دراسات المدار

كيف يهدد اليمين المتطرف النظام السياسي الديمقراطي في ألمانيا ؟

0 0
Read Time:7 Minute, 35 Second

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_أصبح اليمين المتطرف يشكل تهديدا للبنية و التركيبة السياسية الديمقراطية داخل ألمانيا، فقد تمكنت أحزاب سياسية محسوبة على تيار اليمين المتطرف من الدخول إلى المؤسسات السياسية كالبرلمان الألماني و البرلمان الأوروبي، الأمر الذي أدى بأجهزة الأمن و الاستخبارات و السلطات السياسية في ألمانيا بدق ناقوس الخطر، و تصاعد القلق العام بشأن مستقبل النظام السياسي الديمقراطي في ألمانيا.

التغير في تركيبة الأحزاب السياسية في ألمانيا.. تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة

كتب الباحث George Diez تقريرا نشرته The Washinghton Post في 12 فبراير 2020، أن البنية الحزبية في ألمانيا تتفكك حاليا ، كما هو الحال في فرنسا أو غيرها من البلدان الأوروبية، حيث تشهد الأحزاب التقليدية الاجتماعية الديمقراطية والمحافظة تضاؤل نفوذها لصالح القوى السياسية غير الليبرالية. ولكن في ألمانيا قد يكون لهذا تأثير كبير. لقد بني الهيكل الحزبي القديم في ألمانيا حول فكرة مفادها أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب العمال التقليدي، كان من المفترض أن يحكم الرأسمالية من اليسار، وأن يخفف من أسوأ آثاره ويرفع من شأن حقوق العمال والعمال داخل المجتمع. وقد كلف الاتحاد الديمقراطي المسيحي بمواجهة سلطات الرأسمالية من اليمين؛ لقد صُمّم اقتصاد السوق الاجتماعي الذي وعدت به هذه الأحزاب لتحقيق التوازن بين الحرية الفردية والمسؤولية الحكومية، وقد نجحت في ذلك لعقود عديدة.

لكن المشهد الجديد أكثر تعقيداً: فهناك ندرة واضحة في الأفكار من اليسار واليمين التقليديين حول كيفية التعامل مع التفاوت الواضح من السيناريوهات الأكثر كارثية التي ينتجها تغير المناخ. وهناك أيضاً نقص في الشخصيات الكاريزمية والموهوبة في كل من الحزب الديمقراطي الاشتراكي والاتحاد الديمقراطي المسيحي، وقد ساهم ذلك، إلى جانب التحولات الاقتصادية والديمغرافية الكبرى، في تفكيك قوى الاستقرار التقليدية التي هيمنت على الساحة السياسية في ألمانيا.

نشرت صحيفة The Guardian تقريرا في 20 فبراير 2020، حيث أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أعلنت سابقا عزمها على التنحي قبل الانتخابات الفيدرالية المقبلة. وكان هناك ا أزمة خلافة كاملة في حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وهو مدفوع جزئياً بمسألة الكيفية التي ينبغي أن يتعامل بها مع القوميين اليمينيين المتطرفين في حزب البديل الألماني، الذي أصبح الآن ثالث أكبر قوة في البرلمان الألماني. وفي وقت سابق من شهر فبراير 2020، استقالت الخليفة المفضلة لميركل، آنغريت كرامب-كارينباور، من منصبها كرئيسة للحزب عندما كسر سياسيو الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ولاية تورينغن الشرقية أحد المحرمات في الانضمام إلى حزب البديل من أجل الديمقراطية لانتخاب رئيس وزراء الولاية.

النظام الديمقراطي و أحزاب اليمين المتطرف..أجهزة الأمن و الاستخبارات الألمانية تدق ناقوس الخطر

 صرح رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية BfV توماس هالدينوانغ أن أكثر اليمينيين تطرفا يبلغ عددهم 32 ألفا في البلاد ، وأضاف أن 13 ألفا يعتبرون من المحتمل أن يكونوا عنيفين .وقال في مؤتمر صحافي أن “التطرف اليميني والإرهاب اليميني هما حاليا الخطر الأكبر على الديمقراطية في ألمانيا”. كما وضعت وكالته تحت المراقبة الرسمية الفصيل الأكثر تطرفاً في حزب “فلويغل” (الجناح) الذي يضم الآن حوالي 7000 عضو. تأسس تحالف القوى الديمقراطية في عام 2013، وانتقل إلى مزيد من النمو على مدى السنوات السبع الماضية. وفي مواجهة قرار المستشارة أنجيلا ميركل في عام 2015 بإبقاء حدود ألمانيا مفتوحة أمام اللاجئين، حصل حزب البديل من أجل الديمقراطية على عدد كبير من الأصوات من أولئك غير الراضين عن سياسة الهجرة التي تنتهجها الحكومة. وهي الآن أكبر مجموعة معارضة في البوندستاغ، مجلس النواب في البرلمان الألماني، تبعا لتقرير نشرته مجلة The Globe Post في 12 آذار 2020. النازيون القدامى والجدد يهددون أمن ألمانيا، هكذا هو المشهد ! 

مسؤولية اليمين المتطرف عن الاغتيالات السياسية

ذكر موقع “دوتشيه فيلله” في تقرير نشره في 20 يونيو 2019 أن عمدة مدينة كولونيا، هانريته ريكر، تلقت تهديدا بالقتل، كما تلقت شخصيات سياسية ألمانية تهديدات مشابهة منهم عمدة مدينة التينا، اندرياس هولشتاين. أمر تأخذه السلطات الأمنية بجدية بعد مقتل فالتر لوبكه رئيس المجلس المحلي لمدينة كاسل، حيث يعتقد أن خلفيات الجريمة سياسية. وقد عُثر على السياسي الألماني لوبكه (65 عاما) ليلة الثاني من شهر يونيو 2019 في شرفة منزله في بلدة فولفهاغن-إستا في كاسل مصابا بطلق ناري في رأسه، وكانت السلطات الألمانية ألقت القبض على شخص يدعى شتيفان ايه، يُشْتَبَه في ضلوعه في الجريمة ويُحْتَمَل أنه ينتمي لليمين المتطرف.

يضيف نفس الموقع في تقرير آخرللمعلق السياسي مارسيل فورستناو نشره في 19 يونيو 2020، أن محاولات اغتيال يمينية متطرفة سابقة ضد سياسيين، تزايدت منذ أن عمل هؤلاء اليمينيين مع بداية أزمة اللاجئين قبل أربع سنوات على تسميم الأجواء الاجتماعية. والكثير من الناس حذروا منذ مدة من خطر وقوع هذه الجرائم. وكما يبدو فإن مخاوفهم كانت في محلها. ومن يضع الآن الخطر الحالي للتطرف اليساري مع اليمين المتطرف في درجة واحدة، فإنه يقلل بشكل غير مسؤول من  الواقع: فالنازيون القدامى والجدد يهددون المجتمع أكثر من أي وقت مضى. فهم يهاجمون في الأثناء النظام الديمقراطي وممثليه. واختلاف كبير بين جماعة الجيش الأحمر في السابق واليمينيين المتطرفين اليوم يبقى قائما: فالمجرمون اليمينيون يقتلون بشكل مجهول ودون تحمل المسؤولية العلني لجرائمهم، مايجعلهم أكثر خطورة. اليمين المتطرف يعصف بألمانيا من الداخل

الأحزاب اليمينية المتطرفة آلية لنسف الديمقراطية في ألمانيا

ذكر موقع “فرانس 24” في 12 فبراير 2020 أن ميركل اعتبرت أن تكتيكات اليمين المتطرف تشكل تهديدا للديمقراطية. وأفادت تقارير أوردتها وسائل إعلام ألمانية أن ميركل أبلغت نواب حزبها هذا الأسبوع أنها حذّرت مسبقا المسؤولين الحزبيين في مقاطعة ثورينغيا من الوقوع ضحية “حيل” حزب البديل لألمانيا. وقالت ميركل “من الواضح أنه يريد نسف الديموقراطية، وتقويضها”، مؤكدة ان التعاون مع الحزب غير وارد.إلا أن النفوذ المتنامي لحزب البديل لألمانيا يهدد الإرث السياسي لميركل. وكتبت صحيفة “دير شبيغل” على موقعها الإلكتروني “لقد فشل زعيمان للحزب الديموقراطي المسيحي في غضون فترة زمنية قصيرة بسبب حزب البديل لألمانيا”. وتابعت أن البديل لألمانيا أصبح “قوة مؤثرة” في الحياة السياسية الألمانية على الرغم من أن نسب التصويت له لا تتخطى 15 بالمئة. التمثيل السياسي لتيارات اليمين المتطرف في ألمانيا

تأثير اليمين المتطرف على ثقة الرأي العام تجاه الديمقراطية  في ألمانيا

ذكرت وكالة الأناضول في 13 أيلول 2019 أن استطلاع للرأي أجرته صحيفة “YouGov” اظهر أن غالبية الألمان قلقون من مستقبل الديموقراطية في بلادهم بسبب صعود الحركات اليمينية المتطرفة والأحزاب السياسية الشعبوية. ووجد الاستطلاع التمثيلي أن 53% من الألمان يعتقدون أن الديمقراطية في بلادهم في خطر، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى التهديد الذي يشكله المتطرفون اليمينيون المتطرفون والشعبويون اليمينيون. وقال 47% من الذين شملهم الاستطلاع إنهم يعتبرون صعود اليمين المتطرف التهديد الرئيسي للديمقراطية، في حين قال 27% أنهم قلقون من الدعم المتزايد للحزب الشعبوي اليميني. ضاعف حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني اليميني حصته من الأصوات في الانتخابات الإقليمية في وقت سابق من هذا الشهر، وأصبح ثاني أكبر حزب في ولايتي براندنبورغ وساكسونيا. ومن بين مؤيدي حزب البديل من أجل الديمقراطية، قال 54% من الذين شملهم الاستطلاع إنهم قلقون على مستقبل الديمقراطية بسبب المهاجرين، في حين قال 33% أن اليسار المتطرف هو أكبر تهديد للديمقراطية.

مستقبل النظام السياسي الديمقراطي في ألمانيا في ظل أحزاب اليمين المتطرف

يقوم النظام الديمقراطي على أسس و مبادئ الحرية السياسية و ممارسة النشاط السياسي بشكل لا يؤدي على أضرار تجاه مؤسسات و أجهزة الدولة و كذا المجتمع. كما يعتمد النظام الديمقراطي على احترام الأخر و التعددية الفكرية و الإيديولوجية بشرط أن لا تحمل هذه الأخيرة ” عناصر الإقصاء و التهميش و التطرف” تجاه الآخر.

الملاحظ على أحزاب اليمين المتطرف في ألمانيا أنها خرقت الحد الأدنى من الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي، و بدأت تدمر ما بناه الساسة الألمان منذ سقوط جدار برلين في سبيل إرساء نظام سياسي ديمقراطي داخل ألمانيا. الأحزاب السياسية المحسوبة على اليمين المتطرف تواصل إستراتيجية “التدمير التدريجي” للقيم الديمقراطية للدولة و المجتمع الألماني ، و الإشكالية في ذلك أن هذا النوع من الأحزاب “يستغل الديمقراطية بهدف التأسيس و إنشاء جمعيات و عقد مؤتمرات” تحت شعار حرية ممارسة النشاط السياسي.السلطات السياسية و الإدارية بالتعاون مع مختلف أجهزة الأمن و الاستخبارات في ألمانيا، لم يتمكنوا من الحد من تصاعد اليمين المتطرف و ولوجه إلى عالم السياسة و “اختراقه للبنى السياسية و الإدارية بواسطة آليات ديمقراطية كالانتخابات” ، و إذا ما اكتفت السلطات الألمانية بمواجهة أحزاب اليمين المتطرف وفق أساليب رقابية فقط دون أن تكون ردعية-قانونية، فإن النظام السياسي الألماني سيشهد تغلغلا معتبرا لمثل هذه الأحزاب على المدى المتوسط، و هذا ما سيضع ألمانيا في أزمة سياسية أمام الإتحاد الأوروبي و مؤسساته القانونية خاصة أن ألمانيا تعتبر قاطرة هذا الكيان الإقليمي.

التوصيات

السلطات الألمانية بمختلف أجهزتها و مؤسساتها ملزمة بأن تغير “و بشكل مستعجل” من البنية القانونية التي تسمح بإنشاء الأحزاب السياسة، من خلال سن قوانين “صريحة و فعالة” تمنع إنشاء أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية و إيديولوجية متطرفة، فمن غير المعقول أن يتم منح تصريح قبول إنشاء حزب سياسي أو جمعية لفئة معينة من الأشخاص يتنبون “فكر إقصائي و أساليب عنيفة” في التعبير عن أرائهم.

السلطات الألمانية ملزمة كذلك بتغيير مفهوم ” الحرية السياسية و حقوق الإنسان” بما يتوافق مع متطلبات أمنها القومي، الذي أصبح تحت طائلة التهديد من طرف أحزاب راديكالية تستغل مفاهيم الحرية السياسية و حقوق الإنسان، لتصل في الأخير إلى مؤسسات السلطة و تقوم بمحاربة القيم الديمقراطية و إقصاء الآخر المسالم.

السلطات الألمانية ملزمة بالاعتماد على استراتيجيات “ذكية” من خلال التعمد على مضاعفة و تكثيف إنشاء أعداد معتبرة من أحزاب سياسية جديدة تحمل الفكر الديمقراطي تكون بديلا عن الأحزاب المتطرفة ، هذا الأمر سيجعل الساحة السياسية الألمانية ممتلئة بأحزاب ديمقراطية منفتحة و التي ستكون بمثابة “قوة مضادة” لأحزاب اليمين المتطرف ، كما أن هذا سيجعل من الأحزاب المتطرفة تبدو و كأنها مجهريه سواء في الساحة السياسة أو داخل مؤسسات الدولية. هدف هذه الإستراتيجية هو “امتصاص أكبر قدر من الناخبين الألمان” و تصويتهم لصالح الأحزاب السياسية الأخرى و إضعاف الأخرى اليمينية المتطرفة، مع تجفيف مصادر التمويل و الإعلام التي يعتمدها عليها اليمين المتطرف.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الاستخبارات

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code