الاستخبارات.. آلية تجنيد الجواسيس والعملاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي ؟

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي نمطا و أسلوبا جديدا في تجنيد العملاء و الجواسيس، و أجهزة الاستخبارات باتت تعتمد على منصات و مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بأنشطتها، على اعتبار أن هذا النوع الحديث من وسائل التواصل الاجتماعي يوفر لها ” مصادر معلومات و قراءات سيكولوجية ” عن الأفراد المراد تجنيدهم.

استغلال أجهزة الاستخبارات لوسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد العملاء و الجواسيس

بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، بتجنيد موظفين وضباط من خلال خدمات البث عبر الإنترنت، مثل نتفلكس وأمازون، في تطور لافت في أساليب التجنيد التقليدية التي كانت تعتمدها الوكالة خلال تاريخها.وأكدت رويترز في 23 يونيو 2020 إن وكالات الدفاع والتجسس الأميركية لعبت دوراً رئيسياً في إنشاء الإنترنت، والآن تتحول وكالة الاستخبارات المركزية للمرة الأولى إلى خدمات البث عبر الإنترنت لتجنيد جواسيس تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً.

يُعدّ “لينكد إن” من أقدم مواقع التواصل الاجتماعي التي تُستخدم اليوم، إذ أُنشئ عام 2002، لكنّه ليس من الأكثر استخداماً، بالرغم من أنّه استقطب حتى منتصف عام 2017 أكثر من 500 مليون مستخدم نشط. لكن بينما يوفّر الموقع تواصلاً بين المُشغّلين والموظّفين المحتملين، تستغلّه وكالات الاستخبارات كي تتصيّد جواسيس جدداً. فبحسب ورقة تحليلية نشرها موقع “ستراتفور”، تستخدم جميع وكالات الاستخبارات طرقاً متشابهة لتجنيد الجواسيس عبر موقع التواصل المهني “لينكد إن”، وتتكون عملية التوظيف من ثلاث مراحل أساسية: الاكتشاف، التطوير، والتوظيف، وفق تقرير نشره موقع “العربي الجديد” البريطاني في 9 يوليو 2019. التجسس الرقمي، على وسائل التواصل الاجتماعي، وكسر الشفرة 

و قد نشر موقع “صحيفة العرب اللندنية” تقريرا لستراتفور في 14 يوليو 2019 يشرح فيه الخبير الأمني سكوت ستيوارت مراحل تجنيد الاستخبارات للعملاء عن طريق موقع “لينكدإن” :

مرحلة الاكتشاف، حيث يقوم ضباط المخابرات بإدراج الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات المطلوبة على قائمة الأهداف وترتيبهم وفقا لفرص استخراجها. وبمجرد قيام ضابط المخابرات بتجميع قائمة بالأهداف المحتملة، ستكون الخطوة التالية هي تحديد أفضل احتمالات التوظيف، وما هي الطريقة التي ستعمل بشكل أفضل للفوز بهم. هنا، أيضا، يمكن أن يكون “لينكد إن” مفيدا. ويمكن أن تتطور مرحلة التطوير في عملية التوظيف بشكل مختلف اعتمادا على الهدف النهائي، ويكون الهدف النهائي لمرحلة التطوير هو إقامة علاقة وبناء درجة من الثقة حتى يمكن الوصول إلى الهدف الاستخباراتي.

قطاع التجسس في عصر الأنترنت و تكنولوجيا المعلومات

يعتبر الخبير الأمني “إدوارد لوكاس” أن التكنولوجيا أكبر قوة تخريبية أثرت على طريقة عمل قطاع التجسس، حيث تعتمد أساليب الجوسسة التقليدية دائما على الخداع القائم على أساس تغيير وتزييف الهوية، لتحقيق الاختراق عبر تجنيد العملاء وتطوير مهاراتهم وتنشيطهم وصيانتهم بالسرية التامة … تغيّر قواعد اللعبة أساليب التخفي وتزييف الهوية والتي أصبح من السهل الآن كشفها بواسطة التقنيات الحديثة، وهو ما جعل من أجهزة الاستخبارات أكثر تحديثا لخططها لإخفاء أسرارها.

ويتيح برنامج التعرف على الوجه، الذي طورت شركات إسرائيلية معظمه قبل انتشاره على نطاق أوسع في الصين وأماكن أخرى، للحكومات ووكالات إنفاذ القانون تخزين أعداد هائلة من الوجوه والبحث فيها، ويمكنها بعد ذلك التحقق من هذه البيانات عبر مقارنتها بمجموعة من المعلومات الشخصية التي يحملها معظم الأشخاص طوعية واعتيادا على حساباتهم عبر الإنترنت، حسب ما ذكر موقع “صحيفة العرب اللندنية” في تقرير نشره في 26 مايو 2019. التجسس ..الثورة التكنلوجيا .

هل انتهى عهد تجنيد العنصر البشري لأغراض التجسس ؟

ذكر تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” فى 15 أبريل 2020 أن السلطات الصينية تستخدم نظاما واسع النطاق مبنيا على تكنولوجيا للتجسس على أقلية الأويغور. وتمت برمجة تكنولوجيا للتعرف على الوجوه دُمجت في شبكات الصين الضخمة لكاميرات المراقبة لتحديد الأويغور بناء على مظهرهم للاحتفاظ بسجلات عن تحركاتهم في أنحاء الصين. وذكرت الصحيفة أنه في إحدى المدن، تمت عملية المسح الضوئي (500) ألف مرة في شهر واحد للعثور على الأويغور.

كتب الباحث في الشؤون الأمنية “شاي هارشكوفيتش” تقريرا نشره موقع TC في 10 أغسطس 2019 ، أن قدماء موظفي الاستخبارات يزعمون أنه لا يوجد بديل للعنصر البشري في التجنيد. وهم يزعمون أن الذكاء الاصطناعي لن يكون قادراً أبداً على فهم الزوايا الكاملة من الاعتبارات في صنع القرار الاستراتيجي، وأنه لا يستطيع تقييم القضايا المجردة في تفسير السلوك البشري. يمكن للآلات جمع البيانات وربما تحديد الأنماط ، لكنها لن تنجح في تفسير الواقع كما يفعل البشر. ويحذر آخرون أيضا من الآثار الأخلاقية للاعتماد على الآلات في حالات الحياة أو الموت، مثل اتخاذ قرار بخوض الحرب. 

وعلى النقيض من ذلك، يزعم المتفائلون في مجال التكنولوجيا أن التفوق البشري، الذي حدد أنشطة الاستخبارات على مدى القرن الماضي، يرضخ بالفعل للتفوق التكنولوجي. في حين أن البشر دورهم لم يعد حصريا، وربما حتى الأكثر أهمية في هذه العملية ، فكيف يمكن لضابط الاستخبارات العادي أن يتعامل مع الكميات التي لا تتوقف من المعلومات التي ينتجها العالم الحديث؟.

رهانات قطاع التجسس في ظل الثورة التكنولوجية

كتب الخبير “ادوارد لوكاس” دراسة نشرتها المجلة الأمريكية Foreign Policy في 27 إبريل 2019 ، أن التحول نحو جمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية يخلق مخاطر جديدة وصعوبات سياسية لجميع الأطراف لأنه يطمس التمييز بين أعمال التجسس والحرب. في عالم الذكاء البشري ، كان الفرق بين أجهزه الاستخبارات والقوات المسلحة واضحا من الناحية النظرية. وظيفة ضابط المخابرات كانت دائما إيجاد الأشياء وليس جعل الأمور تحدث.

و في عالم الإنترنت ، الدافع أصعب بكثير و يمكن بسهولة أن يخطئ التسلل إلى الحواسيب والشبكات الحساسة في بلد آخر لما يسمي بغرض الاستطلاع البريء باعتباره عملا تخريبيا أو على الأقل تحضيرا له. من شأن احتمال سوء الفهم أن يدفع ممارسي التجسس الإلكتروني إلى أرضيات سياسية وقانونية غير مالوفة. وقد وضعت وكالات الاستخبارات معايير ، وهو ما يحل إلى حد ما محل الافتقار إلى التنظيم القانوني في ما لا يمكن أبدا أن يكون حيزا يحكمه القانون. 

الخلاصة

منذ نهاية الحرب الباردة تغيرت أنماط و أساليب تجنيد العملاء و الجواسيس نظريا و ميدانيا، و أصبح العامل التقني و التكنولوجي هو المحرك الأساسي في عمليات التجنيد و التجسس خاصة  و سيزداد قطاع التجسس تطورا بظهور “تكنولوجيا الجيل الخامس”.

يجمع الكثير من المختصين في الدراسات الأمنية والاستخباراتية أن الاعتماد على العنصر البشري في التجنيد و التجسس قد تضائل في العقد الأخير، لا سيما و أن شركات التكنولوجيا طورت مختلف وسائط التواصل الاجتماعي التي أضحت باباً سهلا تدخل منه أجهزة الاستخبارات لأغراض تجنيد عملاء في مختلف أنحاء العالم و من مختلف الأعمار و الجنسيات دون بذل جهود كبيرة في سبيل ذلك.

على الرغم من أن شركات التكنولوجيا تبدي قلقها من حين لآخر تجاه أجهزة الاستخبارات التي تستغل منصاتها و مواقعها لغرض التجنيد و التجسس ووصل الأمر حتى المحاكم، إلا أن أجهزة الاستخبارات ما زالت ترى أن هذه المنصات و المواقع تمثل ” طعما ” جيدا لاصطياد العملاء و الجواسيس لا يمكن الاستغناء عنه وفق حسابات استخباراتية براغماتية.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الاستخبارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post تجديد مهمة قوات “اليونيفيل” السنوية: الإبقاء على الأهداف وتغيير السبل والوسائل
Next post الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط .. تردد و تراخي