انعكاسات فيروس كورونا على روابط و تماسك الاتحاد الأوروبي

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_اجتاح فيروس كورونا أوروبا و انتشر بسرعة كبيرة ، الأمر الذي عقد من ردة فعل الاتحاد الأوروبي كتكتل إقليمي، و الدول الأعضاء على حدى. انتشار الفيروس أصبح يطرح أسئلة معقدة من قبيل انهيار الاتحاد الأوروبي و تفككه، و الرجوع إلى الدولة القومية. فيروس كورونا هدد فعلا الكيانات الإقليمية و أذى إلى إعادة التفكير في مدى فعالية و قدرة الكيانات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي على مواجهة الأزمات الطارئة و ذات الانتشار الواسع، و القدرة على الصمود و المواجهة.

فيروس كورونا يخلط أوراق الاتحاد الأوروبي

المتفق عليه منذ تكتل الدول الأوروبية في كيان واحد يسمى الاتحاد الأوروبي، هو التعاون المشترك و التنسيق المتبادل في مختلف القضايا و المسائل و الأزمات. جائجة فيروس كورونا أظهرت أن الاتحاد الأوروبي تأخر كثيرا في إدارة الأزمة الصحية و مرافقة الدول الأعضاء في سبيل السيطرة على الفيروس.الاتحاد الأوروبي وجد نفسه تحت ضغوطات انتشار فيروس كورونا بشكل متسارع، متبوع باستنزاف في قدرات القطاع الصحي للدول الأعضاء المتضررة، لتشهد أوروبا قرارات متسرعة  و غير مضبوطة أحيانا ، و قرارات غير عقلانية أحيانا أخرى، لا سيما في المراحل الأولى لبداية انتشار فيروس كورونا في أوروبا.

مواجهة فيروس كورونا.. انقسامات في أروقة الاتحاد الأوروبي

نقلت صحيفة الشرق الأوسط في 02 ابريل 2020 أن مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إن السبب عنوانه «الأنانيات الوطنية» وغياب التضامن المطلوب في الوقوف إلى جانب الدول الأعضاء الأكثر تضرراً على المستويات البشرية والاقتصادية والمالية من وباء «كوفيد – 19». وتفجر الخلاف في الأيام الماضية بين شمال وجنوب أوروبا حيث يرفض الشمال ممثلاً بهولندا وألمانيا ودول أخرى من شمال أوروبا طلباً تقدمت به إيطاليا وإسبانيا بدعم من فرنسا والبرتغال وبلجيكا ولوكمسمبورغ وآيرلندا وسلوفينيا وقبرص ويدعو إلى إصدار ما يسمى «كورونا بوندز» للاستدانة الجماعية. تضيف الجريدة أن الغرض منه الاستدانة بفوائد مخفضة بفضل المصداقية الإضافية التي توفرها اقتصادات الاتحاد وأكبرها الاقتصاد الألماني. وبذلك، تستفيد الاقتصادات الضعيفة والمحتاجة جداً مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان وفرنسا من هذه الآلية المالية الجديدة.

المقترح الفرنسي للاتحاد الأوروبي لمواجهة فيروس كورونا

ذكر موقع “فرانس 24” في 28 آذار 2020 ، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طالب بضرورة اعتماد قرض أوروبي مشترك، أو زيادة لميزانية الاتحاد الأوروبي للسماح بتقديم دعم حقيقي للدول التي تأثرت بشكل كبير جراء وباء كورونا. وفي حديث لصحف إيطالية، أعرب ماكرون عن استعداد فرنسا لتقديم المساعدات لإيطاليا التي انتقدت الحكومات الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا بعدم الاستجابة لمناشداتها بتوفير كمامات ومعدات طبية أخرى. بالرغم من تحفظات برلين إلا أن ماكرون قال “أن الأمر يتعلق بقدرة على الاستدانة المشتركة، أيا كان اسمها، أو زيادة لميزانية الاتحاد الأوروبي للسماح بتقديم دعم حقيقي للدول الأكثر تأثرا بهذه الأزمة”. وتابع “المبلغ أمر ثانوي، الإشارة هي المهمة، سواء من خلال الاستدانة المشتركة أو الميزانية المشتركة”.

الصين و روسيا في طليعة دعم دول الاتحاد الأوروبي

تحدث موقع “إذاعة مونتي كارلو الدولية” في 26 آذار 2020، نشرت وزارة الدفاع الروسية عدة بيانات يومية بعد إقلاع أولى الطائرات إلى ايطاليا الأحد وهي تنقل حوالي مئة خبير في علم الفيروسات مع تجهيزات طبية ومختبرات نقالة ووحدات تعقيم. وسبق أن عمل الخبراء الذين أرسلوا إلى ايطاليا في دول إفريقية واجهت أوبئة،وعلى تطوير لقاح لوباء ايبولا، كما أعلنت الوزارة، وسيعملون في المدن الإيطالية الأكثر تضررا من الفيروس.كما أرسلت الصين وكوبا خبراء إلى ايطاليا. وتأتي المساعدة الروسية في وقت حاسم لايطاليا التي تقيم علاقات جيدة مع موسكو وساندت رفع العقوبات عنها، فيما كانت دول الاتحاد الأوروبي بطيئة في مساعدة هذه الدول العضو في التكتل.لكن كتحليل لهذا النوع من المساعدات ، قد يعتقد الكثيرون أنها مساعدات ذات أهداف إنسانية بحتة ، لكن في العلاقات الدولية لا يوجد ما يسمى بالقيم الإنسانية ، العلاقات الدولية قائمة على تحقيق المصالح ، و السياسة هي    ” القدرة على تحويل الأزمة إلى فرصة “. لذلك قرار الصين و روسيا بإرسال الفرق الطبية إلى أوروبا بعيد عن الأهداف الإنسانية ، ويدخل ضمن ما يسمى ” الديبلوماسية العامة ” ، الهدف منها محاولة كسب ” تعاطف واحترام الٱخرين ( الشعوب الأوروبية و صناع القرار الأوروبيين ) ” من جهة ، و محاولة ” تغيير ٱرائهم و مواقفهم ” في العديد من القضايا و الصور النمطية Stereotypes التي تحيط بالصين.. و روسيا.الصين و وروسيا  تمكنوا من ” تحويل أزمة فيروس كورونا إلى فرصة من أجل تسويق صور أخرى  عنهما من خلال تنفيذ ” ديبلوماسيتهما العامة ” ، و النتيجة المحتملة لذلك على المدى المتوسط ستكون تغيّر بعض مواقف الدول الأوروبية تجاه الصين و ورسيا، أو على الأقل غض البصر عن بعض القضايا التي كانت يستخدمها الاتحاد الأوروبي للضغط على الصين و روسيا.

فيروس كورونا و فرضية تفكك الإتحاد الأوروبي

ذكر موقع “دوتشه فيلله” الألماني في 27 آذار 2020، نقل دبلوماسي عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحذيره لزعماء الاتحاد الأوروبي بأن تفشي فيروس كورونا يهدد الدعائم الأساسية للاتحاد الأوروبي. ووفقا للمصدر، فقد قال ماكرون لباقي قادة التكتل وعددهم 26 خلال مؤتمر صحفي عبر الهاتف، “المشروع الأوروبي معرض للخطر… التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة الشينجن”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.ويرى حسين الوائلي الخبير في شؤون الاتحاد الأوروبي من بروكسل، د بأنه “من المبكر جداً أن نقول إن الاتحاد سينهار.. صحيح أن الأزمة عميقة لكن دول الاتحاد ترى الآن أن الوحدة أهم بكثير من الانقسام”.  وأضاف: أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يلبي طلبات جميع الدول الأعضاء خصوصاً الأكثر تضرراً، لأن الأزمة أكبر بكثير من حجم الاتحاد تقنياً واقتصادياً، وثانياً أن جميع الدول الأعضاء تعاني من نقص حاد على المستوى الصحي ولم يسعف الوقت الاتحاد للوصول إلى توافق أو إجماع حول آلية المساعد وبناء إستراتيجية تصدي للفايروس، لهذا ترك الباب مفتوحاً للدول الأعضاء في كيفية بناء آلية للتصدي للفايروس كل حسب إمكانياته.

الخلاصة

انتشار فيروس كورونا و وصوله إلى أوروبا بسرعة، ضغط على مؤسسات صناعة القرار في الاتحاد الأوروبي، و أيضا على صناع القرار لكل دولة أوروبية على انفراد، فقامت كل دولة بالتقوقع حول نفسها في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي نفس الوقت طلب الدعم من مؤسسات الاتحاد الأوروبي. فيروس كورونا غيّر الكثير من المفاهيم و أنواع التهديدات التي قد تطال دول الاتحاد الأوروبي، و أطهر الفيروس أن الاتحاد الأوروبي حاليا أمام أزمة اقتصادية، و سياسية و أمنية ، بل و أعمق من ذلك، هو في أزمة “وجودية” قد تعصف بهذا الكيان على المدى المتوسط. دخول الصين و روسيا و حتى كوبا في خط الدعم اللوجيستيكي و المادي الموجه لبعض دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة فيروس كورونا، سيؤدي إلى تغير في مواقف و استراتيجيات و رؤى بعض دول الاتحاد الأوروبي لكل من الصين وروسيا وكوبا.

التوصيات

الاتحاد الأوروبي ملزم بأن يكون أكثر حزما و عقلانية في مواجهة فيروس كورونا، و تفادي التردد في صناعة و اتخاذ القرارات المصيرية. كما أن دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بالتكتل بشكل متين لمواجهة الفيروس و تفادي “الأنانية و التمركز الذاتي” لكل دولة على حدى. كذلك دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بإدراك مخاطر التفكك المستقبلي و ضرورة القيام بدراسات دذية و نقذ ذاتي لكيان الاتحاد الأوروبي و مؤسساته، من أجل عدم الوقوع في التشكيك بانهيار الاتحاد في أي أزمة يصطدم بها.

لمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post الصراع السعودي -الروسي حول إنتاج النفط هو آخر ما يحتاجه الاقتصاد في ظل وباء كورونا
Next post عن الحراك الجماهيري وفرص التغيير الثوري وآفاق تجاوز الأزمة.. والبرنامج الاقتصادي للحزب الشيوعي العراقي