بلجيكا

التشويه الاكبر الذي تتعرض له فسيفساء فلسطين

0 0
Read Time:2 Minute, 17 Second

ابراهيم عطا : كاتب فلسطيني

هل تحب الفسيفساء او الموزاييك؟، أنا اعتبرها من اجمل انواع الفنون، وهي عبارة عن لوحات تعتمد الزركشة الدقيقة بقطع صغيرة من الحجارة او الزجاج الملون وتشكل بمجملها لوحة فنية رائعة تعبر عن قصة أو حرفة او شخصية اسطورية، وهو فن قديم جدا ربما بدأه السومريون في بلاد الرافدين (العراق)، واستخدمه الفراعنة (مصر) ثم القتاتبة (اليمن)، وابدع به الرومان، وكذلك مسلمو الأندلس الذين كانوا يسمونه (الفصفص)، وقد دهشت عندما زرت متحف الباردو في تونس وشاهدت الإبداع في التفاصيل الموجودة في تلك اللوحات العملاقة التي لا تتسع لها جدران المتحف نفسه…
أما الفسيفساء الفلسطينية فهي اكبر واجمل واعمق من كل اللوحات في معناها وفي تفاصيلها البانورامية والتي تتحول كل بقعة منها وكل زاوية من زواياها الى لوحة فسيفساء قائمة بحد ذاتها…
فلو نظرنا جيدا الى فلسطين من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها بما فيها من تفاصيل والوان وتنوع يصعب الالمام التام به حتى من قبل الفلسطينيين انفسهم، ليس فقط ما يتعلق بالجمال الطبيعي والتنوع البيئي، بل ايضا العادات والتقاليد والتفاصيل الدقيقة والمتداخلة والتي يحاول الاحتلال الصهيوني تشويهها واعادة ترتيبها لخلق لوحة مختلفة وغريبة عن اهلها…
ففي الشمال نرى الطبيعة الخلابة من سهول وجبال ومعالم اثرية ودينية، والعديد من المدن والقلاع والاسوار التي تنطق بالتحدي والبطولات والتصدي للحملات والغزوات الخارجية مثل مدينة عكا واسوارها التاريخية، ولكن لو قمنا بتكبير الصورة اكثر لوجدنا بين هذه القطع بقايا لمئات القرى التي دمرها الاحتلال الصهيوني او محاها عن بكرة ابيها وبنى فوقها المستوطنات والمعسكرات، ومنها قرية اهلي “لوبية” بالقرب من طبريا وبحيرتها الجميلة…
أما لو القينا نظرة باتجاه الجنوب فسنرى مشهدا مختلفا كليا حيث صحراء النقب وتنوع تضاريسها وحياة البداوة وناسها وبعض البلدات والواحات الجميلة التي بنى عليها الاحتلال مفاعل ديمونة النووي لاخفاء برنامجه السري…
واذا نظرنا الى الوسط الغربي لوجدنا قطاع غزة المحاصر جدا من الخارج والحر جدا من الداخل والذي تفوح منه رائحة العزة والرجولة، محاطا بالاسلاك الشائكة والاسوار العازلة وخلفها المستوطنات والقواعد العسكرية للمحتلين الصهاينة…
اما التشويه الاكبر الذي تتعرض له فسيفساء فلسطين فنجده في الوسط حيث التهويد الممنهج للعاصمة القدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك ولكل مقدساتها الاسلامية والمسيحية، وكذلك الجدار الذي يحيط بمناطق الضفة الغربية المنتشر فيها سرطان المستوطنات بشكل كبير، ليفصل مدنها المحتلة عام ٦٧ عن المدن والاراضي الفلسطينية المحتلة عام ٤٨…
ولكن لو امعنا النظر فسنرى الالاف من اشجار الزيتون المعمرة واشجار النخيل الشاهقة التي تحيط بالمدن والمخيمات التي تحولت الى قلاع منتفضة ضد الاحتلال وعملائه، في رام الله واريحا ونابلس وجنين وطولكرم وبيت لحم وقلقيلية والخليل، حيث يختلط صوت زغاريد امهات الشهداء والمعتقلين برصاص المقاومين الشرفاء الذين يرفضون التنازل عن حجر واحد من هذه اللوحة التي ستبقى دائما وابدا أجمل وأغلى قطعة فسيسفاء وجدت على الارض وتحت السماء، ويعملون على استعادة كل اجزائها المسروقة وازالة كل القطع الغريبة والدخيلة حتى ترجع الوان التطريز والعلم الفلسطيني لاجمل لوحة موزاييك “كان اسمها فلسطين وصار اسمها فلسطين”…وجمعة طيبة لكل الاحبة…ابو انس

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %