوروبية، بالتأكيد على أن التعاون بين الجانبين مفتاحاً للسلام والأمن الدوليين، لتقارب المصالح وتشابه التهديدات الأمنية كالتهديدات الإرهابية، والنفوذ الروسي- الصيني، وموجات الهجرة غير الشرعية.
توفر واشنطن نحو (63%) من القدرات الدفاعية للاتحاد الأوروبي، الذي أصدر استراتيجية الصناعة الدفاعية الأوروبية في 2024، لزيادة الإنتاج والتعاون مع واشنطن في حفظ الأمن الأوروبي.
يرجح خبراء أن المرحلة الرابعة ستبدأ خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدعم واشنطن للاتحاد الأوروبي في استراتيجيته للحفاظ على الأمن الأوروبي، وأن تتعمق الشراكة بين الجانبين لمواجهة أي تهديدات محتملة، رغم تصريحات ترامب التي تؤكد على تجنب بلاده مسألة الدفاع عن أوروبا. وتقول راشيل ريزو، الباحثة بمركز أوروبا، إن السنوات (4) المقبلة يجب أن تكثف واشنطن من التعاون الدفاعي مع أوروبا، وجعلها لاعباً أقوى على مدى (15) سنة المقبلة عبر بوابة الأطلسي.
ما طبيعة الشراكات بين الاتحاد الأوروبي ودول غير أوروبية لمواجهة التهديدات الأمنية؟
تقوم السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، على حل النزاعات وتعزيز التفاهم لحفظ الأمن الدولي، بإرسال بعثات لمناطق الصراعات بالعالم، حيث تتواجد شبكة تضم أكثر من (140) بعثة حول العالم لحماية مصالح الاتحاد الأوروبي. تعمل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا(OSCE) على حفظ الأمن والاستقرار، وتتكون من (57) دولة مشاركة من أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا الوسطى. وتجري المنظمة عمليات ميدانية في بلدان مختلفة لتنفيذ برامجها، لمنع اندلاع النزاعات وإعادة التأهيل بعد الصراعات.
ناقش المؤتمر المتوسطي لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في 24 أكتوبر 2022، سبل دعم الحوار مع الشركاء المتوسطيين للمنظمة، ومناقشة الفرص والتحديات الأمنية في المنطقة الأورومتوسطية، وآليات تحقيق التوافق على منهجيات للتعامل مع التحديات الأمنية.
ما أدوات تعزيز الرقابة على حدود دول الاتحاد الأوروبي؟
يعتمد الاتحاد الأوروبي على التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار، لتنظيم دخول المهاجرين واللاجئين على حدود الدول الأوروبية، لرصد الهجرة غير الشرعية ومخاطر تدفقها للحدود، بفحص التأشيرات وطلبات اللجوء، ووضع التقييمات المتعلقة بموثوقية الأدلة ومراقبة الحدود، عبر أبراج المراقبة المستقلة المقامة بالمناطق الحدودية، للكشف عن المعابر الحدودية غير النظامية، وبأنظمة التعريف التلقائي “AIF” المستخدمة للتوعية البحرية والمراقبة.
رغم انتقادات مؤسسات حقوقية لإدخال أنظمة الذكاء الاصطناعي في مراقبة الحدود، فعلى الجانب الآخر أحدثت هذه الأنظمة طفرة في إدارة الدول الأوروبية لحركة التنقل عبر حدودها، ووضعت ضوابط حدودية حديثة، ساهمت في سرعة اتخاذ القرارات بخصوص طلبات التأشيرات وتصاريح الإقامة وطلبات اللجوء عبر تقييمات المخاطر الخوارزمية. من بين هذه الأنظمة، أدوات للتحقق من صحة المستندات التي يقدمها الوافدين، وبرامج “Border control” لاختبار صدق طلبات المهاجرين وأنظمة للتحليلات التنبؤية والحد من التمييز ضد مواطني الدول الثالثة.
تتولى وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية “فرونتكس” رقابة وضبط الحدود الخارجية منذ أكتوبر 2016، وإدارة التعاون العملياتي على الحدود بين الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، لمعالجة أي تهديدات أمنية للحدود، بإدارة الهجرة وتحسين الأمن الداخلي للاتحاد وحماية مبدأ حرية تنقل الأشخاص. وتوسع دور الوكالة في 2019، بإنشاء هيئة دائمة تضم (6500) موظف بحلول 2021، و(10) آلاف موظف بحلول 2027. يمكن أن تقوم الوكالة بتنفيذ عمليات انتشار مشتركة على أراضي البلدان المجاورة، بعد التوصل مسبقاً لاتفاق بشأن الوضع بين الاتحاد والبلد المعني، ويعد التعاون مع بلدان ثالثة جزءاً رئيسياً في مفهوم إدارة الحدود المتكاملة الأوروبية.
كيف يواجه الاتحاد الأوروبي التهديدات السيبرانية؟
يواصل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تعاونهما لمواجهة التهديدات الهجينة، ومتابعة التطورات في الأمن السيبراني وسياسة الدفاع، لوضع آليات لإدارة الأزمات السيبرانية والاستجابة لها. ويشارك موظفو الناتو والاتحاد في تدريبات الدفاع السيبراني التي ينظمها مركز “التميز التعاوني للدفاع السيبراني” التابع للناتو. تتبادلان هيئة الأركان العسكرية للاتحاد وهيئة الأركان العسكرية للناتو، التدريب الفني والمعلومات للتعامل مع الانتهاكات الإلكترونية. اتفق الحلف والاتحاد في يناير 2023 على إنشاء فريق عمل مسؤول عن المرونة وحماية البنية التحتية الحيوية، ورسم خرائط للتحديات الأمنية لقطاعات النقل والطاقة والفضاء. خطط الجانبان في فبراير 2024 لإجراء تمرين لإدارة الأزمات ووضع خطة للفترة من (2024-2025).
ناقش التكتل الأوروبي والولايات المتحدة في أكتوبر 2023، الخطة المشتركة بشأن المنتجات السيبرانية الآمنة، وفقاً لقانون المرونة السيبرانية بالاتحاد وبرنامج تصنيف الأمن السيبراني الأمريكي، بجانب التعاون في أمن البرمجيات والتشفير الكمي والأمن السيبراني للذكاء الاصطناعي. ووضعت المفوضية الأوروبية وهيئة العمل الخارجي الأوروبي في ديسمبر 2020، استراتيجية للأمن السيبراني، لمواجهة الهجمات السيبرانية وضمان حصول جميع المواطنين والشركات على الخدمات الرقمية الموثوقة. في مارس 2021 اعتمد المجلس الأوروبي استنتاجات بشأن الاستراتيجية لبناء أوروبا مرنة وخضراء ورقمية.
توجه وكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني “ENISA” أنظمة المعلومات الأمنية، وتدعم الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد بهذا المجال، وفي ديسمبر 2024 وافق المجلس الأوروبي على تعزيز دور الوكالة في النظام البيئي والرقمي. تعتمد الوكالة على قانون الأمن السيبراني الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو 2019، واقترحت المفوضية الأوروبية في أبريل 2023 تعديلاً للقانون لتعزيز التعاون التشغيلي وإدارة الأزمات. تحتل الدول الأوروبية (18) مركزاً من أفضل (20) في مؤشر الأمن السيبراني العالمي. يضم الاتحاد أكثر من (60) ألف شركة للأمن السيبراني وأكثر من (660) مركزاً للخبرة في هذا المجال، وتصل قيمة الأمن السيبراني بالتكتل لأكثر من (130) مليار يورو
تقييم وقراءة مستقبلية
– المتغيرات الدولية الراهنة المتعلقة باستمرار الصراع الغربي- الروسي، وتوسع الصراع في منطقة الشرق الأوسط جراء هجمات السابع من أكتوبر 2023، واحتمالية استغلال تنظيم “داعش” الأوضاع الراهنة بسوريا، تفرض على دول الاتحاد الأوروبي تفعيل الاتفاقيات والإعلانات المشتركة مع دول الناتو من جانب، ودول أوروبية خارج الاتحاد وفي مقدمتهم المملكة المتحدة، ودول منطقة الشرق الأوسط، كمحاولة لاتخاذ إجراءات استباقية للتعامل مع أي تهديدات أمنية حالية أو محتملة، ما قد يدفع التكتل الأوروبي إلى تخصيص بنود في ميزانيات الدول الأعضاء بشأن دعم هذه الاتفاقيات الأمنية مع الشركاء.
– تولي دونالد ترامب الحكم بالولايات المتحدة الـ (4) سنوات المقبلة، قد يغير من طبيعة التعاون الأمريكي- الأوروبي في المسائل الأمنية، خاصة وأن تصريحات ترامب حملت إشارات إلى تغيير بعض السياسات المتعلقة بالدفاع عن الأمن الأوروبي، الأمر الذي قد يعيد شكل التعاون بينهما إلى مرحلة ما قبل 2022، ويجعل أوروبا تبحث عن شراكات بديلة مع حلفاء من داخل الناتو ومن خارج التكتل الأوروبي.
– قمة بروكسل التي انعقدت في 4 فبراير 2025، وجمعت قادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، لمناقشة قضايا الدفاع والتهديد الروسي للقارة الأوروبية، تكشف حجم مخاوف دول أوروبا من تأثر وسائل التمويل والعلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين بشأن حفظ الأمن الأوروبي، والتصدي للتهديدات القادمة من قبل التنظيمات المتطرفة، والهجرة غير الشرعية، والهجمات الإلكترونية، لذا من المتوقع أن تبحث هذه الدول عن آليات جديدة لتمويل مشاريع تكنولوجية لتعزيز قدراتها الدفاعية والأمنية.
– ستتوسع أوروبا في استخدام الذكاء الاصطناعي لحماية حدودها، في ظل التوقعات بتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين، لزيادة الصراعات في أفريقيا والشرق الأوسط، والضغوط الداخلية على حكومات أوروبا، بشأن سياسات الهجرة واللجوء.
– ريادة الاتحاد الأوروبي في تطوير الأمن السيبراني، تمثل نقطة قوة لهذا التكتل أمام التهديدات الأمنية الناتجة عن الهجمات السيبرانية، والتي تزايدت حدتها خلال الـ (4) سنوات الأخيرة، حيث اتهم الاتحاد الأوروبي روسيا والصين بالوقوف وراء أغلب هذه الهجمات، ما يعزز من دور “وكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني” الفترة المقبلة، نظراً لأن التوقعات تشير إلى احتمالية تصاعد الهجمات الإلكترونية للبنية التحتية لبعض دول أوروبا.
– ينبغي على إدارة دونالد ترامب، أن تدرك حجم المخاطر الأمنية التي قد تنتج عن خفض درجة التعاون مع دول أوروبا بشأن المسائل الدفاعية والأمنية، خاصة وأن أوروبا في دائرة الصراعات العالمية الحالية، في ظل التوترات في بحر البلطيق، واقتراب حرب أوكرانيا من دخول عامها الرابع، فمن من المتوقع أن تصبح هذه المسألة نقطة خلاف داخل الإدارة الأمريكية الحالية، وقد تجبر الرئيس الأمريكي على إعادة التفكير في أي قرارات بخصوص هذا الأمر.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
Average Rating