د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *_أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية في جامعة أم القرى سابقاً
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_دفعت مارغريت تاتشر رئيس وزراء بريطانيا في 1990 جورج بوش الأب لطرد القوات العراقية من الكويت وتحريرها في تحالف دولي لم ير مثله من قبل، وقالت تاتشر لبوش الأب لو تركنا العراق يستولي على الكويت لانتشرت الفوضى عالميا حتى ترى كل دولة تنقض على دولة أصغر منها أو أضعف لتعود أحكام العصور الوسطى، فعندما اتصل الشيخ سعد بتاتشر قامت بعمل إجراء عبقري في تجميد أرصدة العراق والكويت، وأقنعت الرئيس بوش بأن يقوم بنفس الإجراء، وبالفعل تحقق ذلك.
فتاتشر لم تتوانى في تحرير جزر الفوكلاند عام 1982 ولم تتوانى أيضا في تحرير الكويت، وأول من أطلق عليها السيدة الحديدية الزعيم السوفيتي الراحل ميخائيل غورباتشوف عندما جمعت القطبين الأمريكي رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف في 1984 ليعملا في أمور دولية كثيرة، حيث تولت تاتشر رئاسة الوزراء من 1979 – 1990.
حدثت تحولات في السياسة الدولية وبدأت أزمات متلاحقة عايشها العالم منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وهي لا تنفصل عن خوف إسرائيل من تصاعد قوة العراق النووية والتقليدية، وسبق أن ضربت مفاعل العراق قيد الإنشاء 7 يونيو 1981 أنشئ بالتعاون مع فرنسا، سميت العملية باسم بابل والمعروفة باسم عملية أوبرا، وسبق الغارة الإسرائيلية غارة إيرانية غير مؤثرة وغير ناجحة خلال حرب الخليج الأولى، ما يكشف عن التعاون الإسرائيلي الإيراني في مواجهة النووي العراقي، حيث كانت المخابرات الإسرائيلية والإيرانية تعقد اجتماعات دورية في قاعدة همدان الجوية غربي إيران استمرت حتى عام 1983 وثقتها المخابرات الألمانية.
هذه المرة أتت خلفيات السياسات الأميركية زمن الرئيس جورج بوش الابن خدمة لإسرائيل دعمه بلير رئيس الوزراء البريطاني بعكس تاتشر التي كانت ترفض بث الفوضى في العالم، وحل محلها هذه المرة الرئيس شيراك الذي كان يرى الإطاحة بالنظام العراقي من خلال عملية عسكرية ستفضي بلا شك إلى قلب موازين القوى داخل العالم الإسلامي لصالح الشيعة المحسوبين على نظام الحكم في إيران وعلى حساب السنة، وسيفضي إلى توترات لاحقة، بحجة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل المزعوم، وهو ما يؤدي إلى نسف وحدة العالم الغربي والتوازنات الإقليمية فضلا عن استجرار مواجهة مع العالم الإسلامي، وكان بداية الغزو 20 مارس 2003، وكانت تراهن كوندليزا رايس على التخلي عن الحرب مقابل رحيل صدام، وهي متأكدة من شخصية صدام انه لن يرحل.
فشل شيراك في إقناع بوش الابن في براغ القمة التي جمعتهما بالتخلي عن الحرب، وحاول يقنع شيراك بوش أن الحرب ستضرب الاستقرار في المنطقة وستفضي إلى تسليم الشيعة المقربين من إيران الحكم في بغداد، وستقوي نفوذ إيران في سوريا ولبنان عبر حزب الله، وأضاف أن هذه الحرب لن تكون شرعية وستحدث انقساما داخل الأسرة الدولية، وستفقد الغرب مصداقيته، وستكون مصدر الفوضى التي ستنبثق منها موجة إرهاب سيصعب السيطرة عليها، لكن حجج الرئيس الفرنسي شيراك لم يكن لها وقع على الفريق الأمريكي، وأرسل الرئيس شيراك موفده غوردو مونتاني وقابل بول وولفوويتز نائب وزير الدفاع الأميركي، لكنه وجد عجرفة أميركية، ولم يستمع لحجج الموفد الفرنسي غوردو، بل كان كلامه مسيئا بحق فرنسا واتهمها بالمراوغة، وفشل سعي شيراك في تشكيل تحالف دولي مكون من ألمانيا وروسيا في وجه أميركا، بل صرح شيراك أن روسيا ليست الممسحة التي نمسح عليها أرجلنا، بحسب كتابات السفير موريس غوردو مونتاني في كتابه تحت عنوان ( الآخرون لا يفكرون مثلنا ).
كل ما قاله شيراك تحقق، بل تحقق أكثر من خلال دعم أوباما ما يسمى بثورات الربيع العربي، وعقد اتفاق نووي مع إيران في 2015 مقابل التغاضي عن نفوذها الإقليمي، لم تنتفض ضد هذه الفوضى التي ضربت المنطقة العربية سوى السعودية التي أنقذت البحرين عام 2011 ومصر عام 2013، ووقف نفوذ إيران في اليمن 2015، وفي 2018 نجحت السعودية في إقناع ترمب تصحيح أخطاء أوباما إذا أراد أن تعود مكانة أميركا إلى المنطقة كما كانت من قبل، تسببت في خروج ترمب من الاتفاق النووي بمفرده، وتم قتل مسؤول إيران في الحرس الثوري عن النفوذ الخارجي في يناير 2020 قاسم سليماني، وفي عهد بايدن الذي أراد العودة إلى اتفاق أوباما، لكن السعودية بقدراتها الدبلوماسية استطاعت إجبار بايدن على إماتة الاتفاق النووي.
وبالفعل بعد توريط أمريكا روسيا في حرب أوكرانيا لم يتأثر الاقتصاد الروسي كثيرا كما كانت أميركا تظن، فقط تراجع الناتج الإجمالي الروسي نحو 2.5 في المائة بسبب أن روسيا جيوبولتيكيا تمتلك مساحة هائلة، وثروات كبيرة جدا، وأسواق بديلة، وهي عضو في الناتو، فليست مثل إيران.
اضطرت الولايات المتحدة الاستدارة تجاه السعودية لوقف النفوذ الصيني في المنطقة، لأن السعودية ستكون الشريك الاقتصادي للصين إلى أفريقيا وأوروبا، بل استدارت أوروبا إلى السعودية ومنطقة الخليج التي كانت تطمح في الغاز الإيراني، لكن التعاون السعودي الروسي جعلا الاتحاد الأوربي لا يستطيع الاستفادة من الغاز الإيراني قبل أن تتخلى عن نفوذها الإقليمي، بل بدأت أوروبا تساهم في مصادرة الأسلحة المهربة من إيران إلى الحوثي من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في مياه بحر عدن ومياه البحر الأحمر.
وفي نفس الوقت رفضت السعودية الاستجابة لمطالب إسرائيل عبر الولايات المتحدة للاشتراك في ضرب إيران، واكتفت ببقية الأدوات الأخرى الخشنة والناعمة عدا الحرب المباشرة، فقط هددت إن امتلكت إيران سلاح نووي فستمتلك هي الأخرى سلاح نووي بشكل سريع.
فالسعودية تشارك في وضع نظام عالمي جديد بعيدا عن الفوضى التي نشرتها الولايات المتحدة منذ عام 2001، بالتعاون مع شركائها في العالم.
Average Rating