ناهد تومية
شبكة المدار الاعلامية الاوروبية…_في صباح ذات يوم ممطر حزين ، وبينما كانت حبات المطر المتساقطة تتسابق كي تخترق شقوق النافذة من وراء الستار ، كانت سيدة البيت تلملم أشياءها المبعثرة وتحزم حقيبة السفر في عجل وكأنها تحزم حقيبة ما تبقى من حياتها قبل أن تتلاشى بين حطام قلب يحترق يكاد أن ينفجر في أحشاء فؤادها المحطم .
بينما كانت صور الغدر تمر من أمامها ، إلتهبت مشاعرها بنار من ألم وانساب الدمع يجري كالنهر من عينيها المتورمتين مالبثت أن تصدر صوتا مكتوما كالنواح المسجون بين ضلوعها لا يكاد يسمعه أحد سوى بقايا قلبها المحطم بعد أن غدر بها الحبيب وخان العهد وغاب في ليلة من دون قمر . كانت سيدة المنزل قد عزمت على الرحيل والهروب إلى عالم النسيان .
ألقت بجسدها مع حقيبتها في أول سيارة أجرة صادفتها في الطريق وذهبت مسرعة إلى المطار . أخذت ركن بعيد في صالة الإنتظار وجلست منزوية على نفسها لا ترى أحداً أمامها سوى تلك الصور ، صور الخيانة والغدر التي حطمت قلبها والتي جاءت تلاحقها وتلازمها حتى في هروبها من كيانها . كانت تشعر بحيرة مع نفسها وشئ من الخوف والترقب ، تحاول في خجل أن تصد دموع كانت على وشك إقتحام خديها .
بينما هي كذلك ، وقع بصرها على شخص غريب يجلس على مسافة منها ، لم يسبق لها أن رأته من قبل .كان يرتدي معطف شتوي رمادي اللون ونظارة سوداء ويقرأ صحيفة . كان ينظر إليها من بعيد ويتأملها وكأنه يقرؤها . إنقبض قلبها المهزوم وتمنت أن لا يجاورها في مقعد الطائرة ، لا لشئ إلا لأنها تفضل أن يكون الفضاء من حولها لها وحدها وأن تكون الوحدة فقط هي جارتها في المقعد .
صعدت الطائره حتى وصلت إلى مقعدها المجاور للنافذة ، إلتفتت حولها وإذا بذلك الرجل الغريب ذو المعطف الشتوي الرمادي والنظارة السوداء يجاورها في المقعد . بعد تردد ، طلبت منه في استحياء تبديل المقاعد لأنها لا تريد مجاورة النافذة ، خلع نظارته السوداء ونظر إليها نظرة ثاقبة مع ابتسامة موافقة إهتزت لها بقايا قلبها المحطم . لم تتبادل معه الحديث رغم محاولاته المتكررة . كانت تريد السكوت والسكون في رحاب الماضي الحزين والمستقبل المجهول . ألقت برأسها على ظهر المقعد ورحلت في نوم عميق .
فجأة ، إرتج جسدها وأفاقت من نومها العميق على صوت ارتطام عجلات الطائرة بالمدرج ، لملمت جسدها الخالي من كل أمل وخرجت مسرعة بعد أن أنهت إجراءات الخروج لتأخذ حقيبتها من المكان المخصص للحقائب . إلتقطت الحقيبة على عجل بيد مرتجفة وخرجت مهرولة الى عالم جديد ومستقبل مجهول لا تعرفه .
بينما هي في لحظة ذهول مع نفسها من هول ما مرت به وصور الغدر والخيانه مازالت تلاحقها في سفرها ، ألقت نظرة خاطفة على الحقيبة ولكن كانت المفاجأة ! إكتشفت أنها ليست حقيبتها ولكنها تشبه حقيبتها تماما . كاد أن يقع قلبها في أحشائها فقد كانت حقيبتها تحمل في طياتها كل ذكريات الماضي ، صور ، هدايا ، رسائل ، كل شئ .
رجعت مسرعة الى المطار لتبحث عن نفسها المنهارة داخل حقيبتها الضائعة فكانت المفاجئة الثانية . وجدته أمامها ، جارها الغريب في مقعد الطائرة ، صاحب المعطف الرمادي والنظارة السوداء يقف في انتظارها في حيرة وفي يده حقيبتها التي استبدلت خطأً بحقيبته ، تشابهت الحقيبتان وكأنهما توأمتان . تهللت أساريره وضحكت عيناه بقدومها ، نظرت إليه ونظر إليها ، تصافحا ، إبتسم لها إبتسامة لملمت فتات قلبها المحطم من جديد وإهتزت لها مشاعرها كهتزاز الشجر في يوم عاصف .
وكانت بداية قصة جديدة وحكاية أخرى .
شبكة المدار الاعلامية الاوروبية…_
Average Rating