بضعة أفكار عن قضية الاعتراف الإماراتي بإسرائيل

جعفر المظفر

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_

  1. ليس من الحكمة إغفال الخطوة المجحفة بالحق الفلسطيني التي إتخذتها الإمارات لكن ليس من الحق الإتيان بردود أفعال لا تتفق وحجم الضرر الذي تؤسس لها هذه الخطوة. كلاهما التعقيد والتبسيط يجعلاننا نخطأ إصابة المعنى.
    هناك دول عديدة, وهي دول معينة بالقضية الفلسطينية أكثر من الإمارات, كانت قد إعترفت منذ عقود بإسرائيل وتبادلت معها السفارات, وأعني بهما هنا الأردن ومصر. كما أن هناك دول أخرى تقف على الخط بإنتظار فرصتها السانحة مثل السعودية التي تبطئ الخطوة لمسائل إعتبارية أهمها موقعها في العالم الإسلامي كونها تضم أكثر الأماكن الإسلامية المقدسة.

    2- ردود الفعل, وبخاصة العربية والفلسطينية, تعاملت مع الخطوة الإماراتية وكأنها تتعامل مع دولة عظمى. من الحق إدانة تلك الخطوة بتصريح لناطق رسمي وإدامة الإتصال بأغلب دول العالم الرافضة لمكرمات ترامب الصهيونية لحثها على الإلتزام بشرط الدولتين وعدم الإعتراف مطلقا بكل خطوة إسرائيلية وأمريكية تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بهذا الشأن.

    3- لنتذكر أن دول الخليج وخاصة الإمارات هي أقرب إلى شركات منها إلى دول. هل عمركم رأيتم دولة عربية شعبها من الهند والباكستان وبنغلادش وجيشها عبارة عن مرتزقة هنود وباكستانيين. هذه الشركات مملوكة من قبل عائلات قليلة ناطقة بالعربية ويديرها موظفون من مختلف الأجناس. فلا تراهنوا أبدا على إمكانية أن تتصرف شركة كدولة ولا يصيبكم الإحباط حينما تسعى شركة إلى زيادة رقعة مكاسبها وحماية نفسها وفقا لقوانين البورصة والسوق العالمية. الواقع أن حملة التعاطي مع الخطوة الإماراتية جعلتني أظن أن الإمارات دولة عظمى وليست شركة خليجية ولا علاقة لها بإلتزامات الدول وأخلاقيات الإنتماء والهوية.

    4- أسمع وأقرأ نقدا وهجوما حادا ضد الخطوة الإماراتية من القوى الإسلامية الحاكمة في العراق في الوقت الذي تتناسى فيه هذه القوى فضل إسرائيل عليها يوم كان للصهيونية العالمية دورا وثيقا مع أمريكا للإطاحة بصدام حسين والإتيان بهم, مثلما تتناسى هذه القوى أن شركائها في الحكم, وهي القوى السياسية الكردية المتنفذة, لا تخفي علاقاتها التاريخية مع إسرائيل, بل وربما تهدد بها من يهددها, ورأينا كم علما إسرائيليا قد رُفِع من قبل تظاهرات الإستفتاء التي كان قد دعا إليها البارزاني.

    5- ليس شرطا أن يكون البلد الذي لا يقيم علاقة دبلوماسية مع إسرائيل بلدا بارا بشعبه وليس بالضرورة أن يكون البلد الذي يعترف بإسرائيل ضارا بشعبه بل قد يكون هذا الأخير أفضل علاقة وإنجاز لشعبه من ذلك الذي يرفع راية النضال ضد إسرائيل, صدقا أو كذب.
    كانت علاقة صدام سيئة مع إسرائيل وكذلك هي علاقة الحاكم الإيراني. الإثنان كانا عدوين لإسرائيل في الظاهر, لكننا نجد أنهما أساءا لشعبهما كثيرا وإلى الدرجة التي جعلت الكثير من أبناء شعبيهما يكرهان إسم فلسطين, أو لا يحبذان العودة إلى الإفتراض الذي يقول أن فلسطين هي القضية المركزية.

    6- إن الإخلاص للقضية الفلسطينية لا يمنح الحاكم المتجبر صك الغفران, كما أن الحاكم الذي لا يكون رحيما بشعبه لن يكون رحيما بالفلسطينيين إلا لأغراض الدعاية والإعلان.

    7- أفضل مثال للإرتباك الأخلاقي هو ذلك الذي رأيناه في موقف بعض الفلسطينيين من العراق. صدام كان بارعا في تسويق زعامته القومية الوهمية عن طريق سلعنة القضية الفلسطينية, اي محاولة تسويق أحلامه بالزعامة القوميةعن طريق تقديم نفسه صلاح الدين عصره. إنخدع الفلسطينيون وفجر العديد منهم نفسه على الأبرياء في شوارع المدن العراقية حقدا على العراقيين الذين قتلوا صدام الدين الأيوبي.

    8- من حق الإمارات أن تقيم علاقات مع إسرائيل على شرط ان لا تتسبب خطوتها بالضرر لفلسطين ودون إدعاء أنها أقدمت على ذلك لفائدة فلسطين.

    9- أكثر البهلوانيين قدرة على السير على الحبل المعلق بين الفلسطينيين والإسرائليين هو أردوغان الذي يحتفظ بعلاقات ودية على أكثر من صعيد وفي مقدمتها العلاقات الدبلوماسية. وقد زار الخليفة أردوغان أبرز داعمي حماس إسرائيل عام 2015 وعقد معها عدة إتفاقات متنوعة وقامت إسرائيل وقتها بتحديث الطائرات والدبابات التركية كما أن اللوبي اليهودي القوي اميركيا وعالميا يدعم انقرة سياسيا واقتصاديا, وتقوم إسرائيل بمد أنقرة بكثير من المعلومات الأمنية حول حزب العمال الثوري الكردي ونشاطاته في الأراضي المجاورة خصوصا في العراق وسوريا وكل دول العالم التي ينشط فيها هذا الحزب بين صفوف الأكراد.

    10- قطر أيضا حليفة أردوغان والماسكة لعصا سير البهلوان التركي على الحبل الفلسطيني الإسرائيلي تهاجم الخطوة الإماراتية بينما كانت هي رائدة الإنفتاح الخليجية على إسرائيل. وليس صعبا حل هذا اللغز لأن قطر التي ظنت أن إسرائيل لا تؤمن بتعدد الزوجات, وأنها ستكون المحظية الوحيدة في الخليج, سرعان ما شاركتها الإمارات بيت الزوجية. ومن هذا المشهد القطري يمكن لنا أيضا أن نفهم سبب زعل تركيا وغضبها. الوجود الإسرائيلي في الإمارات يقلل كثيرا من منافع التواجد التركي في قطر وقاعدتها العسكرية التي ضمت في بداية تأسيسها أكثر من ثلاثين ألف جندي. ولنتذكر أن الصراع في المنطقة يدور على مستويات عدة بين المعسكر الذي يديره الأخوان المسلمون بقيادة تركيا من جهة وذلك الذي تديره إيران من جهة أخرى, وكلاهما يدعيان بوصل مع ليلى الفلسطينية, وبين ذلك الذي يحاول أن ينجو بنفسه من العودة إلى الماضي العثماني أو الماضي الصفوي.

    11- لقد هولّت الإدارة الأمريكية وكذلك الإسرائيلية من حجم الخطوة لأغراض إنتخابية. وأتى حجم التهويل متناسبا مع حجم الأزمة الداخلية التي تعيشها كلا الإدارتين. والموقف ذاته يعني ان قرار ترامب – نتنياهو بضم أراضي من الضفة الغربية وإعلان عائدية القدس كمدينة إسرائيل قد لقي رفضا من النسبة العظمى دول العالم.
    وإن على الإمارات أن لا تقدم نفسها بالتالي بثوب المنقذ, بل لعلها بخطوة كهذه قد خلطت الأوراق وأرجعت العمل الذي قامت به السلطة الفاسطينية إلى الوراء وأفقدتها الثكير من الأوراق وقدرة المناورة.

الحوار المتمدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post برلين تحت تهديد الصواريخ الروسية المتوسطة المدى SSC-8
Next post رابعة العدوية حكاية الزهد والتصوف