دراسات المدار

كيف يتعامل الرئيس بزشكيان مع ضغوط الأصوليين؟

0 0
Read Time:5 Minute, 20 Second

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_حرص الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال الشهور السبعة الماضية، ومنذ توليه منصبه كرئيس للجمهورية في أغسطس 2024، على توجيه رسائل مباشرة تفيد بأنه يسعى إلى التماهي مع التوجهات العامة للمرشد الأعلى للجمهورية والحرس الثوري، فضلاً عن تيار المحافظين الأصوليين الذي يسيطر على معظم مؤسسات صنع القرار في الدولة. بل إنه تعمد في اختيار تشكيلته الحكومية ضم وزراء من هذا التيار، وقد سعى بزشكيان عبر ذلك إلى ما يمكن تسميته بـ”تحصين” حكومته ضد الضغوط التي يمكن أن يمارسها التيار المناوئ له، والذي رغم كل ذلك لم يتوانَ عن استغلال أية فرصة من أجل اتخاذ إجراءات مضادة لها.

وقد بدا ذلك جلياً في إصرار نواب التيار في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) على الإطاحة بوزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، بعد سحب الثقة منه في الجلسة التي عقدت في 2 مارس 2025، وقد كان ذلك سبباً في إعلان مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، في اليوم نفسه، عن تقديم استقالته من منصبه والتفرغ للعمل في الجامعة. من هنا، بدأت تساؤلات عديدة تطرح حول الخيارات المتاحة أمام الرئيس للتعامل مع هذا الواقع الجديد، الذي قد يستمر خلال المرحلة القادمة، لا سيما في ظل احتمال إقدام التيار الأصولي على سحب الثقة من وزراء ومسؤولين آخرين، على غرار محافظ البنك المركزي محمد رضا فرزين للسبب نفسه الذي أطاح من خلاله بهمتي، وهو انهيار العملة الوطنية، حيث تجاوز الدولار حاجز الـ92 ألف تومان، خاصة بعد إعادة فرض سياسة “الضغوط القصوى” من جانب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران. بل إن ثمة توقعات بعودة التيار إلى ممارسة ضغوط قوية من أجل تطبيق قانون الحجاب الذي سعت حكومة بزشكيان إلى تأجيله في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها إيران حالياً على المستويين الداخلي والإقليمي.

مسارات محتملة

يمكن القول إن البدائل المحتملة التي يمكن أن يلجأ إليه بزشكيان للتعامل مع الضغوط التي يمارسها تيار المحافظين الأصوليين تتمثل فيما يلي:

1- تجاوب الرئيس الإيراني مع تيار الأصوليين: يعني ذلك أن الرئيس سوف يتبنى النهج نفسه الذي سبق أن اتبعه على مدى الشهور السبعة الماضية، بهدف تقليص حدة الضغوط التي يمارسها المحافظون الأصوليون. ووفقاً لذلك، فإن الرئيس قد يلجأ إلى ذلك في ظل إدراكه أنه يفتقر للظهير السياسي القوي الذي يستطيع من خلاله موازنة هذه الضغوط، خاصة في مجلس الشورى الإسلامي، الذي يراقب تشريعات وسياسات الحكومة ويستطيع تعطيلها في ظل الأغلبية التي يمتلكها الأصوليون داخله.

لكن هذا الخيار كفيل بتراجع شعبية الرئيس في أوساط الإصلاحيين والمعتدلين -الذين يمثلون الجناح التقليدي من تيار المحافظين– والذين صوتوا له في الانتخابات الرئاسية، ومكنوه من تحقيق الفوز على اثنين من أقطاب تيار الأصوليين، هما رئيس مجلس الشورى نفسه محمد باقر قاليباف، وممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، على نحو قد يؤدي إلى إضعاف موقعه داخل توازنات القوى السياسية، وربما يقلص من احتمالات نجاحه في الفوز بولاية رئاسة جديدة في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في عام 2028.

2- تحدي الضغوط المتصاعدة للأصوليين: قد يرى الرئيس أن التماهي مع سياسات وضغوط التيار الأصولي خلال الفترة القادمة سوف يدفع الأخير إلى مواصلة هذا النهج، عبر محاولة الإطاحة بوزراء ومسؤولين آخرين. وقد بدأ التيار فعلاً في ممارسة ضغوط قوية على وزير النفط محسن پاک نژاد، حيث طلب ممثل دائرة قم في مجلس الشورى محمد منان استجوابه بشأن ما أطلق عليه “اختلالاً في توازن إمدادات الطاقة”، في ظل الأزمة التي تواجهها إيران بسبب انقطاع الطاقة الكهربائية، والذي يتوقع أن يتفاقم خلال شهور الصيف.

ومن هنا، ربما يتجه الرئيس إلى تحدي المجلس عبر الإصرار على المضي قدماً في تنفيذ برنامجه، خاصة على المستوى الاقتصادي، باعتبار أن ذلك كفيل بالحفاظ على قاعدته الشعبية، فضلاً عن أنه قد يعتبر أن تراجع النفوذ الإيراني على المستوى الإقليمي ربما يدعم موقعه في ظل تزايد الدعوات التي توجه من الداخل بضرورة إيلاء الأهمية الأكبر لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي أهملت خلال الفترة الماضية لصالح الاهتمام باستنزاف الموارد في تقديم الدعم العسكري والمالي لحلفاء ووكلاء إيران في المنطقة. لكن هذا المسار قد يكون كفيلاً بدخول الرئيس في أزمات متتالية مع تيار المحافظين الأصوليين، الذي سيصر في هذه الحالة على عرقلة برنامج الحكومة عبر إقالة مزيد من وزرائها.

3- إجراء الرئيس تغييرات في التشكيلة الحكومية: لا سيما في المجموعة الاقتصادية، التي تعد باستمرار “مجموعة مأزومة”، باعتبار أنها تتعرض دائماً خلال الحكومات المتعاقبة للقسم الأكبر من الضغوط والانتقادات، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، وعدم القدرة على احتواء تداعياتها المباشرة، ولا سيما ما يتعلق بانهيار العملة الوطنية وارتفاع معدل التضخم.

وبمعنى آخر، فإن بزشكيان قد يسعى عبر هذا الخيار إلى تبني سياسة “الاستقالة قبل الإقالة”، بمعنى استباق أي توجه جديد من جانب مجلس الشورى لسحب الثقة من وزراء آخرين في الحكومة بالطلب من هؤلاء الوزراء تقديم استقالاتهم، على أساس أن ذلك قد يقلص من حدة الضغوط التي يتعرض لها بسبب ذلك. إلا أن هذا الخيار قد تكون نتائجه محدودة، خاصةً في حالة ما إذا كان تيار المحافظين الأصوليين يسعى عبر ذلك إلى إحراج الرئيس أمام ظهيره الشعبي، وبالتالي تقليص قدرته على الفوز بولاية رئاسية جديدة، حيث يتطلع هذا التيار –من دون شك– إلى العودة للسيطرة على منصب الرئيس الذي فقده بعد وفاة رئيسي.

4- تقديم “بزشكيان” استقالته من منصبه: وهو الخيار الأخير الذي قد يلجأ إليه بزشكيان في حالة ما إذا وجد أن الخيارات الثلاثة السابقة لم تنجح في تقليص حدة الضغوط التي يتعرض لها من جانب تيار المحافظين الأصوليين، فضلاً عن أنها قد تعرضه لفقدان رصيده لدى القوى المؤيدة له، والتي بدأت فعلاً في توجيه انتقادات قوية له بسبب حرصه في الشهور السبعة الماضية على التماهي مع خطاب المتشددين. ورغم أن شائعات عديدة برزت في الفترة الماضية تفيد بأن الرئيس قد يفكر في هذا الخيار فعلاً، إلا أن تأكيدات من داخل الحكومة كانت تنفي ذلك باستمرار.

لكن هذا الخيار سوف تكون كلفته عالية، خاصة أنه سوف يفجر أزمة سياسية حادة في إيران، في وقت تواجه فيه بالفعل أزمات غير مسبوقة على المستويين الداخلي والخارجي. وهنا، فإن الرئيس سوف يعرض نفسه لحملة قوية، وربما إجراءات عقابية، من جانب المؤسسات النافذة في النظام، فضلاً عن تيار المحافظين الأصوليين، الذي لا يستبعد أن يوجه إليه اتهامات في هذه الحالة بخدمة أهداف قوى خارجية تسعى إلى تقويض دعائم النظام وتعزيز عدم الاستقرار في إيران.

ختاماً، يمكن القول في النهاية إن ما سبق في مجمله يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن منصب الرئيس في إيران هو منصب مأزوم باستمرار، في ظل تداخل صلاحياته -في بعض الأحيان- مع صلاحيات المرشد، فضلاً عن تحميله مسؤولية كل الأزمات التي تواجهها الدولة والتي تكون المؤسسات الأخرى النافذة في النظام ضالعة فيها. وتكتسب هذه الدلالة أهمية وزخماً خاصاً في حالة الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، وذلك لاعتبارين: أولهما، أنه رئيس من خارج التيار المسيطر على معظم مؤسسات صنع القرار في الدولة. وثانيهما، أنه تولى منصبه في وقت تواجه فيه إيران أزمات غير مسبوقة داخلياً وخارجياً، على نحو يضعه دائماً أمام اختبارات صعبة.

انترريجورنال للتحليلات الاستراتيجية

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code