محمد الظفير محرر الشؤون الافريقية
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_الحسن الثاني، ملك المغرب، كان شخصية استثنائية في تاريخ البلاد الحديث، حيث لعب دورًا محوريًا في صياغة هوية المغرب السياسي والاجتماعي، وفي قيادة المملكة خلال عقود من التحديات والتحولات الكبرى. وُلد الحسن بن محمد بن يوسف العلوي يوم 9 يوليو 1929 في الرباط، داخل القصر الملكي، ليكون الابن الأكبر للملك محمد الخامس، الزعيم الوطني الذي ارتبط اسمه بحركة الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي. تلقى الحسن الثاني تعليمه الأولي في المدرسة المولوية، حيث أظهر تفوقًا مبكرًا في شتى المجالات، ما جعله يحظى باهتمام خاص من والده.
مع تقدم سنوات دراسته، برز الحسن الثاني كطالب متميز، فتوج مسيرته التعليمية بالحصول على شهادة البكالوريا في عام 1947. كان شغفه بالمعرفة دافعًا له لمواصلة دراسته في فرنسا، حيث حصل على شهادة الإجازة في القانون العام من جامعة بوردو عام 1952. تلك الفترة كانت حاسمة، إذ شهدت تصاعد التوترات بين المغرب وسلطات الاستعمار الفرنسي، ما أثر بشكل كبير في رؤيته السياسية.
عقب عودته إلى المغرب، كان الحسن الثاني قريبًا من والده الملك محمد الخامس، حيث شارك بفعالية في النضال الوطني ضد الاستعمار. عندما قررت فرنسا نفي الملك محمد الخامس وأسرته إلى مدغشقر في عام 1953، تولى الحسن الثاني دورًا بارزًا في التنسيق مع الحركة الوطنية وتنظيم صفوف المقاومة. وبعد ثلاث سنوات، عادت الأسرة الملكية إلى الوطن منتصرة، وتُوج ذلك بتحقيق الاستقلال عام 1956.
بعد الاستقلال، تم تعيين الحسن الثاني وليًا للعهد، وأصبح رئيسًا للأركان العامة للقوات المسلحة الملكية. في 26 فبراير 1961، توفي الملك محمد الخامس، وتولى الحسن الثاني عرش المملكة ليبدأ فصلًا جديدًا في تاريخ المغرب. في عام 1962، أصدر أول دستور للبلاد، مؤسسًا نظامًا ملكيًا دستوريًا يوازن بين السلطة الملكية والمؤسسات المنتخبة.
على الرغم من النجاحات، لم تكن فترة حكم الحسن الثاني خالية من التحديات. شهدت البلاد في أوائل السبعينيات محاولتي انقلاب عسكري فاشلتين، لكن الملك أظهر صلابة استثنائية في تجاوز الأزمات وضمان استقرار البلاد. في عام 1975، قاد الحسن الثاني “المسيرة الخضراء”، التي جسدت التلاحم الوطني لاستعادة الصحراء الغربية من الاحتلال الإسباني، وهو حدث يعتبر نقطة تحول في تاريخ المغرب الحديث.
على المستوى الدولي، كان الحسن الثاني صوتًا بارزًا في القضايا العربية والإفريقية. لعب دور الوسيط في عدة مبادرات سلام، بما في ذلك جهوده لحل النزاع العربي-الإسرائيلي، حيث استضاف قمة عربية في الرباط عام 1974، تُوجت باعتراف الجامعة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.
تميز الحسن الثاني أيضًا بحرصه على تطوير البنية التحتية للمملكة وتعزيز التعليم والثقافة. أسس العديد من الجامعات والمعاهد، وشجع على الاستثمار في الفنون والتراث الثقافي. ورغم بعض الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان خلال فترة حكمه، يبقى الحسن الثاني شخصية محورية صنعت إرثًا سياسيًا واجتماعيًا يمتد تأثيره حتى اليوم.
توفي الحسن الثاني في 23 يوليو 1999، بعد أن قضى ما يقرب من أربعة عقود على العرش، تاركًا وراءه إرثًا عريقًا وشعبًا يتطلع إلى المستقبل، مستندًا إلى الأسس التي وضعها في بناء الدولة الحديثة.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
Average Rating