جاسم محمد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_نجح حزب البديل الشعبوي داخل ألمانيا، بإحداث خرق تاريخي في تاريخ الأحزاب السياسية الألمانية، بعد مساهمته وللمرة الأولى بصعود توماس كمريش إلى رئاسة الولاية بالتواطىء مابين حزب البديل من اجل ألمانيا والحزب المسيحي الديمقراطي يوم 02 فبراير 2020، وهذا مايعتبر انزلاق كبير في قواعد اللعبة السياسية داخل ألمانيا، لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الآن.وهذا من شأنه أن يثير الكثير من الشكوك حول حقيقة الأحزاب التقليدية الألمانية، تحديدا الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي، وهل تتجه هذه الأحزاب نحو اليمين من اجل البقاء في السلطة؟ اليمين المتطرف يخترق الطبقة السياسية في ألمانياذكر استطلاع للرأي أجراه معهد “يوجوف” لقياس مؤشرات الرأي 54 في المائة من الألمان أن “فضيحة تورينغن” مطلع الشهر الجاري فبراير 2020، أثرت بالسلب على ثقتهم في الديمقراطية. وأعرب 34في المائة من الألمان عن اعتقادهم بأن المستفيد الأول مما حدث في تورينغن هو حزب “البديل من أجل ألمانيا”، ثم حزب “اليسار”، بحسب رأي 10في المائة، ثم باقي الأحزاب (“المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي والديمقراطي الحر والخضر) بنسبة تتراوح بين 3 و 4 في المائة.
تفاصيل فضيحة الحزب المسيحي الديمقراطي؟
تكمن القصة بفوز مرشح الحزب الديمقراطي الحر، توماس كمريش، برئاسة حكومة ولاية تورينغن، مستفيداً من تصويت الحزب المسيحي الديمقراطي (حزب ميركل)، والحزب اليميني الشعبوي “البديل من أجل ألمانيا”. لكن هذا “الفضيحة” أحدثت بالفعل زلزال سياسي داخل ألمانيا، من شأنه أن يعرض الأحزاب التقليدية، الائتلاف الحاكم إلى هزات، إلى جانب خسارة هذه الأحزاب ثقة المواطن الألماني، وكان ألمانيا، تتجه نحو اليمين أكثر من السابق. ألمانيا تنامي اليمين المتطرف
تهديدا الديمقراطية
ماتشهده ألمانيا في الوقت الحاضر، يعتبر تهديدا إلى النظام الديمقراطي، أمام “اجتياح” اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية المشهد السياسي والمجتمع الألماني. ولو تحدثنا عن مخاطر التيارات الشعبوية وتمددها في ألمانيا، فيعد ذلك مؤشر خطير في تاريخ ألمانيا السياسي، يؤكد تمدد اليمين المتطرف شمال غرب أوروبا: ألمانيا، ايطاليا، النمسا، فرنسا وهولندا وغيرها من عواصم أوروبا.الائتلاف الحاكم هو الأشد تضررا من اليمين المتطرف، ليكمل حزب البديل الشعبوي على ماتبقى من حزب المسيحي الديمقراطي من تاريخ أو إرث، ويطيح في زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي أنيغريت كرامب – كارنباور، ويهدد مستقبل الحزب والائتلاف الحاكم ومستقبل المستشارة ميركل!وحسب استطلاع سريع أجري لصالح قناة RTL بعد إعلان كرامب ـ كارنباور نيتها التخلي عن منصبها، تصدر ميرتس قائمة المرشحين المحتملين لخلافتها بنسبة 27%. وحل في المركز الثاني آرمين لاشيت، رئيس حكومة ولاية شمال الراين فيستفاليا، بنسبة 18%، فيما حصل وزير الصحة الحالي ينس شبان على 8% من الذين استطلعت آراؤهم.
لعبة “الدومينو” في السياسة
وكأنها تداعيات لعبة “الدومينو” ويبدو أن حزب البديل من اجل ألمانيا أجاد لعب الدور بذكاء واسقط أحزاب عريقة مثل الحزب المسيحي الديمقراطي. المشكلة لا تكمن في الوضع الداخلي إلى الحزب المسيحي بقدر ما أن هذا الحزب هو من يترأس الائتلاف الحاكم، والأكثر تعقيدا، أن شريكه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هو الأخر خسر الكثير من شعبيته، التي تدنت، خاصة في شرق ألمانيا وأصبحت قريبة جدا من حزب البديل “15 % “.أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “يوجوف” لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، أن 48 في المائة من الألمان يتوقعون أن يتمكن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي من المشاركة في تشكيل حكومة على مستوى الولايات أو حتى على المستوى الاتحادي خلال السنوات العشرة المقبلة. 29% فقط من الألمان لا يتوقعون وصول الحزب للسلطة بحلول عام 2030. يأتي هذا الاستطلاع على خلفية الجدل الذي أُثير على خلفية ما عرف ب فضيحة “تورينغتن”
تداعيات فضيحة”تورينغتن”
إن تداعيات تعرض الائتلاف الحاكم في ألمانيا إلى اهتزاز يلقي بتداعياته أكيد على دور ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، وعلى المحور الفرنسي الألماني، ويعصف بالاتحاد الأوروبي بالكامل.ستكون كارثة سياسية داخل أوروبا لو نجح حزب البديل الوصول إلى السلطة، رغم أن الاستطلاعات الحديثة داخل ألمانيا تقول أن اليمين المتطرف ممكن أن يصل إلى السلطة في غضون العشر سنوات القادمة ! وهذا مايثير الكثير من القلق، حول دور ألمانيا، التي لن تتخلص بعد من ارثها التاريخي، باجتياح النازية وكوارث حرب العالمية الثانية. لماذا ولاية تورينغتن؟ تعتبر تورينغتن معقل الراديكاليين الشعبويين في ألمانيا ولها رمزية كبيرة إلى “النازية” تحديدا، كون هذه الولاية شهدت أول “نصر” وصعود إلى “النازية” بفوز “ادولف هتلر” برئاسة الولاية خلال عقد الثلاثينات من العقد الماضي. فوز “النازية” من جديد في تورنغتن، يعطي دفعة قوية إلى التيارات الشعبوية.
ماذا يحصل في المشهد السياسي الألماني ؟
تشهد ألمانيا منذ سنوات، توزيع الأدوار داخل التيارات الشعبوية، ومن كان يعتقد أن حزب البديل من اجل ألمانيا الذي تأسس عام 2013، بعيد عن التطرف وغير مرتبط ب “النازية” والتيارات الشعبوية، يعتبر بالفعل ساذجا.
السؤال : ماذا عن دور المستشارية والاستخبارات الألمانية من مخاطر “النازية” ؟
لقد انشغلت المستشارة ميركل تحديدا بالحفاظ على منصبها خلال السنوات الأربع الماضية، وانشغل الحزب المسيحي الديمقراطي وكذلك الحزب الاشتراكي بالبقاء في السلطة، دون عمل أي إصلاحات حقيقية تعالج مشاكل المجتمع الألماني وكسب أو استقطاب الشباب، التي مازالت لحد الآن تعيش رفض القيادات الأحزاب التقليدية. الاستخبارات الألمانية تعيد نفسها أمام اليمين المتطرف حزب البديل من اجل ألمانيا، استغل هذا “الفراغ ” السياسي واشتغل على ثغرات وأخطاء الأحزاب التقليدية، رغم أن البعض يصفه بأنه يعيش على أخطاء الائتلاف الحاكم، لكنه كان”ذكيا” بالعمل وفق القوانين الألمانية و وفق مواثيق المحكمة الدستورية “ظاهريا”. الحزب يقوم بعمل خطير من خلال توزيع الأدوار: داخل الحزب من خلال وجو “كتلة “الجناح” الذي يمثل النازية بحد ذاتها، وهذا مايتناقض أصلاً مع حق العمل السياسي في ألمانيا. و تظهر عقدة ألمانيا ومشكلتها الرئيسية :”بيروقراطية التعامل مع الدستور والقوانين القضائية والتشريعات”، ومايبرهن ذلك أن جميع الأصوات التي كانت تطالب بإخضاع حزب البديل إلى مراقبة أجهزة الاستخبارات لم تأتي بنتائج، لتصل ألمانيا إلى هذا لحد الخطير : تهديد الائتلاف الحاكم ومستقبل المستشارة ميركل ومستقبل الأحزاب التقليدية.المشكلة أن الخرق الذي أحدثه حزب البديل في المجتمع الألماني والطبقة السياسية جاء عموديا وأفقيا : توزيع الأدوار مابين حزب البديل و التيارات الشعبوية، التي عرفت بتحريك التظاهرات المليونية وفبركة الأخبار وإثارة النعرات داخل المجتمع الألماني وعزل الأجانب داخل ألمانيا .التحدي كبير أمام الحكومة الألمانية والأحزاب التقليدية وحتى أمام المجتمع الألماني، ماتحتاجه الأحزاب السياسية التقليدية ولو يأتي متأخرا، أن تجد جملة إصلاحات تعنى بالمواطن الألماني، وان تكون معارضة سياسية من قبل احد الأحزاب التقليدية، بدل الشراكة من اجل السلطة. المحكمة الدستورية هي الأخرى مطالبة بتعديلات ومراجعة حزب البديل والتيارات الشعبوية الأخرى وبات ضروريا إخضاعها للمراقبة ومراجعة شرعنة حزب البديل سياسيا.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
Average Rating