الانهيار الأمريكي الإيراني واللاصعود العراقي

Read Time:6 Minute, 16 Second

عبد الأمير الركابي

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_لن نستطيع إجلاء الدلالات والمقاصد المتضمنه في الأحداث والأفعال والمتغيرات التاريخية للمواضع والكتل المجتمعية الإيرانية، ومايقابلها ويضادها عراقيا وشرق متوسطيا، من دون تنويه بالحضور أو التصميم المقرر من “الغائية الكونية العليا” الأمر الذي سيأخذنا إلى المستوى أو المدى المعرفي المتعلق بالتدخليه الكونية، وإشكال حضورها المسبقة التكوينية والبنيوية السابقة على تشكل الكيانات وتوزعها، والأمر هنا سيدخلنا مجالا من البحث جدير بان يخصص له توقف خاص واستثنائي، لأنه يتعلق بأساس انتقالي معرفي مابين “النبوية الالهامية الحدسية” التي كانت وماتزال سارية وناظمة للمفهوم التوحيدي الابراهيمي كتعبير انتقالي عن هذا النوع من الرؤية والوعي بالعالم والوجود، مرتهن لاشتراطات تعذر الادراكية العقلية العلية، مع ضرورة التعبير عنها بما يتناسب ويتماشى مع الظرف والحالة، الامر الذي قرر في حينه كل بنائية العلاقة بالكونية مجتمعيا لا ارضويا، من النبوات والرسل، ومايتصل بها من تلق سماوي، مفارق للارضوية، وقائم على نزع السلطة من الأرض وايداعها في السماء، ومايتصل بذلك من بدائية ثنوية ( الله / الإنسان) بمعنى تجسيد قوة الكون العليا بذات قابلة للاستيعاب العقلي المتاح في حينه، وما هو ممكن التصور بظل الطور المجتمعي الجسدي المتصير إلى مابعده، مع كل ماهو معتبر من قبيل الثوابت المتصلة بنظرة “الانسايوان” لذاته وللعالم والوجود.
كل هذا كان قد اوجب تمرحلا في الحضور الكوني، النبوية التوحيدية هي قمتها، بعد التعددية التاليهية، ومع كل منظومة ومحددات علاقة الكائن البشري بالكون، وبذاته، وبالآخر، قبل مغادرة العقل حالة القصور الملازمة لوجوده المجتمعي، الأمر الذي لايمكن تخيل إمكان استمراره على ماهو بظل التحولية والوعي باشتراطات ولوازم المجتمعية ومآلاتها، أي في حال الانتقال من تعذر ادراك المضمر المجتمعي واليات تحققه، الى مقاربة الخفي والمودع في الظاهرة المجتمعية، ومن ثم في إجمالي عملية التصيّرالتاريخي، أو الارتقاء بطوريها الجسدي والعقلي، مع الوقوع على القانون الناظم للصيرورة المجتمعية، أي مايتوافق فعلا مع الظاهرة المجتمعية تكوينا والأهداف المضمرة فيها والتي هي موجودة لكي تبلغها.
أن ديناميات تبلور المجتمعية الافتتاحي في الشرق المتوسطي، وأسبقية اكتساب المجتمعية الرافدينية ضمنه مقومات الكمال التحولي، ليس مجرد صدفه، أو مجرد حدث يمكن النظر إليه ضمن الإجمال والعمومية، بالأخص تلك التي تذهب إلى اخذ الظاهرة المجتمعية ارضويا وجسديا باسم “الحضاروية” كبديل عن حقيقة غائبة هنا أيضا، وليس على صعيد الرؤية التوحيدية النبوية المؤقته، ليس هذا وحسب، بل يجب إعادة النظر بضوء التحولية في توزعات الكيانية الشرق متوسطية، واحتشاد الأنماط المجتمعية الثلاثة فيها، بحثا عن الوظائف الكامنة والمنطوية في الاحتشاد المذكور، وبضمان دوره الأساسي في استمرارية الفعل الكوني الشرق متوسطي، بالأخص إذا وضعنا في الاعتبار حالة التمدد الإجباري للطرفين الشرقي والغربي الأوربي، نحو بؤرة الاحتشاد النمطي.
ومعلوم أن “الحضاروية” لاتاخذ من الفعل التاريخي غير المنجز المادي الأحادي، والأسبقيات مثل النظم الأولى، والشرائع، والكتابة التي بها يفصل بين حضارة وماقبل حضارة بناء على توفر التدوين من عدمه، هذا من دون ملاحظة ظاهرة من نوع الانتقال الإبراهيمي إلى الضفة المقابلة الأوربية من المتوسط عبر المسيحية أبان الاحتلال الروماني، والانتقال الإبراهيمي الثاني باتجاه الشرق ضمن ردة فعل استثنائية وكبرى على الاحتلال الفارسي الخانق المعطل للآليات الازدواجية الرافيدينيه، ولشروط عمل اقتصاد الغزو الجزيري، ليس هذا وحسب، فما هو ظاهر أمامنا من اللوجة كتوضع مع مايلازمه من مواصفات، هو الأجدر بالانتباه ولإثارة الأسئلة حول : لماذا أحادية الدولة الشرق متوسطية المقابلة لاوربا، والمحاذيه عند عبور البحر، النيلية، وما اثر احاديتها في توفر أسباب تبلور “صياغة مملكة الله” التوراتية العراقية بماهي امتدادات المجتمعية التي لاتتجسد ارضويا، والممتنعة في ارضها، المنفية والباقية حاملة لاتحققها في “الجيتو”، ذلك بالإضافة الى المجال الشامي المفتوح الذي لايتجسد كيانيا قبالة مصر النيل، ومايوفره من شقوق قابله للاستعمال ككيانيه مستحيله، ووعد خارج الأرض، والاهم من ذلك والأكثر سطوعا منه، هو ماتنتسب له الجزيرة العربية بنية ووجودا، لاحقا ومتأخرا عن الدورة الأولى التاريخية النهرية الافتتاحية الرافدينية النيليه، وما تنطوي عليه من ممكنات عسكرية احترابية لاتقاوم وجيشا احتياطيا تحريريا جبارا، بالأخص حين تصبح كيانا عقيديا بفعل ألازمه الاختناقية القبيلية، بحيث تلعب دورها الذي لامثيل له ولاشبيه يفسر حضوره الكاسح، الخارج من زوايا التاريخ المغفلة، ومن قعر الصحراء، بمائة ألف مقاتل من الحفاة فقط، ليصل ال الصين والهند ساحقا فارس و”عظمتها” إلى الأبد، في قرابة عشرين عاما، الأمر الذي لم تكن قد اضطلعت به، لامصر”المتقدمه حضاريا بما لايقاس” ولا ارض الرافدين الغائبة مع عظمتها تحت تراب الانقطاع التاريخي./هل وجدت على مستوى المعمورة منطقة/ بؤره، كونية الحضور والأثر، والفاعلية شبيهة بمنطقة الاحتشاد الانماطي المجتمعي، وبالمقارنة بين فلسفة الغرب الإغريقي اليوناني، وتجددها الحديث مقارنة بالإبراهيمية، أي من المنجزين ياترى كان قد عم العالم، وتداخل مع الكينونة البشرية علي مستوى المعمورة باستثناء الصين، قد تكون الفلسفة حاضرة ضمن حدود التفكر النخبوي، في الوقت الذي تعرف الولايات المتحدة الأمريكية ككيان مستجد نفسها في الابراهيمة ابتداء ومآلا ومن حيث الخيارات، ثم لماذا ياترى كانت منطقة شرق المتوسط غير قابلة للإخضاع، مع كونها مصبا طبيعيا للإمبراطوريات الشرقية والغربيه، ومالسر في كونها استطاعت، لا أن تنتفض وتحرر ذاتها، وتذهب لابتداع دورة تاريخية ثانية، بل ولجعل محتليها يدينون بدينها، ويتغيرون بناء لماتنطق به، ومايتمخض عنه تفاعلها مع اشتراطات الهيمنه والرغبه في الإخضاع أن لم يكن الإزالة كمدى مستقل متميز؟.
هنا يحضر الازدواج مقابل الأحادية، وحضور المجتمعية غير القابلة للتجسد ارضويا كقوة متعدية لبنى الأحادية، وحيثما تتصور أو تعتقد إمبراطوريات الأحادية الطبقية/ العبودية، أو العبودية الإقطاعية الشرقية، أن إخضاع والهيمنة على ماهو احادي، او ينتمي لهذا الصنف من المجتمعية داخل الشرق المتوسطي، كاف بحسب قدرة تلك الإمبراطوريات على النظر بناء لطبيعتها هي، يفوتها لابل وتعجز عن الإحاطة بما وراء وماخلف البنى الأحادية، باعتبار المنطقة منطقة ازدواج مجتمعي وتعبيري ثنائي، من المستحيل إخضاع جانبه اللاارضوي من قبل من هو ارضوي بنية، بمعنى ان منطقة الشرق المتوسطي هي منطقة خارجة عن، وفوق طاقه الكيانات والإمبراطوريات الأحادية على الإخضاع، لازدواجها المجتمعي، ومن ثم لعلو دينامياتها التاريخية التحولية وخاصيتها الكونيه.
ليس هذا وحسب، فالحضور الإمبراطوري الأحادي الشرقغربي عند نقطة شرق المتوسط، هو فعل إليه وحتمية تاريخية ضرورية ولازمة لاجل تنشيط الدينامية الازدواجية المتوسطية، ومن ثم تعميم منجزها المتعدي للاحادية، وهو ماكان حصل إبان انتهاء الدورة الأولى الشرق متوسطية التأسيسية، عبر القراءات الثلاث النبوية الكبرى، وانعكاساته وارتداداته داخل بنى الإمبراطوريات الأحادية الأضعف ازدواجية، أو الازدواجية مع غلبة وازنه للجانب الأحادي ضمن بنيتها، بما يعني أن المجتمعات عموما ازدواجية بالطبيعة والكينونة بدرجات تقل أو تتزايد، وأنها مجتمعة محكومة وجودا وديناميات وصيرورة لآليات تصارعيه بين وجهي الازدواج يحدث ويتولد عن التفاعلية الاميراطورية الشرقية الغربية مع بؤرة الازدواج وأساسه، حيث يتعمم الازدواج داخل الأحاديات، ويصير للجانب اللاارضوي، مثل المسيحية في الغرب() والإسلام الممتد شرقا، حضورملموس ومجسد، على حساب أحاديتها الغالبة او المصمته بحكم الغلبة الأحادية ضمن بنيتها.
هكذا يعمل قانون التحولية على مستوى المعمورة، فيتعمم الازدواج ذهابا للحظة “فك الازدواج” الكبرى النهائية، ولا تعود فارس ممكنه إمبراطوريا بعد أن تخترق بالإبراهيمية الإسلامية، أي عقيدة مجتمعية اللادولة، فبنية فارس الإقطاعية العبودية، هي بالأصل وكينونه غلبة قوم على تجمع أقوامي متعدد، وامتياز لجماعة اقوامية بين مجموعات اقوامية، لاتعود قابله للتحقق إسلاميا بعد وحدة العقيدة وانتفاء مبررات التميّز، ماقد انهى التاريخ الإيراني السابق على القرن السابع الميلادي لصالح تاريخ استحالة الإمبراطورية، الأمر الذي ظل قائما ليتسبب في سقوط إيران تحت حكم أقوام من خارجها بعد سقوط بغداد، وصولا إلى القرن السادس عشر، يوم صار الإسلام قابلا للتطييف من داخله، ويمكن مع الصفوية، إعادة إنتاج صيغة باهته من الإمبراطورية السابقة على الإسلام إسلاميا متأخرا،في غير زمنها، باسم التشيع بما هو ادعاء إيمانية تصحيحية يمكن باسمها ضمان نوع من التميز الأقوامي التقليدي مموها، وهي محاولة متأخرة ضعيفة الأسس لإعادة إنتاج الخاصيات الإمبراطورية التاريخية المنتهية.
تلك كانت دلالة تشييع إيران بالسيف على يد عباس شاه، وجيشه من الترك، وحركته الصوفية الأصل الاذربايجانية التأسيس، والتي لم تكن لتفلح برغم محاولاتها الدؤوبة في إعادة إحضار الإمبراطورية، في الوقت الذي كانت العثمانية المجاورة صاعدة، والعراق بحالة إعادة تشكل جنوبا، ليس احتلال بغداد منه، سوى سيطرة على بقايا منتهية من دورة تاريخية انقضت()، وبهذا تكون الصفوية في الأساس قد أفلحت فقط في إحياء الكيانيىة الإيرانية من دون إمبراطورية، دلالة، ومن قبيل التأكيد تكرارا، على انتهاء ظاهرة الإمبراطورية الفارسية منذ الفتح الإسلامي، وصولا إلى الخمينية ومابعدها من مطامح متناقضة حاصلة اليوم، صارت اقرب لافتقاد الأسس على صعيدي الكيانية الوطنية والإمبراطورية معا.

الحوار المتمدن

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post عودة تلاميذ السنة الخامسة في المدارس الابتدائية البلجيكية للتطعيم
Next post حول التحوّلات الجارية في بنية الطبقة العاملة اللبنانية