الدول الإسىلامية تحتفل بالعام الهجري بأوقات مختلفة
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يحتفل العالم اليوم برأس السنة الهجرية، أو بداية شهر محرم، وهو الشهر الذي اعتمده الخليفة عمر بن الخطاب بدايةً للتقويم الإسلامي.فبعكس الاعتقاد السائد، فإنّ بداية السنة الهجرية لا تعني الاحتفاء بالموعد الدقيق لهجرة النبي محمد من مكة إلى يثرب أو المدينة المنوّرة، في العام 14 للبعثة. إذ كان ذلك في شهر ربيع الأول، وليس محرّم، بحسب المراجع الإسلامية.بعد وفاة الرسول، وبعد استشارة الصحابة، اعتمد عمر بن الخطاب تقويماً إسلامياً، سمّي بالتقويم الهجري. وكان ذلك بعد 17عاماً من هجرة نبيّ المسلمين مع أتباعه من مكة، لما قاسوه من نبذٍ وأذى على يد قبيلة قريش. التقويم الإسلامي/ الهجري تقويم قمري، يتبع أسماء الأشهر التي كانت معتمدة في التقويم العربي قبل الإسلام. وكانت القبائل العربية تتبع التقويم القمري منذ قرون، وكان يحكم جزءاً كبيراً من حياتها، إذ أطلقت على الأشهر أسماءً تتناسب مع عاداتها وتقاليدها. هكذا، أعطي اسم محرّم للشهر الذي حرّم العرب الحرب فيه. وأعطي اسم صفر للشهر الذي كانت تخلو فيه الديار من أهلها، لخروجهم في الغزوات. وسمّي رمضان نسبةً إلى الرمضاء أو الحرّ الشديد، وكذلك سمي ربيع الأول والثاني نسبةً لشهر الربيع، وجمادى نسبةً لتجمّد الماء خلال فصل الشتاء.يلاحظ أنّ أسماء الأشهر كانت تتوافق مع فصول السنة، لكن مع تغيير طريقة احتسابها، باتت تحلّ في فصل مختلف كلّ عام. وقد ثبّت التقويم الهجري اتباع حركة القمر كمعيار، وباتت رؤية الهلال جزءاً أساسياً من عادات المسلمين، يعتمدونها لتحديد مواعيد الأشهر والأعياد السنوية.وتختلف تلك المواعيد بين منطقة وأخرى حول العالم، إذ لا يمكن للمسلمين في ماليزيا أو في البرازيل أن يروا هلال الشهر في الوقت ذاته، بسبب طبيعة حركة القمر، ودورته حول الأرض، والوقت الذي يتطلبه لكي يشرق ويغيب. وتماماً كالسنة الشمسية، تبدأ السنة القمرية في مواقيت مختلفة حول العالم، تبعاً للموقع الجغرافي لكلّ بلد، وزاوية رؤيته للعمل. تكمن المعضلة في حالة السنة الهجرية، تكمن في صعوبة رصد الهلال الجديد فور ولادته، بعكس ضوء الشمس الذي يسطع فور شروقها، ولا يتطلّب حسابات دقيقة ومعقدة.في عام 2001، أوصى المؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني، باعتماد ما سمّي بالتقويم الهجري العالمي الذي أعدّته لجنة “الأهلّة والمواقيت” في الاتحاد العربي لعلوم الفضاء.وبحسب موقع “مركز الفلك الدولي”، يقسّم هذا التقويم العالم إلى منطقتين رئيستين، منطقة شرقية من خط طول 180 درجة شرقاً إلى خط طول 20 درجة غرباً، وأخرى غربية تمتد من خط طول 20 درجة غرباً إلى الأجزاء الغربية من القارة الأميركية. ويستقصي المعنيّون الهلال عن اليابسة في تلك المنطقتين، سواء بالعين المجردة أو المنظار أو التلسكوب، لتحديد بداية الشهر الهجري الجديد.يعنى “مركز الفلك الدولي”، ومقره الامارات، بتحديد مواقيت الصلاة الدقيقة، ويُشرف على المشروع الإسلامي رصد الأهلة الذي انطلق قبل 21 عاماً. يضمّ المشروع أكثر من 800 عالم وخبير، يهتمّون برصد الأهلّة، كما يتيح المركز عبر موقع للهواة إرسال صورهم ورصدهم للهلال، وينشرها بعد التدقيق فيها.يقول مدير المركز محمد شوكت عودة لـ”بي بي سي” إنّ “معايير رؤية الهلال شغلت المهتمين بهذا المجال من آلاف السنين، كان من أوائل تلك المعايير المعيار البابلي الذي وضعه البابليون قبل آلاف السنين، كان ينص على إمكانية رؤية الهلال بالعين المجردة اذا غاب بعد الشمس بأكثر من 48 دقيقة، وكان عمره أكثر من 24 ساعة وقت غروب الشمس”.ويوضح عودة أنّ معايير الرؤية تطوّرت لاحقاً “مع أجدادنا علماء الفلك العرب والمسلمين أمثال الخوارزمي والبتاني، واليوم هناك معايير حديثة، من أشهرها معيار شيفر، ومعيار الياس وهو عالم فلك ماليزي مسلم، ومعيار برنارد يالوب البريطاني، ومعيار مرصد جنوب افريقيا الفلكي”. بدوره أطلق عودة معياراً للرصد سمّي باسمه، نشره عام 2005 في مجلة علمية أميركية محكّمة، وهو معتمد اليوم من قبل كثيرين، ويستند “مركز الفلك الدولي” إليه لرصد الأهلة، وتحديد مواقيت الصلاة، وتعتمد نتائجه الجهات الشرعية والرسمية في الأردن والامارات العربية المتحدة. في أحدث اصداراته، يوضح المركز مواعيد رؤية الهلال في مختلف أنحاء العالم، ايذاناً ببدء العام الهجري الجديد 1442، ويصادف الخميس في معظم الدول العربية.لكن رؤية الهلال لن تكون ممكنة إلا باستخدام التلسكوب في معظم الدول العربية وإيران، وستكون رؤيته بالعين المجردة صعبة في غرب افريقيا وأميركا الشمالية والجنوبية، في حين سيكون باستطاعة المسلمين في أميركا الوسطى رؤيته بالعين المجرّدة.هكذا، لن تكون رؤية الهلال ممكنة إلا بالتلسكوب وبصعوبة في مكة وعمان والقدس وأبو ظبي والقاهرة والرباط. لكن تحتفل تلك العواصم، كما غالبية الدول الإسلامية، برأس السنة الهجرية الخميس. في المقابل، ستنتظر دول أخرى واقعة شرقاً، مثل باكستان، رؤية الهلال بالعين المجرّدة، قبل الاحتفال.وبحسب “مركز الفلك العالمي”، فإنّ رؤية الهلال ترتبط بالموقع الجغرافي لكلّ بلد، إلى جانب عوامل مثل بعد زاويته عن الشمس، وبعده عن الأفق في ساعة رصده، إلى جانب صفاء الغلاف الجوي. لهذا السبب، ترصد فوارق في مواعيد بداية محرّم فلكياً، لكنّ المرجعيات الشرعية لها الكلمة النهائية في تحديد بداية الشهر، وفقاً لحساباتها، واستنادها على معطيات علماء الفلك. حتى يومنا هذا، لا يزال كثر يعتمدون على رؤية الهلال بالعين المجردة، لتحديد الأشهر الهجرية والأعياد. ويلفت عودة إلى أنّ “إمكانية الخطأ برؤية الهلال بالعين مجرّد كبير ووارد جداً، وذلك يختلف من دولة إسلامية إلى أخرى، فبعضها لا يلقي بالاً للعلم، فتدعو الناس لتحري الهلال بالعين المجرّدة، وتستند أحياناً على رؤية شاهد واحد من دون تقييمها علمياً”. يضيف: “وهذا موضوع شرعي لا نتدخل فيه، كل دولة حرة بالموضوع الشرعي والفقهي. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ الدول في تحرّي الهلال وفق المعايير العلمية وعدم قبول الشهادات التي تخالف العلم هي حالياً عمان والمغرب”. إلى جانب الرصد بالعين المجرّدة، وبالمنظار، هناك طرق حديثة سهّلت العملية كثيراً، ومنها بحسب عودة التلسكوبات المحوسبة أو الرقمية التي لا يزيد عمرها عن ثلاثين عاماً، وبدأت تنتشر بين عامة الناس. لا تحتاج تلك التلسكوبات للتحريك يدوياً، بل تعتمد على الكومبيوتر لتحديد زاويتها. من أحدث طرق الرصد أيضاً، كاميرات خاصة بالتصوير الفلكي، ابتكرت في ألمانيا عام 2005، وتوضع على التلسكوب، فتلتقط مجموعة صور، يقوم الراصدون بتكديسها، ومعالجتها ليظهر الهلال، وقدرتها التقنية فائقة إذ تقدر على رصد الهلال في النهار. يقول محمد عودة إنّ موضوع رصد الأهلة شائك، ويستعاد كلّ سنة، وتعقد مؤتمرات بشكل دورية للبحث في مشكلة تحديد بداية الأشهر الهجرية، والتي قد تبدأ أحياناً بشهادات غير صحيحة. “المشكلة برأيي ليست علمية، إذ لا تنقصنا المعدّات ولا المعرفة العلمية، كله متاح ومتقدّم، لكن تحتاج بعض الجهات إلى تكوين ثقافة أكبر في هذا الموضوع”.
msn