عن الحراك الجماهيري وفرص التغيير الثوري وآفاق تجاوز الأزمة.. والبرنامج الاقتصادي للحزب الشيوعي العراقي
رائد فهمي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية
…_نشرت الشقيقة
جريدة “الميدان” التي يصدرها الحزب الشيوعي السوداني يوم الخميس الثاني
من نيسان 2020 القسم الأول من حوار مع سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي
العراقي الرفيق رائد فهمي أجاب فيه على مجموعة أسئلة طرحتها الجريدة حول القضايا
الجوهرية للواقع العراقي الراهن.
في أدناه نعيد نشر الأسئلة والردود
عليها:
منذ بداية أكتوبر العام الماضي ارتفعت
وتيرة الحراك الجماهيري .. واتخذت شكلا جماهيريا واسعا. ما هي القوى الاجتماعية
التي تشارك فيه، وماهو دور وموقع الطبقة العاملة منه؟
– أن انتفاضة شعبنا وشبابه وطلابه في
الأول من تشرين الأول ٢٠١٩ هي من الأحداث البارزة في تاريخ العراق المعاصر، فقد
انطلقت كهبة واسعة وغدت انتفاضة شعبية جماهيرية واسعة، فاقت الأعداد المساهمة فيها
الملايين، في المحافظات المنتفضة.
المنتفضون جُلهم من الشباب العاطلين
عن العمل، ومن ضمنهم خريجو الجامعات والمعاهد، ومن شباب الأحياء الشعبية المهمشة
اقتصاديا، الذين خرجوا لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية ولغياب العدالة
الاجتماعية وانعدام الأمل في حل قريب، ولَم يروا الجدية في معالجة أوضاعهم من قبل
الحكومات المتعاقبة، ومن الحكومة المستقيلة المكبلة بقيود الولادة العسيرة وسيف
التدخل الخارجي.
وقد أتسع نطاق المشاركة الاجتماعية
والتأييد الجماهيري للاحتجاجات في “صفحتها الثانية” (في 25 تشرين الأول/
أكتوبر الماضي) وتحولت إلى انتفاضة عارمة بعد تعرضها إلى قمع دموي راح ضحيته
المئات من الشهداء وآلاف الجرحى. فأنحاز إلى مطالبهم السلمية المشروعة غالبية
الاتحادات والنقابات المهنية والأكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني. وكانت لمشاركة
الطلبة وقعها الخاص، فقد عززت من صفوفها ورفعت معنويات المنتفضين. وشكل موقف نقابة
المعلمين دعما كبيرا للطلبة ما شجعهم على المضي في دعم الانتفاضة رغم التضييق
الشديد عليهم والضغوطات الكبيرة التي مورست ضدهم من السلطة ومن الأحزاب والتنظيمات
الحاكمة.كما انحازت إلى الانتفاضة طبقات وفئات اجتماعية واسعة، وساهمت فئات
وطنية من التجار وأبناء العشائر في دعمها وحتى توفير الحماية لها كما حصل في بعض
المحافظات. كذلك تعاطف معها الكثير من منتسبي القوات المسلحة والأمنية.وكانت
مساهمة المرأة العراقية بارزة في مختلف أنشطة وفعاليات الانتفاضة.لأسباب
وعوامل موضوعية تتعلق بالواقع الاقتصادي العراقي وانحسار أنشطته الإنتاجية وتعطل
الكثير من معامله ووحداته الصناعية، وأخرى ذاتية تتعلق بضعف وانقسام الحركة
النقابية العمالية، لم تلعب الطبقة العاملة واتحاداتها النقابية سوى دور محدود في
الانتفاضة وهذا الحراك المتواصل منذ أكثر من خمسة أشهر، سواء على الصعيد التعبوي
الجماهيري أم على مستوى القيادة والتوجيه والتنظيم. وينسحب ذلك أيضا على معظم
الاتحادات والنقابات المهنية. ويعتبر ذلك من نقاط الضعف الأساسية لهذا الحراك الجماهيري الواسع.
* إذا جازت التسمية للحراك بالانتفاضة،
ما هي فرص التغيير الثوري؟.. وماهو إسهام الحزب الشيوعي في ذلك؟
– كما أوضحنا فيما تقدم، أن الحراك اتخذ
شكل هبة جماهيرية تحولت إلى انتفاضة شعبية طرحت مطالب سياسية جذرية تدعو إلى تغيير
المنظومة السياسية الحاكمة ونهج المحاصصة الطائفية والأثنية، وليد دولة المكونات،
المسؤول عن الفشل في تأمين الخدمات الأساسية وتحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية
وعن استشراء الفساد في جميع مفاصل الدولة، وعن حماية السيادة الوطنية واستقلالية
القرار الوطني العراقي إزاء التدخلات الخارجية الدولية والإقليمية.
منذ انطلاقتها أعلن الحزب انحيازه
التام للانتفاضة السلمية ومطالبها العادلة، مشاركا وداعما ومدافعا عنها بوجه كل من
حاول الإساءة إليها، وعرّى جذور ذلك ودوافعه. وتضامنا معها قدم عضوا الحزب في مجلس
النواب استقالتهما من المجلس لعجزه عن وقف القمع الذي يمارس ضد المحتجين وفشله في
مساءلة رئيس الوزراء وحكومته. كما قدم الشيوعيون أعضاء مجالس المحافظات
استقالاتهم. كذلك سخر الحزب طاقاته وإعلامه ونشاط منظماته، داخل الوطن وخارجه،
لمساندة الانتفاضة وصولا إلى تحقيق أهدافها.
وبدافع الحرص على ضمان الوجهة السلمية
للانتفاضة وصمودها ومواصلة زخمها شدد الحزب على أهمية التأكيد على الوجهة السلمية
للانتفاضة، وعلى ضرورة الانتباه وعزل قوى مندسة محتملة أو غريبة عن الانتفاضة
وأهدافها وشعاراتها.
كما أكد الحزب أن من شروط نجاح
الانتفاضة في تحقيق أهدافها تطوير التنسيق بين أطر ساحات الاعتصامات والاحتجاجات،
وتطوير صيغ العمل والتنسيق المشترك في كل محافظة وبين المحافظات أيضا، والعمل على
سد الثغرات فيما يتعلق بأطرها القيادية والمنسقة لها.لا شك أن الأزمة
السياسية والاقتصادية – الاجتماعية المركبة التي يمر بها العراق تنطوي على بعض
سمات الأزمة الثورية، من حيث رفض أقسام واسعة من الشعب العراقي لاستمرار المنظومة
الحاكمة وانخراط جماهير واسعة في الفعل السياسي ومشاركتها في نشاطات احتجاجية
متنوعة ذات طابع سلمي في عمومها. وقد نجحت الانتفاضة في إرغام الحكومة على الاستقالة
وفي حمل مجلس النواب على تشريع قانون انتخابات جديد وعلى تغيير مجلس مفوضية
الانتخابات وعلى فرض بعض الإجراءات الاقتصادية لصالح العاطلين عن العمل والخريجين.
ولكن على أهميتها لا ترقى هذه الإجراءات إلى التغيير الجذري المطلوب المتمثل
بالخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والاثنية والانتقال إلى دولة المواطنة ذات
الطابع المدني الديمقراطي، بل أنها معرضة للالتفاف عليها والارتداد عنها من قبل
القوى والأحزاب الحاكمة إذا ما تراجع زخم الانتفاضة وانحسر الالتفاف الجماهيري
حولها.
وخلال الأسابيع الأخيرة الماضية،
تراجع زخم الانتفاضة بفعل مجموعة من العوامل، من بينها انتشار وباء فايروس
الكورونا، واستمرار ممارسات العنف المفرط ضد المحتجين وعمليات الاغتيال والخطف
والاعتقال وحملات التشويه الإعلامية المكثفة التي شنتها وسائل إعلام الأحزاب
والقوى الحاكمة وجيوشها الالكترونية، والصعوبات المعاشية التي واجهت المعتصمين
بسبب طول المدة الذي زاد على الخمسة أشهر. إلى جانب عدم نجاح الانتفاضة في إيجاد
أطر تنظيمية فاعلة لتنسيق وتوحيد المواقف بين مختلف القوى المشاركة في ساحات
الاحتجاج والاعتصام المتعددة، ورواج بعض المفاهيم والطروحات السياسية غير السليمة
داخل صفوفها، من قبيل التوجس من الأحزاب ورفض الحزبية والتنظيم السياسي والتوجس من
الأطر التنظيمية بشكل عام وترجيح العفوية، مما أعاق تبلور الترجمة السياسية
الفاعلة للحراك الاحتجاجي الشعبي.
إلاّ أن الحزب على كبير قناعة بأن
الأوضاع لن تعود إلى ما قبل الأول من تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩، وان الانتفاضة
يمكن لها أن تتجدد بأشكال وصيغ مختلفة طالما بقيت دوافع اندلاعها باقية.
* تحولت الشعارات من شعارات مطلبية إلى
شعارات اجتماعية سياسية، لماذا؟
– لم يكن الحراك الذي انطلق في الأول من
تشرين الأول (أكتوبر) مقطوع الجذور عن الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في ٢٥ شباط
(فبراير) ٢٠١١ والتي رفعت منذ ذلك الوقت شعارات غلب عليها الطابع المطلبي، في
مقدمتها تأمين الخدمات العامة ومحاربة الفساد، إضافة إلى مطالبات بالإصلاح ونبذ
نظام المحاصصة الطائفية والأثنية. ونظرا لعدم إيفاء القوى الحاكمة بالوعود
والاستمرار على ذات النهج والسياسات التي قادت إلى مزيد من الأزمات وتغول منظومات
الفساد والتردي المتواصل في الخدمات العامة وانحسار فرص العمل وازدياد الاستقطاب
في الدخل والثروة في المجتمع، عادت التظاهرات والاحتجاجات إلى الانطلاق مجددا عام
2013، ومن ثم عام 2015 على نطاق أوسع، واستمرت بدون انقطاع حتى أوائل 2018.
وفي جميع هذه الحركات الاحتجاجية لم
تتغير الشعارات المطلبية، واحتلت الصدارة منها المطالبة بالإصلاح السياسي وتشريع
قانون ومنظومة انتخابية عادلة ونزيهة ومكافحة الفساد وتوفير الخدمات وتحقيق قدر من
العدالة الاجتماعية. إلاّ أن الجماهير، ومن خلال ما راكمته من تجربة وخبرة طيلة
السنوات السابقة، وليس بعيدا أيضا عن جهد حزبنا والقوى والشخصيات المدنية
والديمقراطية والوطنية الأخرى التي بيّنت بوقت مبكر المخاطر الناجمة عن مواصلة
القوى المتنفذة تشبثها بالمحاصصة، ولادة الأزمات، الحامية لمنظومة الفساد، توصلت
إلى القناعة بأنه قي ظل المنظومة الحاكمة القائمة والتي تعيد إنتاج نفسها على مدى
أربع دورات تشريعية بسبب قانون انتخابات غير عادل واستخدام واسع للمال السياسي
والتزوير ومختلف وسائل الضغط لمصادرة إرادة الناخب الحرة وتغييبها، لا يمكن توقع
حدوث إصلاح وتحقيق مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية المشروعة في تحقيق العيش الكريم.
كما كانت بغداد والبصرة والنجف
وكربلاء وذي قار وغيرها من المحافظات قد شهدت منذ شهر حزيران (يونيو) ٢٠١٩ تصاعدا
في الحركة الاحتجاجية والمطلبية شمل تحركات واعتصامات أصحاب عدد من المهن وخريجي
الجامعات وحملة الشهادات العليا واعتصامات الفلاحين وأصحاب العقود المؤقتة
واحتجاجات الأطباء والأطباء البيطريين والمهندسين. وامتدت الاحتجاجات حتى الى
قطاعات معينة محسوبة على الحشد الشعبي ومن منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، من دون
أن تلقى استجابة جدية من الحكومة، بل قمعت بعضها بعنف أثار استياء شعبيا واسعا.
إضافة إلى العوامل السالفة الذكر، كان
للقمع العنيف الذي قوبلت به المظاهرة التي تم الدعوة لها في الأول من أكتوبر ٢٠١٩،
والذي تسبب في سقوط عدد كبير من الشباب بين قتيل وجريح، أثر كبير في إشعال الغضب
الجماهيري ضد السلطة وأحزابها والجماعات المسلحة التي وقفت بقوة ضد الحراك
الاحتجاجي والتظاهرات، فتقدمت نتيجة ذلك الشعارات السياسية والمطالبة بالتغيير
الشامل.
* الحراك السياسي الجماهيري العالي
موجود في وسط وجنوب العراق .. مع ان المطالب ذات طابع وطني عام؟
– هناك عدة عوامل تقف وراء تمركز الحراك
السياسي الجماهيري في محافظات وسط وجنوب العراق ذات الأغلبية “الشيعية”.
بدءاً نشير إلى ارتفاع معدلات الفقر في محافظات الجنوب والوسط. ففي آخر مسح لحالة
الفقر في العراق اجري عام 2018 ، أظهر أن نسبة الفقر في محافظات إقليم كردستان تتراوح ما بين 4.5% و8.5،
وفي محافظات غرب العراق والمحافظات ذات الأغلبية “السنية” ما بين 17% و22%.
وترتفع النسبة في محافظة نينوى (الموصل) إلى 37% لتعرضها إلى دمار واسع بسبب
احتلالها من قبل داعش وفي معارك التحرير. أما في محافظات الجنوب فقد تراوحت النسبة
في أربع محافظات ما بين 44% و52%، باستثناء البصرة التي بلغت نسبة الفقر فيها 16%.
أما محافظات وسط العراق، فنسب الفقر تراوحت ما بين 10% و19%. فيمكن
اعتبار الفقر أحد العوامل المهمة في تفسير اندلاع الاحتجاجات في المناطق الوسطى
والجنوبية.
وثمة معطيات كثيرة تشير إلى أن شعارات
ومطالب الحراك الجماهيري تلقى التأييد والتعاطف من سكان محافظات كردستان
والمحافظات الغربية، وعبروا عن هذا التضامن بأشكال مختلفة، منها مشاركات في
اعتصامات بغداد، وتقديم الدعم المادي وبعض الفعاليات المحدودة في مناطقهم. ولكن
ظروف المناطق التي عانت من سيطرة داعش، ومن قبلها القاعدة، عليها وبقاء جيوب عديدة
للإرهاب في مناطقها يحول دون قيامهم بفعاليات احتجاجية ذات طابع جماهيري خشية
استغلالها من الإرهابيين، وكذلك خوفا من وقوعهم تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب
الذي يمكن أن يطبق بشكل تعسفي في هذه المناطق. أما في كردستان فان لها ظروفها
السياسية الخاصة، وظهرت مبادرات محدودة لتنظيم فعاليات احتجاجية. ولكن حالة فقدان
الثقة بالممثلين السياسيين وبالقوى والأحزاب المتنفذة تشمل جميع مناطق العراق
وبدرجات متفاوتة نسبيا. وقد انعكس ذلك في ارتفاع نسبة العزوف عن المشاركة في
انتخابات 2018 التشريعية التي تقدر النسبة الحقيقية للمشاركة بأقل من 20%.
مع الإشارة إلى أن المتظاهرين
والمعتصمين وخاصة في بغداد هم من كل أطياف الشعب العراقي.
* الأزمة السياسية في العراق بدأت منذ
الاحتلال وهو الذي فرض منهج المحاصصات .. ما هي آفاق الحلول لهذه الأزمة التي
يعيشها العراقيون؟
– بداية لا بد من الإشارة إلى أن الحزب
الشيوعي العراقي عارض خيار الحرب أيام كفاحه ضد النظام الدكتاتوري السابق، ورفع
آنذاك شعار (لا للحرب..لا للدكتاتورية). وحذر في بيان أصدره عام 2002 من أن الحرب على
النظام المذكور، التي كان يُهيأ لها آنذاك من الخارج، ستحمل للبلاد الخراب
والدمار، وستكون لها نتائج وآثار لا يمكن التنبؤ بتفاصيلها والتحسب مسبقا لها. كما
أنها لن تأتي بالديمقراطية المنشودة، وان ما سينجم عنها سيخضع بالضرورة لأهداف
القوى الغازية وهي الولايات المتحدة وحلفاؤها.
بعد انهيار النظام السابق أعلنت
الولايات المتحدة نفسها دولة محتلة، وأطلقت عملية سياسية للانتقال إلى حكم دستوري
ديمقراطي فيديرالي، تتمثل في مؤسساته السياسية وسلطاته الثلاث المكونات الدينية
والمذهبية والقومية لشعبنا العراقي. وقد لقي هذا التوجه القبول والدعم من الأحزاب
والقوى السياسية القائمة على أساس ديني – مذهبي أو قومي، لأنه يضمن لها الحضور
والمشاركة على جميع المستويات في قوام الدولة التي ستخضع لإعادة البناء. واعتُمدت
في بناء مجلس الحكم الذي تم تشكيله بعد الاحتلال أسس المحاصصة، مع بعض الاستثناءات،
بين ممثلي المكونات الشيعية والسنة والكردية. واُتخذ هذا التقاسم التحاصصي سُنّةً
تم اعتمادها لاحقا في تشكيل وبناء مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث. ووجدت قوى
الطائفية السياسية في إيراد مفاهيم مثل “دولة المكونات” و”مبدأ
التوازن” المكوناتي في الدستور، وعلى أساس انتقائي في التعامل مع نصوص
الدستور الذي اقر في عام 2005، شرعنة لتكريس نهج المحاصصة الطائفية والأثنية في
تشكيل جميع مفاصل الدولة وتشكيلاتها الإدارية القيادية. واقترن ذلك عمليا بحصر
تمثيل مكونات الشعب العراقي بأحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية، والتمثيل
الكردي بالأحزاب القومية الكردستانية، وبقوى طائفية سياسية بشكل عام. وشكلت هذه
القوى العمود الأساسي لجميع الحكومات التي أمسكت بمفاتيح سلطات الدولة منذ عام
2005 حتى اليوم. وقد استطاعت أن تعيد إنتاج نفسها بالحصول على التمثيل البرلماني
اللازم، في جانب أساسي منه، بفضل قوانين انتخابية غير عادلة وباستخدام موارد
الدولة ووظائفها لكسب الأنصار والمريدين، إضافة إلى المال السياسي ووسائل الضغط
المختلفة والتزوير. وإلى جانب ذلك لعب التوظيف السياسي الواسع لمشاعر المظلومية
والانشداد إلى المعتقدات الدينية والمذهبية لدى أقسام واسعة من المجتمع العراقي،
لا سيما فئاته الشعبية، دورا كبيرا في تأمين قاعدة شعبية لأحزاب الطائفية السياسية
ولنهج المحاصصة الذي يخدم مصالحها.
ولم يكن حزبنا غافلا عن المخاطر التي
ينطوي عليها بناء العملية السياسية على أسس المحاصصة الطائفية والأثينية، ارتباطا
بمآلاتها ومخرجاتها ومدى نجاحها في تحقيق مهام الانتقال الديمقراطي في العراق.
وسعى الحزب ما استطاع إلى تصويب مسارات العملية السياسية، والتشديد على ضرورة نبذ
نهج المحاصصة واعتماد مبدأ المواطنة والانتماء للهوية الوطنية الجامعة، بالترابط
مع احترام تمثيل جميع الأطياف الاجتماعية في بناء الدولة الديمقراطية الاتحادية
(الفيديرالية). وقد سعى إلى ذلك من داخل العملية السياسية كما من خارج أطرها على
صعيد الضغط الجماهيري السلمي، عبر المشاركة الفاعلة في حركات الاحتجاج التي تواصلت
على مدى العقد الأخير وحتى الوقت الراهن.
وكان واضحا للحزب تماما أن لا خلاص من
نهج المحاصصة، الذي يحظى بإسناد القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة والقوى
الإقليمية وفي مقدمتها إيران، ويدعمه تبلور مصالح القوى السياسية المتقاسمة للسلطة
والمنتفعة من نفوذها ومغانمها، إلا بتغيير وتعديل موازين القوى السياسية لصالح
القوى الساعية إلى بناء دولة المواطنة، المدنية الديمقراطية.
ووفقا لهذه الرؤية رفع الحزب في
مؤتمراته الأخيرة شعار “الإصلاح” ومن ثم “التغيير نحو الدولة
المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية”.
وتوصل الحزب في مؤتمره الأخير المنعقد
أواخر 2016 إلى أن نضالنا، في ظل التوازنات السياسية الداخلية والدولية الدافعة
بقوة نحو التطور الرأسمالي بصورته الليبرالية الجديدة الأكثر غلواً، ينصب في
المرحلة الراهنة على تجنيب شعبنا مصائب رأسمالية وحشية، وعلى إنجاز الأهداف ذات
الطابع الوطني والديمقراطي. وان تحقيق هذه الأهداف يتطلب التوجه نحو إقامة تحالف اجتماعي سياسي
واسع، يضم الطبقات والفئات الاجتماعية المهمشة (المحرومة) والقوى المناهضة
للاستبداد والإرهاب، والتي تؤمن بالديمقراطية وآلياتها وتتطلع إلى بناء دولة مدنية
ديمقراطية عصرية.
فتحقيق مشروع الإصلاح والتغيير يحتاج
إلى تحشيد شعبي واصطفاف سياسي واسعين، يعملان في دوائر متعددة غير متقاطعة،
ويفترضان التنسيق والتكامل.
وانطلاقا من هذا التوجه نشط الحزب في
إطار حلقات عدة؛ أولاها حلقة الحزب ذاته وضرورة تعزيز صفوفه والارتقاء بدوره
وتوسيع دائرة صلاته وعلاقاته مع أوسع القطاعات الجماهيرية. كذلك تنمية الحراك
الشعبي والاحتجاجي والنهوض به، وتبني مطالب الناس والدفاع عنها.
والحلقة الأخرى هي تنمية دور التيار
الديمقراطي ببعديه السياسي والاجتماعي، وتعزيز واستنهاض قواه، وإيلائه الاهتمام في
مختلف فعاليات الحزب ونشاطاته.
أما الأطر الأخرى فتتصل بعلاقات الحزب
مع سائر الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى. وفي هذا السياق جاء تحالفه في إطار “سائرون” مع التيار الصدري عام 2018 على أساس مشتركات سياسية
وأهداف وطنية واجتماعية – اقتصادية، تبلورت خلال الحراك الاحتجاجي في السنوات
2015-2017.
وعلى خلفية تفاقم الأوضاع القاسية
التي يمر بها البلد، وتكرار الأزمات، وتعمق الهوة الساحقة بين الغنى والفقر،
وتدهور أوضاع الكادحين وعامة الناس، وواقع التمييز البيّن، أدركت أعداد وأوساط
متزايدة من شعبنا بتجربتها الخاصة حقيقة مشاكلها، وأصبحت أكثر وعيا بالأسباب
الحقيقية لمعاناتها. ذلك ما حفز مجاميع كبيرة منها على رفض هذا الحال بأشكال
ووسائل متعددة، والتحرك نحو المطالبة بالتغيير في تحول ملحوظ في المزاج الشعبي،
وانتشار واضح لعناوين وملامح الحياة المدنية، ما يؤشر تطورا في نضوج إمكانيات
التغيير، ويفتح آفاقا واعدة تشجع مضاعفة الجهود لاستكمال الشروط الضرورية.
* ماهي ملامح البرنامج الاقتصادي
المقترح من الحزب لتخطي كارثة الضائقة المعيشية المتوقعة؟
– في منتصف عام 2019 قدم حزبنا حزمة من
المقترحات من أجل خلق أجواء اجتماعية ومناخ سياسي مناسب لتنفيذ الخطط والمشاريع
لمواجهة الأولويات الاقتصادية والمعاشية الملحة في البلاد. وأشرنا في حينها إلى أن
تنفيذها يتطلب تحديد خطوات إجرائية حكومية وأولويات تشريعية ومشاريع اقتصادية
وخدمية.
فشملت المقترحات دعوة الدولة لاتخاذ
سلسلة من القرارات والإجراءات لإصلاح الدولة والإدارة الحكومية ومكافحة الفساد لا
مجال هنا لذكرها، وأخرى تتعلق بمكافحة البطالة وتحريك الأنشطة الاقتصادية دعونا
فيها الحكومة:
إلى وضع خطط وبرامج ومشاريع تهدف إلى
توجيه الموارد المالية والبشرية نحو الأنشطة الاقتصادية ذات الأسلوب كثيف العمل.
ويعتبر قطاع البناء والإسكان من أهم هذه الأنشطة، وذلك بالتوجه الجاد السريع لحل
أزمة السكن ومعالجة قضايا العشوائيات وتوفير التخصصات اللازمة لذلك.
انجاز مشاريع البنى التحتية
الاجتماعية المتلكئة (المستشفيات والأبنية المدرسية) وتوفير التخصصات اللازمة لذلك
على مدى عامين كحد أقصى.
وفي إطار المعالجة الاجتماعية والاقتصادية
لمشكلة البطالة في صفوف الشباب والنساء وعلى المدى القريب جدا والآني دعونا إلى
فتح دورات وورش لتدريب وعمل لـ 250 ألف شاب وشابة. وتقدم وللمتدربين مساعدة بطالة
شهرية مؤقتة خلال عملية التدريب لحين العمل خاصة بالنسبة إلى خريجي الجامعات.
إن الإجراءات السالفة الذكر، مع أخرى
تفصيلية أكثر، تخص دعم القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية والخدمية ذات طابع
آني وقصير الأمد.
أما على الصعيد الاستراتيجي فيهدف
برنامج الحزب إلى تغيير البنية الريعية للاقتصاد العراقي لصالح الأنشطة الإنتاجية،
وذلك من خلال:
تبني إستراتيجية تنمية مستدامة،
واعتماد خطط تنموية متوسطة وقصيرة الأجل، بالاشتراك مع حكومة الإقليم والحكومات
المحلية.
توظيف العوائد النفطية لأغراض
الاستثمار والتنمية، بالدرجة الأساسية، وتأمين الرقابة والإشراف عليها من قبل
المؤسسات التمثيلية للشعب.
مكافحة البطالة باعتبار ذلك من
الأهداف الرئيسية للسياسة الاقتصادية، وإعطاء الأولوية إلى البرامج الاستثمارية
والى خلق الحوافز للمناطق والقطاعات التي عانت التمييز
وضع سياسة تخدم الصناعة الزراعة
الوطنيتين والحد من الاستيراد العشوائي المنفلت وتفعيل السيطرة الحكومية على
المنافذ الحدودية.
تقديم الدعم والإسناد للصناعة
الوطنية، ومنها الصناعات والنشاطات الصناعية والخدمية المرتبطة بالقطاعات الكثيفة
العمالة.
تأكيد دور الطبقة العاملة وسائر
الشغيلة ومنظماتهم النقابية في حياة المجتمع، لينهضوا بدورهم في صياغة السياسات
الاقتصادية – الاجتماعية وفي عملية إعادة البناء.
الاهتمام بقطاع الدولة، باعتباره
قاعدة رئيسية للاقتصاد الوطني وعامل التوازن الاقتصادي والاجتماعي، والعمل على
تحديثه وإصلاحه اقتصادياً وإدارياً، بإرساء معايير الشفافية والكفاءة والمساءلة
والمشاركة الديمقراطية.
الوقوف بوجه الدعوة إلى اعتبار الخصخصة،
ولا سيما خصخصة المؤسسات والشركات المملوكة للدولة ذات الجدوى الاقتصادية، بدلاً
من إعادة تأهيلها وإصلاح إدارتها.
تشجيع القطاع الخاص ومبادراته،
واعتماد سياسة مالية وضريبية تمييزية لصالح مشاريعه، التي تساهم في تنمية قدرات
البلاد الإنتاجية والارتقاء بالمستوى التنافسي لمنتجاته وخلق فرص عمل جديدة.
توفير ضمانات العيش الكريم للمواطنين
وحمايتهم من الفقر والعوز، بالاستخدام العادل لثروات البلاد وعوائد التنمية، وذلك
من خلال:
وضع حد أدنى للأجور يؤمن عيشاً
كريماً، ومراجعته دورياً في ضوء معدلات النمو والتضخم. كذلك إعادة النظر في سلم
رواتب موظفي الدولة، ووضعه على أسس سليمة تزيل مظاهر التفاوت الحاد وعدم التوازن،
استكمال بناء نظام الضمان الاجتماعي
عبر إصدار قانون للضمان الاجتماعي الشامل، وتعزيز شبكة الرعاية الاجتماعية الحالية
وتطويرها، لتشمل إنشاء صناديق تقدم الإعانات المالية في حالات البطالة والعجز
الناجمة عن العمل والشيخوخة، وإيجاد نظام فعال لتمويل هذه الصناديق.
الارتقاء بالخدمات الاجتماعية، لا
سيما الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية، والدفاع عن مجانيتها، وتوفير الخدمات
العامة، وتأمين الموارد اللازمة لتنفيذ مشاريع الماء والكهرباء والنقل والمواصلات
والاتصالات والمشاريع البلدية والخدمية.
• وبموازاة هذه الإجراءات ينبغي اتخاذ
إجراءات حازمة في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة من
الدولة واعتماد مبدأ المواطنة في سياسة الدولة.
الحوار المتمدن