حمدي بشير
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تُبدِي واشنطن اهتماماً متنامياً بتعزيز علاقاتها العسكرية والسياسية مع إقليم أرض الصومال. وقد ظلت واشنطن لفترة تحافظ على موقف داعم لوحدة الصومال، لكن يبدو أن إدارة ترامب بصدد مراجعة هذه الخيارات والحسابات الأمريكية بشأن مستقبل سياستها مع أرض الصومال؛ إذ أجرت الولايات المتحدة وأرض الصومال مباحثات بشأن اتفاق محتمل يمكن أن يشهد اعتراف واشنطن بأرض الصومال مقابل بناء قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة بربرة الساحلية الاستراتيجية.
ففي 14 مارس 2025، أكد مسؤول أمريكي رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن هويته، لصحيفة فايننشال تايمز، أن إدارة ترامب بدأت مفاوضات مع قيادة أرض الصومال بشأن الاعتراف الرسمي. وتتمحور المناقشات المُعلَنة حول اهتمام واشنطن بتأمين وجود عسكري طويل الأمد في بربرة، وهو ميناء عميق المياه على خليج عدن.
دوافع عديدة
ثمة جملة من الدوافع تقف وراء اهتمام إدارة ترامب بإقامة قاعدة عسكرية في أرض الصومال، ومن أهمها ما يلي:
1– مخاوف إدارة ترامب إزاء النفوذ الصيني المتنامي: حيث تشعر الولايات المتحدة بقلق متزايد إزاء تنامي نفوذ الصين في المنطقة، لا سيما بعد أن حصلت بكين على قاعدة عسكرية في جيبوتي المجاورة، على حدود أرض الصومال. وبعد أن كانت جيبوتي في السابق معقلاً للقواعد الغربية، تحالفت بشكل وثيق مع بكين، حتى إنها دعمت تصرفات الصين في هونج كونج، وسمحت للسفن الإيرانية بالرسو في مينائها، وطلبت جيبوتي أيضاً من الولايات المتحدة عدم تنفيذ غارات جوية على اليمن، وسمحت للسفن الإيرانية بالرسو في القاعدة العسكرية الصينية. وقد أوصى مشروع 2025 بالاعتراف بدولة أرض الصومال كإجراء وقائي لمعالجة تدهور موقف الولايات المتحدة في جيبوتي.
وفي ديسمبر 2024، أكد بشير جوث ممثل جمهورية أرض الصومال لدى الولايات المتحدة أن جمهورية أرض الصومال أعربت عن استعدادها لاستضافة قاعدة عسكرية أمريكية في ميناء بربرة الاستراتيجي إذا اعترفت واشنطن بسيادتها. وقال غوث إن “أرض الصومال تأمل أن تعترف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بسيادتها”، وأضاف: “نعتبر أنفسنا دولةً مستقلةً وذات سيادة؛ ولذلك فإن أي شراكات نقيمها مع الدول الصديقة تُقيَّم بناءً على مصالحنا الوطنية فقط”.
2– بحث إمكانية توطين فلسطينيين في أرض الصومال: لا ينفصل الاهتمام الأمريكي بأرض الصومال عن المقترح الأمريكي الإسرائيلي الخاص بإمكانية إعادة توطين بعض الفلسطينيين من غزة في أرض الصومال؛ حيث طرحت الولايات المتحدة فكرة نقل النازحين الفلسطينيين من غزة إلى أرض الصومال، والتوصُّل إلى صفقة شاملة مع أرض الصومال تتضمن الاعتراف بها مقابل قاعدة أمريكية وتوطين الفلسطينيين. جدير بالذكر أن وزير خارجية أرض الصومال عبد الرحمن ضاهر عدن، كان قد نفى أي مناقشات من هذا القبيل، قائلاً لرويترز إنه “لا توجد محادثات مع أي جهة بخصوص الفلسطينيين”.
3– الاستجابة لرؤية الجمهوريين حول أرض الصومال: فقد بنت أرض الصومال علاقات قوية مع الحزب الجمهوري، وقُدِّمت في السنوات الأخيرة عدة مشاريع قوانين في الكونجرس تدعو إلى الاعتراف بها، إلا أن أياً منها لم يُقَر. ورداً على تنامي الدعم الجمهوري للاعتراف بأرض الصومال، كثَّفت الصومال جهود الضغط في واشنطن، حاثّةً المشرِّعين على دعم التزام الولايات المتحدة بسيادة الصومال. وتواصل الدبلوماسيون الصوماليون مع شخصيات بارزة في وزارة الخارجية والكونجرس لدعم مساعي أرض الصومال للحصول على الشرعية الدولية. وقد جاءت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه في ديسمبر 2024، عندما قدَّم النائب الجمهوري سكوت بيري عضو مجلس النواب الأمريكي، مشروع قانون في الكونجرس يدعو الحكومة الأمريكية إلى الاعتراف رسمياً باستقلال أرض الصومال. ويدعو القرار إلى تحول في السياسة الأمريكية نحو الاعتراف باستقلال أرض الصومال، التي يُنظَر إليها كشريك استراتيجي في منطقة تواصل فيها الصين وروسيا توسيع نفوذهما.
4– تحجيم واشنطن تهديدات الحوثيين: فلطالما كانت أرض الصومال محط اهتمام العديد من القوى الإقليمية بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وإطلالتها على خليج عدن، على مقربة من مضيق باب المندب – الذي يمر عبره نحو 12% من التجارة العالمية – وعلى بُعد كيلومترات قليلة من ساحل اليمن، الذي تسيطر عليه بشكل كبير جماعة الحوثيين؛ لذلك ليس من قبيل المصادفة أن تشهد الآونة الأخيرة محاولات متزايدة للسيطرة على مساحة بحرية تمتد على مسافة 740 كيلومتراً من الحدود مع جيبوتي غرباً حتى حدود بونتلاند شرقاً. ومن هذا المنطلق، ستمثل أرض الصومال فرصة مماثلة في البحر الأحمر؛ ما يسمح للولايات المتحدة بمراقبة التهديدات القادمة من اليمن والرد عليها، وتحجيم تهديدات الخصوم بشكل عام في المنطقة.
انعكاسات محتملة
من المتوقع أن تنعكس هذ التحركات الأمريكية إزاء أرض الصومال على التفاعلات الإقليمية والدولية في المنطقة؛ وذلك على النحو التالي:
1– تصاعد التوترات الأمريكية مع الحكومة الصومالية: فمن المتوقع أن تعارض الحكومة الصومالية مقترح إقامة قاعدة عسكرية في أرض الصومال، وخاصةً أن هذا المقترح يأتي بعد تصاعد الأزمة السياسية بين الصومال وإثيوبيا بسب اتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال للحصول على تسهيلات عسكرية لإثيوبيا مقابل اعترافها باستقلال أرض الصومال، وخاصةً أن المقترح الأمريكي يتضمَّن إبرام صفقة مع أرض الصومال تشمل الاعتراف الأمريكي الرسمي بها، وطرح خطة توطين الفلسطينيين وسكان غزة في أرض الصومال. وتبدي الحكومة الصومالية الفيدرالية معارَضة حازمة تجاه أي خطة لتهجير الفلسطينيين، وهذا ما صرَّح به رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري في قمة جامعة الدول العربية بالقاهرة. ويرى المسؤولون في مقديشو أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تمثل انتهاك وحدة أراضي الصومال وتقويض العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
2– رفض بعض القوى الأفريقية توجهات واشنطن: فمن المتوقع أن يُؤدي أي اعتراف أمريكي باستقلال أرض الصومال إلى توتر علاقات واشنطن مع العديد من الدول الأفريقية والهيئات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد). وقد يرى القادة الأفارقة في هذه الخطوة سابقةً خطيرةً تُقوِّض الأعراف الراسخة، وتُحدِث شرخاً في العلاقات الأمريكية الأفريقية.
3– تحرك الصين لبناء قواعد عسكرية جديدة في القرن الأفريقي: فمن المتوقع أن تجد الصين في التحركات العسكرية الأمريكية تحدياً مباشراً لنفوذها؛ نظراً إلى نفوذها المتنامي في جيبوتي وأفريقيا. وقد تسعى الصين إلى مواجهة الولايات المتحدة بالبحث عن خيار بديل لإنشاء قاعدة عسكرية أو بحرية في دولة أخرى على البحر الأحمر في المنطقة نفسها. وهذا يجعل إريتريا مرشحاً مثالياً، وخاصةً أن العلاقات بين الصين وإريتريا ودية بالفعل بكل المقاييس.
4–زيادة التقارب الرسمي بين تايوان وأرض الصومال: على الرغم من أن أرض الصومال تتمتع بالفعل بعلاقات ممتازة مع تايوان، فإن من المتوقع أن يدفع هذا الاعتراف أرض الصومال إلى ترقية علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان وإضفاء الطابع الرسمي عليها. ولعل هذا ما يُفسِّر معارضة الصين الشديدة لأي مناورات دبلوماسية من هذا القبيل من جانب كل من تايوان وأرض الصومال.
– تعزيز قدرة ‘ثيوبيا على المناورة السياسية مع الصومال: حيث إن اعترف ترامب بأرض الصومال، سيكون مكسباً لإثيوبيا؛ إذ يُمكنها هي الأخرى من الاعتراف بها سريعاً والحصول على منفذ بحري عبر ميناء بربرة، ولكن سيمثل ذلك تحدياً لمستقبل العلاقات بين إثيوبيا وتركيا؛ إذانخرطت تركيا في جهود الوساطة بين الصومال وإثيوبيا. ومن ثم ستمثل هذه التحركات الأمريكية تحدياً للدور التركي في المنطقة.
6– إبرام اتفاق تطبيع محتمل بين إسرائيل وأرض الصومال: حيث تُبدِي إسرائيل اهتماماً متنامياً بتعزيز العلاقات مع أرض الصومال منذ أن بدأ اليمن في توجيه ضربات مباشرة. وقد تعمل إسرائيل على التفاوض على قاعدة عسكرية في أرض الصومال مقابل الاعتراف بها. وقد كشفت تقارير عدة جهود سرية تبذلها إسرائيل لإنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال؛ ما يسمح لإسرائيل بشن ضربات استباقية على أهداف الحوثيين وردع أي هجمات أخرى مقابل الاعتراف الرسمي بهرجيسا وزيادة الاستثمارات المالية فيها.
وإجمالاً، يمكن القول إن أرض الصومال تحاول استغلال السياقَين الإقليمي والدولي من أجل انتزاع اعتراف أمريكي بها، ومن المتوقع أن تستجيب واشنطن للعروض التي تطرحها أرض الصومال في هذا التوقيت، لكن الاعتراف الأمريكي بأرض الصومال سوف تكون له انعكاسات كبيرة على توازن القوى في المنطقة. وقد يؤدي هذا إلى فشل جهود الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا، ويدفع إلى تصاعد الصراع الإثيوبي–الصومالي، واحتمالية اندلاع صراع عسكري بين الصومال وأرض الصومال، علاوةً على تصاعد التنافس الصيني–الأمريكي؛ ليس فقط في منطقة القرن الأفريقي، بل أيضاً تصاعد التنافس الأمريكي–الصيني وزيادة مخاطر المواجهة بين الدولتين على خلفية الدعم الأمريكي لتايوان وأرض الصومال.
انترريجورنال للتحليلات الاستراتيجية
Average Rating