سلامه عطا الله
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …._حينما تأسرنا الاخبار العاجلة، ويأخذنا الاعلام الى حيث يريد، ويأخذ ما يريد، ويترك ما لا يريد، من المواقف والوقائع، هنا لا بد من عودة الى الأسس الثابتة، وإكمال المتابعة الشاملة.
أسس ثلاث:
- امريكا لا تصنع الاحداث غالبا، ولكنها افضل وأسرع من يستثمرها، ولولا ذلك، ما كانت القوة العظمى.
- اسرائيل دولة وظيفية، حاملة طائرات لا تغرق، وقوة تدخل سريع، لخدمة مصالح الغرب في الشرق الاوسط.
ـ لم يسجل التاريخ، أن قوة هيمنت على العالم، دون ان تكون مهيمنة على الشرق الاوسط.
يبدو كلاما غير مترابط، لكن الوقائع تحكي عن نفسها.
بعد اكبر عملية انتحارية في التاريخ المعاصر، كانت اول استجابة أمريكية، ارسال فريق من الخبراء الأمنيين والعسكريين الى اسرائيل المصدومة، وهؤلاء الخبراء/ هم الذين يشرفون على “الدفاع الدولي الشامل”، وهو المصطلح الذي استخدمه الرئيس بايدن، لتفسير مشاركة بلاده في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط/ وهم ذات الخبراء، الذين يشرفون على الحرب في أوكرانيا.. الأمن العالمي مترابط، ولا يمكن تصورسلوك امريكا في الشرق الاوسط، بمعزل عما يحدث في أوكرانيا والعالم.. وشئ من التفصيل في سطور لاحقة..
ردود افعال صناع القرار الغربي وتحديدا الامريكي، ربطت عملية “طوفان الاقصى”، بمحور الشر العالمي، الذي تقوده روسيا، وترعاه الصين، وأصر كثير من المسؤولين الغربيين، على أن ما حدث، لم يكن صدفة، وأن له وظيفة في هذا المحور.
ومن الاستعجال، اتهام هؤلاء المسؤولين الغربيين الكبار، بأنهم مسحورين بحب اسرائيل، او ان ذاكرتهم قصيرة وقد نسوا تاريخ الصراع، أو لأنهم تحت تأثير الصدمة، لا.. هم قصدوا قول ذلك، لأهدافهم، أما المبررات، فهي ضرورية للسياسي، في اطار الخطاب، وغالبا لا ترتبط بالاهداف.. المبررات هي السواتر السياسية، أو انها الغطاء، الذي يموه عن الاهداف.
لقد خلقت عملية “طوفان الاقصى” كل المبررات اللازمة، لفتح جبهة اخرى، في الحرب العالمية المتدرجة: فظائع، رهائن من جنسيات كثيرة، واستحضار “لداعش” “والارهاب الاسلامي”.
ثم متى كان هؤلاء الساسة الغربيون، يخضعون للضغوط الاخلاقية، وهم من صنعوا كل الازمات، من العراق وسوريا وليبيا وافغانستان.. لكنهم يهتمون بالاخراج، وشرعنة سلوكهم، والأهم، إسكات ناخبيهم بالتخويف.
لم تكن حاملات الطائرات وحدها تتحرك نحو الشرق الاوسط، بل صارالقرار امريكيا بامتياز، ولم يعد اسرائيليا سوى في التفاصيل التنفيذية، فها هو وزير الخارجية الامريكي، وكذلك وزير الدفاع، يشاركان في جلسات حكومة الحرب الاسرائيلية، ومن داخل غرفة العمليات.
انشاء أسرع جسر لنقل السلاح الى اسرائيل، والأهم، وجود حكومة حرب امريكية داخل اسرائيل، اما الاخرى الاسرائيلية، فهي تبدو كالظل، للخبراء الامرييكيين، من اعلى واخطر المستويات، والذين يمتلكون القرار النهائي، واسرائيل جاهزة بفعل الصدمة، كي تكون الجندي المتحمس، والوكيل في “مواجهة عالمية مفتوحة” كما وصفها وزير الخارجية التشيكي، بعد اجتماع مع نظرائه في 27 دولة اوروبية، “للنقاش الصريح” حول الازمة في الشرق الاوسط وتداعياتها.
منذ السابع من اكتوبر، الاسرائيليون لا ينامون، الفلسطينينون في غزة، وكذلك ساسة العالم.
لقد انقسم الساسة علنا الى قسمين، فور انتهاء حملة التضامن العاطفي الجارف مع اسرائيل، وقد حدث اكبر انقلاب على قواعد العمل داخل الاتحاد الاوروبي بسبب هذا الانقسام.
القسم الاول: ومن بينهم كبير الدبلوماسيين الاوروبيين “جوزيب بوريل” ومعه من يقول: لا يمكن اعطاء الضوء الاخضر لاسرائيل دون قيود، مما سيهدد الموثوقية العالمية بالنظام الدولي القائم على القواعد، او القانون الدولي، وقالوا: ان اسرائيل لم تنجح سابقا، ولن تنجح الان، في فرض تسوية بهدم الركام على رؤوس الناس.
وعلنا، وبخ “بوريل” رئيسة المفوضية الاوروبية “ارسولا فوندر لاين” التي زارت اسرائيل، دون دعوة لوقف العنف، ولم تنقل وجهة نظر السياسة الخارجية للاتحاد، وانما تصرفت بمفردها، وخارج حدود وظيفتها، لان هذا القرار، يفترض انه حصرا للمجلس الاوروبي، وليس للمفوضية الاوروبية، التي ترأسها وزيرة الدفاع الالمانية السابقة “فوندر لاين”، والمعروفة بسياستها الخاضعة للولايات المتحدة، وانسجامها الكامل مع التوجهات الالمانية داخل التكتل الموحد.
هذا القسم، يحمل طفاية حريق، كي لا يشتعل الجوار الجنوبي لاوروبا، المنهكة بسبب الحرب في اوكرانيا، وغير المستعدة، لارتفاع تكاليف الطاقة، او المغامرة بمشاريعها في المنطقة، او استقبال مزيد من المهاجرين بسبب حرب واسعة في الشرق الاوسط.
هذا القسم وخلال اجتماع لوزراء دفاع دول الناتو قبل ايام في بروكسل، سأل وزير الدفاع الامريكي، عن مدى الاستعداد للتعامل مع جبهة اوكرانيا والشرق الاوسط، فاجاب:”الولايات المتحدة تستطيع ان تمضغ العلكة، وان تمشي في نفس الوقت”.
اما القسم الاخر، فهو يرى بان الظروف مهيأة لاعادة السيطرة على الشرق الاوسط، والذي بدأ يتصرف بعيدا عن الفلك الامريكي، ويستغل الضعف العالمي، للعب على كل الحبال، ودعم فكرة قيام “قوى اقليمية متوسطة القوة”، بديلا عن نظام عالمي أحادي القطب.
استنفدت الولايات المتحدة كل اغراءاتها لابعاد المنطقة عن الصين، واخر اغراء، المشروع الامريكي الذي يربط الهند واوروبا والشرق الاوسط، فيما يعرف بالمشروع البديل عن ” طريق الحرير الصيني”.
لكن الواضح، بان المنطقة تقول “نعم” للجميع، ثم تتصرف وفق مصالحها، بما يتعارض مع استمرار الهيمنة الامريكية.
دول محورية في الشرق الاوسط متهمة بانها اكبر المساعدين لروسيا، في التحايل على العقوبات الغربية.
هذا القسم الامريكي الغربي، يرفع التحدي لاعلى المستويات، ويؤكد على ضرورة احياء “الردع الامريكي” في المنطقة، ويستعد لكل السيناريوهات، بما فيها تدخل حزب الله ومن خلفه ايران، والاهم، الوجود العسكري الروسي في المنطقة.
ان اشتعال الشرق الاوسط، هو عودة للفكرة الاساسية السابقة، في تخصيص المنطقة، لتصفية الحسابات العالمية، في صراع المصالح، وقد نجت المنطقة من هذا المخطط لسنوات، بسبب تجربة قياداتها في محور الاعتدال، وحنكتها في تحنب صراعات اوسع، وكذلك “الانتصار الروسي العسكري في سوريا، وتعزيز وجود روسيا كقوة عسكرية في المتوسط”.
لقد بدأ الصراع هناك قبل سنوات، ثم نقلته روسيا لاوكرانيا، وانتقلت معه الجنرالات والقيادات العسكرية من الطرفين الروسي والامريكي، وراجعوا السير الذاتية لجنرالات الحرب في الطرفين، الذين انتقلوا من سوريا الى اوكرانيا.
المعضلة الاساسية لهذا المعسكر، هي الرفض الكبير في الشرق الاوسط للسياسات الامريكية، ولهذا السبب، بدأ الرئيس الامريكي، في تلميع وعد كاذب، باقامة دولة فلسطينية، وهذا هو جوهر ما يحمله “بايدن” في زيارته المرتقبة لاسرائيل، الى جانب تأكيد الجدية الامريكية، في مواجهة كل من سيحاول، تعطيل فعالية الردع.
ليس غريبا ان يهاتف الرئيس “بوتين” رئيس الوزراء الاسرائيلي، ويحذره من الدور الوظيفي المساق اليه، وليس غريبا هذا الاهتمام الصيني الروسي البالغ بما يجري، ولكن الغريب، هو التنافر الامريكي التركي حول التصورات المستقبلية للشرق الاوسط، والاغرب ان يقوم الجيش الامريكي، باسقاط مسيرة تركية فوق الأجواء السورية، في حدث عسكري غير مسبوق، بان تقوم اكبر قوة عسكرية في الناتو، بتوجيه ضربة لثاني اكبر جيش في الناتو- تركيا، وهذا غير بعيد، عن دور انقرة، في تعاملها المطاط، مع الحرب في اوكرانيا، وعلاقتها الوثيقة بروسيا، التي يفترض بانها العدو الاول للناتو، ورفض تركيا لاشعال المنطقة من جديد.
ان التوافق الخماسي، بين مصر والسعودية وتركيا والاردن وقطر، هو في جوهره، محاولة لتجنيب المنطقة، هذا الاشتعال الكبير.
لكن المعسكر الغربي المتشدد، يغري المترددين داخله، بان العودة للحرب في الشرق الاوسط، سيجمد الحرب داخل اوروبا، ويترك اوكرانيا بلا نصر او هزيمة، وهذا الذي يشجع دولا كالمانيا، لتبني هذا الخيار.
أما اسرائيل، فهي تجازف بان تخسر اقتصادها حتى وان ربحت الحرب، لكنها يمكن ان تساق لعملية انتحارية لصالح الدور الامريكي.
لقد ولدت اسرائيل كنتيجة للحرب العالمية الثانية، وها هي غزة، مرشحة كي تكون ديناميت حرب عالمية جديدة.
الايام القليلة القادمة، ستوضح اي الفريقين ستكون له السطوة على القرار الغربي.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
Average Rating