الدكتور عماد علو
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تشهد العديد من دول الشرق الأوسط Middle east وخصوصا” بعض الدول العربية تفاقما” لظاهرة نشوء تنظيمات سياسية مسلحة خصوصا” بعد مايسمى ب “الربيع العربي” ويعزو البعض سبب الظاهرة الى الاخفاق السياسي ومناخ عدم الثقة في أجهزة الدولة خاصة الأجهزة الأمنية والتي كانت في نظر” الثوار” واحدة من أدوات القمع في ظل الأنظمة الشمولية.
الأمر الذي أدى إلى ظهور تنظيمات سياسية تعتمد العنف المسلح في تسويق افكارها واتخذ بعض منها الدين غطاء” لتسويق افكارها المذهبية والطائفية أو السلفية الجهادية والاثنية، ومع مرور الوقت وتفاقم حدة الصراعات والحروب في الشرق الأوسط، تجذرت ثقافة التنظيمات المسلحة والاحتكام للسلاح، لاسيما مع المزايا المادية الكبيرة التي بدأ يتحصل عليها المنتسبون لهذه التنظيمات المسلحة من الدولة فأصبح من الصعب تلك التنظيمات المسلحة التخلي عن السلاح في غياب بدائل مقنعة. ا
الفوضى الخلاقة
وقد شكلت التنظيمات السياسية المسلحة ظاهرة بارزة ومؤثرة في مسار تطور ما يسمى بالفوضى الخلاقة Creative chaos في منطقة الشرق الأوسط والتي أدت الى استخدام القوة استخداما” عبثيا”، عرض مجموعات سكانية الى ما يشبه الإبادة الجماعية أو هجرت قسرا”، الى جانب تدمير متواصل للممتلكات المدنية والبنى التحتية في إطار صراعها أو نزاعها مع مناوئيها أو خصومها، كل ذلك وعوامل أو تأثيرات خارجية أدت الى تمزيق الروابط الاجتماعية في الدول والكيانات السياسية التي ظهرت بها مثل تلك التنظيمات السياسية المسلحة.!
وهنا لابد أن يخطر بذهن المراقبين والباحثين والمهتمين بشأن منطقة الشرق الأوسط، تساؤل مهم عن ماهية الموارد الاقتصادية التي تتغذى منها هذه القوى والأحزاب والتيارات السياسية المسلحة؟
هل كان أو لايزال هناك اقتصاد” سياسيا” مرتبطا” بهذه التنظيمات السياسية المسلحة، قادر على تجاوز الحكومات الوطنية الشرعية والقانون المحلي والدولي؟
ان التكتم وشحة البيانات والاحصائيات الرسمية عن مصادر التمويل والموارد الاقتصادية للتنظيمات السياسية المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، مرده الى طبيعة الصراعات المسلحة التي تخوضها تلك التنظيمات السياسية المسلحة في الجغرافية التي تنتشر وتنشط بها، فضلا” عن استخدام تلك الموارد لدعم المجهود الحربي تسليحا” وتجهيزا” وبناء القدرات العسكرية، لتلك التنظيمات السياسية المسلحة، في اطار مسعاها للتغلب والتفوق على مناوئيها وخصومها تسليحا” وماليا”، في بيئة تراجعت فيها هياكل ومؤسسات الدولة الرسمية لاسيما منها الأمنية والعسكرية.
مصادر تمويل الجماعات المسلحة
ويمكن تصنيف الموارد ومصادر التمويل للتنظيمات السياسية المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، الى موارد مالية وأخرى مادية يتداخل فيها البعدين المحلي والدولي، وتتمثل بالتربح من استحصال الاتاوات لتأمين الحماية والأمن للمقاولين والشركات التجارية والمزارعين وغيرهم ، كذلك التربح من تجارة تهريب المخدرات والاثار ، واستغلال وبيع الموارد الطبيعية مثل النفط ومشتقاته ، بالإضافة الى التربح من عمليات الخطف بهدف الابتزاز وكثير منها يقوم بعمليات اعتقال وسجن بشكل غير قانوني، في وقت تشكل شبكات الوسطاء والشركات العالمية والشرعية السياسية عناصر بالغة الأهمية في هذا الإطار.
ولا شك ان الموارد الاقتصادية ومصادر التمويل المالي للتنظيمات السياسية المسلحة في أي منطقة بالعالم تسهل من استمرار خوض الصراعات المسلحة على المستوى الداخلي المحلي!
بمعنى أن الاستمرار بخوض الصراعات المسلحة سيكون عاملا” بالغ الأهمية في تراكم الأصول والموجودات والموارد الاقتصادية لدى الأطراف المسلحة المنخرطة في الصراع، خصوصا” إذا ما علمنا أن الصراع المسلح من أجل الموارد الاقتصادية يشكل طريقة زهيدة الكلفة للاقتتال فيما بين التنظيمات السياسية المسلحة أو القوى المناوئة في المجتمع.
ولهذا فان مواصلة الصراع المسلح وحالة التوتر الأمني في المجتمع يشكل مصلحة عليا للتنظيمات السياسية المسلحة بدلا” من صنع السلام والاستقرار الأمني…ولهذا فان ما يشهده الشرق الأوسط في الواقع، ما هو الا نزاعات مسلحة من أجل اهداف اقتصادية تتوخى زيادة موارد أطراف النزاع، وان ادعاءات أو تبريرات الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية ليست الا تمويها” لأجندات اقتصادية لأمراء الحرب والنزاعات المحلية، حيث تستثمر الانتهازية والجريمة المنظمة واحتكار الأسواق والعنف بشتى صوره من اجل زيادة الموارد المالية للتنظيمات والقوى السياسية المسلحة .
ومن الجدير بالذكر أن موارد التنظيمات والقوى السياسية المسلحة لا تقتصر على المصادر والأنشطة الاقتصادية الداخلية أو المحلية بل كثيرا” ما ترتبط بالصراعات والتوترات الإقليمية والدولية.
أن مشاهد العنف والعسكرة والتسلح المحلي ما هي الا تشعبات وامتدادات للدوافع الاستراتيجية والسياسية الإقليمية والدولية الطامحة الى الهيمنة والسيطرة في اطار اتجاهات عولمة المال و الأسواق والتجارة والسيطرة على مصادر الطاقة والثروات الطبيعية .
لذلك يصعب تسمية أو وصف ما يجري اليوم من صراعات في معظم مناطق الشرق الأوسط بـ(الصراعات المحلية) أو بـ(الحروب الاهلية)، بل هي في الواقع صراعات أو نزاعات إقليمية أو دولية عابرة للحدود( Cross-border regional conflicts)، والدليل على ذلك تدني مشاركة السكان المدنيين في هذه الصراعات المسلحة الى حد كبير حيث تقتصر الصراعات المسلحة على المؤدلجين أو المنتمين للفصائل والقوى السياسية المسلحة وفي الغالب يكون السكان المدنيين هم الضحايا بل والمستهدفين من قبل الأطراف المسلحة المتصارعة من أجل الموارد الاقتصادية عبر الادعاء بالسعي لتغير الأنظمة السياسية والسعي للوصول الى السلطة وذلك بالسعي لإضعاف مؤسسات الدولة الرسمية ومحاولة تسويق توصيفات (الدولة الفاشلة، الدولة الضعيفة ، الدولة الفاسدة).
الهدف هو إيجاد فجوة بين السلطة النظامية الرسمية والسكان المدنيين لدفعهم الى الالتفاف حول الفصائل والقوى السياسية المسلحة والانصياع لأجنداتها ، لذلك تسعى التنظيمات السياسية المسلحة في مناطق أو دول الشرق الاوسط إلى إطالة أمد النزاع وعدم الاستقرار بهدف زيادة الموارد واستمرار الأرباح التي تجنيها جراء تزعزع الأوضاع السياسية في بلدانها .
عسكرة الأقتصاد
وبحسب تقرير لموقع ” Global Risk Insight ” الأمريكي، المتخصص في مناقشة وتحليل المخاطر السياسية والاقتصادية العالمية، أن ارتفاع معدلات البطالة وزيادة عسكرة الاقتصاد في بعض دول الشرق الاوسط، جعل تشكيل الجماعات المسلحة والانضمام إليها واستدامتها إحدى الأدوات القليلة التي يمكن من خلالها جني الأرباح. الامر الذي قد يدخل هذه الدول في حالة دائمة من العنف، حتى تتمكن التنظيمات السياسية المسلحة من الحفاظ على وجودها والحفاظ على أرباحها.
أن النفوذ السياسي لأمراء وقادة التنظيمات السياسية المسلحة جعل من تسنم المناصب السياسية في الدولة وسيلة للإثراء الشخصي وبابا” لتعظيم الموارد والارباح للتنظيمات والقوى السياسية المسلحة، وفي نفس الوقت جعل من الصعب التمييز بين سلاح الدولة والسلاح خارج سيطرتها…!
الخاتمة
ان التنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط ستبقى لاعباً رئيساً في تفاعلات منطقة الشرق الاوسط السياسية والأمنية ومحدداً رئيسياً لمستقبلها، على الأقل في المستقبل المنظور والمتوسط، وذلك في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات مختلفة ذات أبعاد إثنية وطائفية وسياسية حيث باتت تلك التنظيمات المسلحة تلعب دوراً مؤثراً في صياغة ووضع سياسة الدولة الداخلية والخارجية تجاه الفاعلين الآخرين.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
Average Rating