د. اكرم بوحويش ((حفيد الشاعر))
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_من هو ((رجب بوحويش)) :
هو رجب بن حمد بوحويش بن شغميم بن بوحليقة بن عبد الرحمن الخائب. من عشيرة علوم، عائلة الخائب ، قبيلة المنفة (وهي قبيلة شيخ الشهداء عمر المختار). ولد في الخامس عشر من يناير سنة 1879م، بزاوية المرَصَّص (30 كيلومتراً غربي مدينة طبرق). أمه هي متلية بنت بوشناف من عائلة الجويفي، قبيلة البراعصة، وكانت الزوجة الثالثة لوالده.
عاصر بوحويش أواخر العهد العثماني الثاني في ليبيا، وكانت منطقة طبرق آنذاك مديرية تتبع قائمقامية درنة، وتضم جماعات قبائل البطنان ودفنة. كانت أوضاع السكان في منتهى السوء، حيث يقتصر هم الولاة العثمانيين على جباية الضرائب بأساليب العنف والقسر، وكانت الوظائف والمناصب مقتصرة على الأتراك، وكانت اللغة التركية هي السائدة والرسمية في المخاطبات والدواوين الرسمية. وهكذا كان المتاح أمام أبناء الليبيين هو التعليم الديني في الكتاتيب والزوايا، فتلقى رجب بوحويش تعليمه الديني الأولي في زاوية المرصص، على يد شيخها صالح الشريف، وظهر نبوغه وحفظه للقران الكريم. التحق بعد ذلك بمعهد الجغبوب، الذي كان في تلك الفترة منارة للعلم والعلماء، بمثابة الجامع الأزهر بمصر وجامع الزيتونة بتونس. بعد عدة سنوات قضاها الشاعر في تلقي العلم هناك، عاد إلى أهله حافظا كتاب الله ومتفقها في أصول الدين، فصار يعرف أيضاً بلقب “الفقيه” رجب بوحويش.
توفي والد الشاعر، ولم يترك له ولأخوته بشير ولامين وعبد القادر ويوسف وحمد سوى قليل من الأغنام والماعز، وكانت حرفة سكان البطنان ودفنة هي الاعتماد على الزراعة في موسم الأمطار، والرعي والعناية بالماشية والسعي وراء مواطن الكلأ وآبار المياه.
ارتحل الشاعر ينشر العلم ويُحفّظ القرآن في المناطق النائية، فاستقر به المقام بمنطقة الكفرة، معلماً أبناءها القرآن الكريم والفقه وأصول الدين. وفي الكفرة تزوج فتاة من قبيلة ازويّة تدعي سدينه ابوبكر قْويطين. وفي فترة لاحقة رحل إلى تشاد، للعمل في نشر الإسلام وتعليم أهلها مبادئ العبادات، وحثهم على محاربة الغزو الفرنسي لبلادهم، غير أنه ما إن علم باحتلال ايطاليا لبلاده سنة 1911م حتى أسرع بالعودة إليها، صحبة المجاهد أحمد الشريف وغيره من المجاهدين، مكرساً حياته للجهاد ضد الغزو الإيطالي. حاولت سلطات الاحتلال إغراءه، من أجل التخلي عن فكرة الجهاد والقتال، بقبول وظيفة أو مبلغ كبير من المال أو تخصيص راتب شهري له، لكنه رفض كل ذلك، مصمماً على مواصلة الجهاد ضد المحتل الغاصب.
على أثر معركة “بئر الغبي” (70 كم جنوب طبرق) التي وقعت سنة 1923، بقيادة شيخ المجاهدين عمر المختار، وكلف فيها الشاعر بجلب المساعدات للمجاهدين في المعركة، عمد الإيطاليون، انتقاماً لهزيمتهم الفادحة في المعركة، إلى ملاحقة المجاهدين الذين شاركوا فيها، فأمرت بإحراق بيت الشاعر ومصادرة ممتلكاته ومواشيه، إضافة إلى حرق بيته في الكفرة. وعند شروع الغزاة الطليان في تنفيذ سياسة حشد المواطنين في المعتقلات الجماعية، بعد مجيء الفاشيست إلى الحكم في إيطاليا، سيق الشاعر هو وأفراد قبيلته، تحت ضرب السياط، مشياً على الأقدام، حتى زج بهم في المعتقل الشهير بمنطقة العقيلة (جنوب غرب خليج سرت، على بعد 400 كيلومتر غرب بنغازي)، وقد وثق الشاعر هذه الرحلة في مقطوعة صغيرة له (انظر نصها في ديوان الشعر الشعبي، مج1، ص131).
نشأ بوحويش على القيم والأخلاق البدوية الإسلامية، فاشتهر بفضيلة إكرام الضيف على طريقة سكان النجوع من أهل البادية، حيث يروى أنه كان يأمر بإيقاد النار في أعالي الجبل بالقرب من نجع عائلة الخائب، حتى يرى الدخان عابر السبيل والتائه في مجاهل الصحراء، فيهتدي إلى ذلك النجع، حيث يجد الفقيه رجب في استقباله، فيكرمه ويحسن ضيافته لعدة أيام.
يذكر كذلك أن بوحويش تمتع بمكانة طيبة بين قومه، فكان الجميع يحبونه ويقدرونه. وكانت له مقدرة فائقة في فض وحل المنازعات والمشاكل التي كانت تقع بين القبائل في تلك الفترة.
تزوج أربع نساء، كانت أخراهن عائشة بنت عمران
مارس في حياته أعمالاً عديدة، كالتعليم وتجارة القوافل، كما عمل أيضاً مأذوناً شرعياً.
عاش بوحويش تجربة الاعتقال القاسية في معتقل العقيلة، بكل ما حفلت به من ممارسات وحشية ضد المعتقلين، تركت في نفس الشاعر أثراً عميقاً، تجسد في تلك الملحمة الشعرية الرائعة التي انهالت بها قريحته مصوراً جوانب تلك التجربة المريرة، من تعذيب وإبادة جماعية، وتعريض الرجال والنساء والشيوخ للإهانة والجلد والضرب بالسياط، وكيف كان الموت يحصدهم حصداً، إما تعليقاً على أعواد المشانق، أو ضرباً بالرصاص على من يحاول الهرب، أو نتيجة الأمراض والأوبئة والجوع. ولعل أقسى مظاهر تلك التجربة المرة، تلك المعاناة المعنوية التي كان المعتقلون يعيشونها، متمثلة في ما يتعرضون له من إهانة وإذلال، وخاصة حين يكرهون على مشاهدة بناتهم ونسائهم وهن يعلقن على الأعواد أو يطرحن عرايا، ليجلدن بالسياط..
ويذكر الرواة أن الشاعر أنشد قصيدته الرائعة “ما بي مرض غير حبس العقيلة” وهو في المعتقل، فبلغ خبرها المكلف بإدارة المعتقل، فاستدعى الشاعر وسأله إن كان هو من قالها، فأجاب الشاعر بكل شجاعة ورباطة جأش إنه هو..فصدر الأمر بمعاقبته جلدا بالسوط.
من المعلوم أن تلك المأساة التي تمثلت في المعتقلات الجماعية قد انتهت بعيد إعدام شيخ الشهداء عمر المختار في 16 سبتمبر 1931، الذي مثل عملياً نهاية لحركة المقاومة ضد المحتلين، فسرح من بقي حياً من المعتقلين، وعاد الشاعر مع أبناء عشيرته إلى مواطنهم، في حالة مزرية وصعبة، فقد عادوا وهم يعانون الأمراض وسوء الحال ومعدمين، نتيجة مصادرة ممتلكاتهم وتدمير مصادر عيشهم، عند ترحيلهم إلى المعتقل.
تقدم العمر بالشاعر، واعتلت صحته، ولكنه بقي يمارس دوره الاجتماعي بين أبناء عشيرته وغيرها من العشائر، كعين من الأعيان، يلجأ إليه في المنازعات والخصومات، ويستشار في الأمور والملمات، وكمأذون شرعي.
تعرض ذات يوم لسقطة، فكسرت ساقه، وحمله ابنه المبروك للعلاج في مستشفى بنغازي، لكن حالته لم تلبث أن تدهورت بسرعة، ووافاه الأجل في الثامن عشر من شهر سبتمبر سنة 1952م، وشيع جثمانه إلى مثواه في مقبرة سيدي عبيد بمنطقة الصابري في بنغازي.
يذكر الرواة أن عددا من الشخصيات المرموقة في جمعية عمر المختار كانوا يعودونه في المستشفى تقديرا لمكانته الشعرية التي أكسبته إياها قصيدته التي ذاعت في كل الآفاق، وتناقلتها القلوب والألسنة والأسماع والأقلام، حتى أصبحت ملحمة شعرية مميزة، تجاوب معها الكثير من الشعراء بالرد والبناء عليها، وباتت تسد في بابها، وهو تصوير معاناة الليبيين في المعتقلات الجماعية، عن الكثير غيرها من القصائد والأشعار (ينظر النص الكامل للقصيدة والردود عليها في الملحق رقم 1، بديوان الشعر الشعبي، المجلد الأول)، كما كانت مصدر إلهام للعديد من الأدباء والفنانين، واتخذت منها مادة لعدد من الأعمال الفنية والبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية.
وقد وصلت إلينا شهادة تاريخية بالغة الأهمية حول هذه القصيدة وملابسات إنشائها على لسان المجاهد إبراهيم الغمارى، نشرت في كتابه “من ذكريات معتقل العقيلة” الذي صدر عن مركز دراسات الجهاد الليبي ضد الغزو الإيطالي، يقول فيها: “في معتقل العقيلة التقيت بالمجاهد الفقيه رجب بوحويش الذي بادرني قائلاً: يا إبراهيم لقد مر بي خاطر ليلة البارحة فنظمت قصيدة، إذا تجد ورقة وقلما أمليها عليك. فذهبت إلى المكتب الخاص بسجون المعتقلات، وكان يعمل به محمد المصدور وهو رفيقنا سابقا بالدور، فطلبت منه ورقة وقلماً، ثم رجعت إلى الفقيه رجب الذي أخذ يملى علي قصيدته المشهورة”.
ومع أن رجب بوحويش كان شاعراً مطبوعاً ومجيداً (تنظر نماذج أخرى من شعره في المراجع المذكورة أسفله)، إلا أن قصيدته “ما بي مرض غير دار العقيلة” قد غطت على سائر شعره، فلم يعد يذكر بوحويش إلا أنه صاحب “ما بي مرض”، فظلت هذه القصيدة هي العنوان المغني عن كل حديث حول فظائع ممارسات الاحتلال ضد المواطنين الليبيين، وبخاصة أولئك الذين زُجَّ بهم في المعتقلات الجماعية، حتى أنه لم يعد ممكنا أن تذكر المعتقلات دون ذكر بوحويش وملحمته الرائعة.
وتقديرا لدوره في حركة الجهاد، وتخليداً لمكانته الشعرية، أطلق اسمه على احدي مدارس البطنان، وكذلك على منطقة بالخاثر الذي تقطنه عائلته، وأقيمت في ذكراه احتفاليات
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
Average Rating