الخطوات الحكومية لدعم العمال الفلسطينيين، عرض إعلامي أم خطوات فعالة؟

Read Time:8 Minute, 15 Second

عمرو سلعوس

 

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_مع دخول إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية الشهر الثاني على التوالي، ومع اقترابنا من إنهاء الشهر الأول من إجراءات الحظر المشدد التي فرضت بقرار مجلس الوزراء بتاريخ 22/3/2020، تعود إلى الواجهة عديد الأسئلة المتعلقة بآثار هذا الإعلان وما لحقه من إجراءات على مختلف أبناء الشعب الفلسطيني على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، ويتكرر سؤال اليوم الأول لإعلان حالة الطوارئ المرتبط بوضع العمال الفلسطينيين العاملين في القطاع الخاص فمنذ بداية الأزمة ظهرت مشكلة الارتفاع الحاد في مستويات البطالة لمجموع عمال القطاع الخاص نتيجة أعمال التسريح القسري من العمل من قبل أصحاب العمل في قطاعات العمل الأكثر تشغيلاً، وبدأت التكهنات حول قانونية هذه الأفعال وتحديد الجهة المسؤولة عن حماية العمال في ظل هذه الإجراءات من جهة، وتقييم المستويات الادخارية و القدرة على الصمود لمجموع عمال القطاع الخاص من جهة أخرى. ومنذ تلك اللحظة عكفت وزارة العمل الفلسطينية واتحاد نقابات عمال فلسطين على إيجاد حل “مرضي” لجميع الأطراف منعاً للانهيار الكبير في الأوضاع المعيشية لمجموع العمّال الفلسطينيين. فما هي الحلول التي توصلوا إليها؟

الاتفاق ثلاثي الأطراف
أُعلن في رام الله بتاريخ 16/3/2020 ما سمي باتفاق أطراف الإنتاج الثلاثة؛ وزارة العمل الفلسطينية واتحاد نقابات عمال فلسطين وممثل عن المجلس التنسيقي للقطاع الخاص في فلسطين. نص الاتفاق على إلزام أصحاب العمل في القطاع الخاص، الذين توقف عمل منشآتهم إثر إعلان الطوارئ، بدفع الأُجور عن شهري آذار ونيسان 2020 بنسبة 50% بما لا يقل عن 1000 شيقل، على أن يدفع المتبقي من الأجر بعد انتهاء الأزمة. و نص أيضاً على الالتزام بقرار وزير العمل بشأن دوام العاملات الأمّهات والذي صدر بتاريخ 10/3/2020، والمتعلق بتقليص ساعات وأيّام عمل الأمّهات العاملات في القطاع الخاص أسوةً بمثيلاتهن في القطاع العام، وبالعمل على إنشاء صندوق طوارئ لمعالجة الآثار الناتجة عن حالة الطوارئ.
الاتفاق ثلاثي الإطراف من ناحية قانونية
يمثّل هذا الاتفاق خروجاً من قبل الأطراف عن القانون الفلسطيني، واجتهاداً في غير محله لتعديل نص قانوني صريح. إذ “تنازلت” وزارة العمل واتحاد نقابات عمال فلسطين لصالح القطاع الخاص، عن التطبيق الكامل لنص المادة 38 من قانون العمل الفلسطيني، والتي جاء فيها “لا ينتهي عقد العمل في حالة صدور قرار إداري أو قضائي بإغلاق المنشأة أو بإيقاف نشاطها مؤقتاً لمدة لا تزيد عن شهرين، وعلى صاحب العمل الاستمرار في دفع أُجور عمّاله طيلة فترة الإغلاق أو الإيقاف المؤقت.”، أي أن الوزارة واتحاد النقابات وعلى قاعدة “تقديم التنازل من الطرفين”، منحت لنفسها صلاحية التوقيع على اتفاق يقضي بتعطيل العمل بمادة قانونية، أعدت خصيصاً لمعالجة مثل هكذا حالة، وهي مادّة نافذة في قانون ساري المفعول في فلسطين منذ العام 2000، وهو الأمر الذي يدخل في إطار العمل خارج القانون و يجعل الفقرة الثانية من هذا الاتفاق على وجه التحديد (و التي تنازلت فيها الأطراف عن حق العامل في الحصول على كامل أجره بدون أي تأخير طيلة فترة الإغلاق القسري و لمدة 60 يوما) منعدمة و غير منتجة للآثار القانونية الملزمة. فقواعد قانون العمل هي قواعد آمرة أي أنه لا يجوز الاتفاق على خلافها، كما أنّ إعلان حالة الطوارئ وبحسب المواد (من 110و لغاية 114) من القانون الأساسي و المنظمة لإعلان الطوارئ، لم تمنح الصلاحية القانونية للوزارة أو الحكومة بشكل عام لأن تقوم بإلغاء أو تعديل أو تعطيل النصوص القانونية سارية المفعول.
ويلاحظ أيضاً دعوة الاتفاق في فقرته السادسة لإنشاء صندوق طوارئ لمعالجة الآثار الناتجة عن حالة الطوارئ، دون التطرق بتاتاً للجهة الممولة لهذا الصندوق وما هي المسؤولية الحكومية المباشرة تجاهه، وهذا أمر خطير جداً ويحمل تنصل مبطن من قبل الحكومة الفلسطينية ووزارة العمل عن مسؤولياتها في تقديم الدعم والمساندة المباشرة للأطراف المتضررين من إعلان حالة الطوارئ، حيث ألقت الحكومة عن كاهلها مسؤولية ضمان الحقوق الأساسية في الحياة المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني، واكتفت برعاية الاتفاق والإعلان عنه بصفته انجازاً عظيماً في وقت الأزمة.
الاتفاق ثلاثي الإطراف من ناحية اقتصادية و عملية
عند النظر إلى التطبيق العملي لهذا الاتفاق ظهر بوضوح أنه غير واقعي و يفتقر لأدوات التنفيذ الفعالة، كما أنه لم يقرأ بدقة الأرقام الصادرة من السابق عن الجهاز المركزي للإحصاء و مجموع المعطيات العملية الدالة سلفاً على أن الالتزام بتطبيق مضمونه وبنوده وتحديداً الفقرة الثانية منه هو أمر حالم وخيالي. فقد بيّنت النتائج الصادرة عن الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء سنة 2017 أنّ 32,8% من المستخدمين بأجر (العمال) في القطاع الخاص الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة (104,800 عامل) يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجور (1450 شيقل)، وهو ما يدل أن نسبة كبيرة من أصحاب العمل غير ملتزمين بدفع الحد الأدنى للأجور بالأساس، ولم تستطع القرارات الحكومية وأنظمة وزارة العمل ومجموع أدواتها التنفيذية أن تلزمهم بذلك منذ تثبيت الحد الأدنى للأجور عام 2012. كما أن العدد الكبير لقضايا المطالبات العمالية والتي تشمل المطالبة ببدل الحقوق المنصوص عليها في قانون العمل تبين أن أصحاب العمل غير ملتزمين بمنح العمال حقوقهم فيما يخص الحد الأقصى لساعات العمل وبدلات العمل الإضافي والإجازات السنوية العارضة والمرضية وغيرها من حقوق العمّال المكفولة قانوناً، فعدم تنفيذ القوانين المتعلّقة بحقوق العمّال والحد الأدنى للأجور طيلة عشرين عاماً من نفاذ القانون، كان بسبب غياب الأداة التنفيذيّة، وبما أن الاتفاق الثلاثي لم يطور أي أداة تنفيذية حديثة واعتمد على أدوات التنفيذ السابقة و التي بان عجزها فهو بالنتيجة طور اتفاقاً غير واقعي وضعيف من جهة منح الحقوق الفعلية للعمال، ومن المرجّح أن ينخفض مستوى تطبيقه لصالح القطاع الخاص. وبالإضافة لذلك فقد قدر الجهاز المركزي للإحصاء متوسط الأجر في فلسطين بمئة شيقل، وبالاستناد لهذا الرقم فان متوسط الدخل الشهري للعامل الفلسطيني هو ثلاثة آلاف شيقل، وباحتساب نصف الراتب الذي اقره الاتفاق يصبح جميع العمال الفلسطينيين في القطاع الخاص يعيشون مع أسرهم بدخل شهري 1500 شيقل أي اقل من حد خط الفقر المدقع المقدر ب1974شيقل ولم يكتفي اتفاق أطراف الإنتاج بذلك، بل حددوا الحد الأدنى لبدل نصف الأجر الشهري بألف شيقل أي حوالي نصف الرقم القياسي لخط الفقر المدقع، فهل هذا ما رمى له الاتفاق أم أنهم لم يبحثوا جدواه حين التوقيع عليه ؟
ومن جهة أخرى فقد بينت نتائج الإحصاء نفسه المشار إليه إلى أنّ غالبية ساحقة من منشآت العمل في فلسطين (88.6%) هي منشات صغيرة ومتناهية الصغر (تشغّل من عامل إلى أربعة عمّال) وهي تعتمد على بقاء دوران العجلة الاقتصادية كي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه العمال وغيرهم، مما يعني أنها لن تكون قادرة على دفع أجور عمالها المقدر عددهم بحوالي (260الف عامل) طيلة فترة توقفها عن العمل في ظل حالة الطوارئ، وبالنتيجة فلو كان أطراف الاتفاق مطلعين على هذه الأرقام لاستنتجوا ببساطة أنه سيكون حبراً على ورق ولن يكون بيدهم حيلة لتطبيقه على أرض الواقع. و خلال الأسبوعين التاليين لتوقيع الاتفاق بات واضحاً امتناع أصحاب العمل عن تنفيذه، واكتفوا غالباً بالنحيب من سوء الأوضاع وانهيار ملاءتهم المالية، وبأفضل الأحوال سمحوا لموظفيهم بالحصول على سلف مالية وألزموا عدداً كبيراً منهم بالحصول على إجازات غير مدفوعة امتدت لثلاثة أو أربعة أشهر في بعض الأحيان.
قرار رئيس الوزراء
عند ظهور القصور والضعف العالي لاتفاق أطراف الإنتاج سالف الذكر ، خرج رئيس الوزراء الفلسطيني بالإعلان الحكومي بتاريخ 13/4/2020 والذي قرر في الفقرة الثامنة منه تقديم مساعدات حكومية ل 30 ألف عامل تضرروا من إعلان حالة الطوارئ لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم في شهر رمضان المبارك، وهو محاولة في اتجاه آخر، حيث فقدت الحكومة الثقة بجدية التزام القطاع الخاص بتنفيذ “اتفاق أطراف الإنتاج الثلاثة” وقررت المضي قدما بإجراءات الدعم المالي المباشر للعمال المتضررين.
قرار رئيس الوزراء من حيث الوضوح و الفعالية
بداية فقد لوحظ على هذا القرار عدم توضيحه لآليات التوزيع واختيار العمال المستفيدين من المساعدات، وعند الرجوع للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، نجد أنّ عدد المستخدمين باجر (العمال) في القطاع الخاص من غير أصحاب العمل وذويهم 413,948 عامل، يشكلون 43,3% من إجمالي القوى العاملة، موزعين على الضفة الغربية وقطاع غزة، والعدد المقدر للمتضررين جراء وقف عملهم بسبب حالة الطوارئ يتجاوز 200 ألف عامل، وهم العاملون في قطاعات السياحة والإنشاءات والمطاعم والفنادق والباعة بالأسواق وفي التعدين والمحاجر وغيرها من القطاعات التي توقف عملها، وبالتالي فإن قرار رئيس الوزراء سيقدم المساعدة لما يقدر ب15% من مجموع العمال المتضررين من إعلان الطوارئ، هذا قبل التطرق للعمال الفلسطينيين العاملين داخل الكيان الصهيوني او داخل المستوطنات والذين يزيد عددهم على 127 ألف عامل، وهم من دأبت الحكومة ومختلف الأجهزة الأمنية منذ إعلان حالة الطوارئ على حثهم وحتى محاولة إلزامهم بالامتناع عن الذهاب إلى عملهم خشية نقلهم للمرض، مما يعني بالمجموع أن المساعدات الحكومية ستشمل 9% فقط من العمال المتضررين!
ومن جهة أخرى فإن قرار رئيس الوزراء يثر العديد من الأسئلة، فهل ستعمل الحكومة على تقديم الدعم للعمال الفلسطينيين العاملين في الضفة الغربية و قطاع غزة دون العاملين في الداخل المحتل، إذا افترضت وجود مستويات ادخارية أعلى لدى العاملين بداخل الكيان؟ أم ستعمل على تقديم هذه المساعدات للعمال في الداخل المحتل لحثهم على عدم العودة؟ وما تبعات أي من الخطوتين؟ وبذات الوقت يطرح سؤال آخر، ما هو مقدار هذه المساعدة المقدمة في شهر رمضان و هو المعروف بارتفاع مستوى الإنفاق الغذائي، هل ستكون موازية لمقدار الحد الأدنى للأجور(1450شيقل) والذي يقل بمقدار الربع تقريبا عن مستوى خط الفقر المدقع(1974شيقل)؟ هل ستستطيع هذه المساعدات أن تخفف من الأضرار التي لحقت بأكثر من 327 ألف عامل ؟
خلاصة واستنتاج
مع كل ما سبق نرى بأن الحكومة الفلسطينية متخبطة جدا في التعامل مع أزمة العمال الفلسطينيين في القطاع الخاص، مع غياب سياسة واضحة و فعالة لديها بشأن التعامل مع هذا الملف الحساس في هذا التوقيت الحرج، ويمكن القول بأن الحكومة الفلسطينية لا تتوفر لديها نية حقيقية للقيام بعمل مثمر في هذا الملف، ويكتفي رئيس الوزراء والمتحدث الرسمي باسم الحكومة بشعارات ” محدش بموت من الجوع ” للتستر على هذا العجز الحكومي، والتعويل على التكافل الشعبي للتنصّل من المسؤوليّات الرسميّة، ويعملون باستمرار على اتخاذ خطوات ضعيفة وغير مؤثرة ليتم تسويقها على أنها إنجازات براقة ولامعة، ولا يرى منها مجموع العمال المتضررين أية جدوى، ولا تستخدم هذه الإعلانات الحكومية و الوزارية إلا لتقديم دلالة واهمة على قدرة الحكومة الفلسطينية على التعامل مع الأزمة. ويبدو في نهاية المطاف أن الرهان من طرف الحكومة دائماً مركزه المحافظة على ديمومة أجر موظفي القطاع العام بالمثابرة على صرف رواتبهم و تخفيف الأعباء المالية عنهم ، في خطوة لا يفهم منها إلا أن العمل الحكومي لإدارة الأزمة الراهنة همه إبقاء مقوّمات الحياة متوفرة لدى 21 % من مجموع القوى العاملة الفلسطينية وهم العاملون في القطاع العام، ومحاولة التصدق على الآخرين من أموال الدول المانحة مع اشتراط دائم من هذه الدول وهو دعم قوة ومركزية السلطة الفلسطينية في أي ظرف وبأي ثمن

الحوار المتمدن.

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الأنظمة التعليمية و تأخر النهوض في البلدان العربية: متى عُرف السبب بطُل العجب!
Next post سباقُ الموتِ بين جشعِ التجارِ وفيروس كورونا