الدور الأوروبي المحتمل في النزاع الليبي على ضوء مخرجات مؤتمر برلين

مراجعة : الدكتور محمد صالح الجمال

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_شكلت الأزمة الليبية منعرجا جديدا للقوى الكبرى في المنطقة، بداية من الزوايا المعقدة و طبيعة الأزمة في حد ذاتها، و انتهاءا بالصراع و التفاوت بين هذه القوى فيما يتعلق بمواقفها حول القضية الليبية و كذا الأساليب والآليات التي يجب استخدامها بهدف تسوة النزاع في ليبيا. النقطة التي مثلت تحولا في مجريات الأزمة الليبية هو دخول تركيا على الخط بشكل مباشر محاولة بذلك تقويض النفوذ الأوروبي في ليبيا و منطقة شمال افريقيا . الأمر الذي زاد من تعقيد سبل الحل تجاه القضية الليبية، لاسيما وأن دول الاتحاد الأوروبي أبدت  تحفظها من جهة و أيضا تباين مواقفها تجاه الأزمة الليبية من جهة أخرى. المخاوف الأوروبية من اندلاع الحرب في ليبيا

دعا عدد من المعلقين الألمان  أوروبا للاستعداد لسيناريو حرب إقليمية غير محمودة العواقب في الضفة الجنوبية للمتوسط. غيدو شتاينبيرغ، الخبير الألماني في شؤون الأمن والإرهاب والباحث في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، انتقد اختزال الاهتمام الألماني بالأزمة الليبية من زاوية تدفق للاجئين ليس إلا، واعتبر أن ما يحدث هناك يهم الأمن الأوروبي برمته. وأكد في تحليل نشره موقع “سيسيرو” 6 أغسطس 2020 أن ” أوروبا تحاول منذ بضعة أشهر العمل بشكل مكثف على الملف الليبي، ولكن بات من الواضح مدى ضعف الاتحاد الأوروبي، بمجرد أن تخلت الولايات المتحدة عن الاهتمام بليبيا”، و ذلك وفق ما نشره موقع “دوتشه فيلله” في 07 اغسطس 2020.

وكتب أردوغان في المقال الذي نُشر عشية مؤتمر برلين من أجل السلام في ليبيا أن  فشل الاتحاد الأوروبي في تقديم الدعم المناسب لحكومة الوفاق الوطني الليبية سيشكّل “خيانة لقيمها (أوروبا) الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية وحقوق الإنسان”. وأضاف “ستواجه أوروبا مجموعة جديدة من المشاكل والتهديدات إذا سقطت الحكومة الليبية الشرعية. ستجد منظمات إرهابية على غرار تنظيم “داعش” والقاعدة، اللذين منيا بهزائم عسكرية في سوريا والعراق، أرضا خصبة للوقوف مجددا على أقدامهما” ، حسب ما نشره موقع “فرانس 24 ” في 18 يناير 2020. النزاع في ليبيا.. بوابة أردوغان لتحقيق الطموحات التوسعية في افريقيا

الدور الأوروبي المحتمل في ليبيا.. بين صراع المصالح و التقيد بمخرجات مؤتمر برلين

أعلن المشاركون في مؤتمر برلين  19 يناير 2020 وهم ممثلو 13 دولة بالإضافة إلى منظمات دولية وإقليمية، أن “الغاية الوحيدة من مسار برلين الذي تعهدنا فيه بدعم خطة الثلاث نقاط المطروحة من قبل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، السيد غسان سلامة (استقال لاحقاً)، على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هي مؤازرة الأمم المتحدة في توحيد صفوف المجتمع الدولي في دعمه للوصول إلى حلّ سلمي للأزمة الليبية. فما من حل عسكري في ليبيا”. وقال المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي: “نلتزم بالامتناع عن التدخل في النزاع المسلّح الليبي أو في الشؤون الليبية الداخلية ونحثّ كافة الأطراف الدولية الفاعلة على الالتزام بالمثل” ، وذلك حسب تقرير نشره موقع “صحيفة الشرق الأوسط” في 13 يونيو 2020. ليبيا .. أزمة أمن دولي و تأثيرات الدور الأوروبي

 ما مدى نجاح مخرجات مؤتمر برلين و الدور الأوروبي المحتمل في ايجاد حل للنزاع في ليبيا ؟

على الرغم من أن مؤتمر برلين الذي حضرته دول عديدة من بينها القوى الفاعلة في الأزمة الليبية، إلا الحكم بفشل أو نجاح المؤتمر مرتبط بالعودة الى بعض التجارب السابقة لفكرة المؤتمرات التي تهدف الى تسوية و حل النزاعات الدولية. فمنذ اندلاع الثورة الشعبية في ليبيا و فقدان السيطرة على الدولة و تفككها، عقدت القوى الكبرى مؤتمرات و قمم تتطرق الى هذه المسألة مثل مؤتمر باليرمو و مؤتمر باريس.

وعن فائدة اللقاءات الدولية بشأن الأزمة الليبية، والتي تنتهي دون حلول فعلية للنزاع، يقول الخبير في القضايا الاستراتيجية، علية العلاني، في تصريح لموقع “الحرة”، إن هذه اللقاءات تأتي لصالح حسابات الدول والقوى الكبرى، وحماية أمنها ومصالحها الاقتصادية ذات الصلة بالملف الليبي.  وضرب العلاني، مثالا بلقاء برلين الأخير، مشيرا إلى أنه جاء لـ “تقليم أظافر تركيا”، التي تسارع إلى السيطرة على الغرب الليبي، وهو ما يرفضه الأوروبيون، خاصة ألمانيا، حيث “سيصير لتركيا ورقة قوية في ليبيا، تساومهم بها، لحفظ مصالحها الخاصة” ، حسب ما نشره موقع “الحرة” في 21 يناير 2020. مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا وامكانية تنفيذها على الارض ؟ 

 لكن الاشكالية تكمن في ” عدم فرض التوصيات و بنود البيان النهائي ” ، و تماطل أطراف النزاع و القوى الخارجية فيه على التقيد ببنوده و مبادئه و رفض الالتزام بها. كما أن عدم التوافق الحاصل بين القوى الخارجية المؤثرة في النزاع الليبي بسبب “الحسابات البراغماتية و الاستراتيجية ” قد ينسف توصيات و بنود مؤتمر برلين مثل ما حدث مع سابقيه من المؤتمرات التي انعقدت في شأن النزاع الليبي.

بالاضافة إلى التوتر السياسي المتزايد بين الأطراف السياسية الليبية الرسمية و غير الرسمية ، و الذين لم “يظهروا نية” في التواصل و الدفع بمخرجات برلين نحو التطبيق، و التعنت السياسي بين هذه الأطراف، يزيد من مسألة تسوية النزاع الليبي بالاعتماد على مخرجات برلين أمرا صعب التحقيق في الميدان.

كما أن الإنقسام و التعارض الحاصل بين دول أوروبية مع بعضها و مع الاتحاد الأوروبي ، قد يؤدي مستقبلا الى تأخير عملية تسوية النزاع الليبي و قد يؤثر حتى على العلاقات الأوروبية-الأوربية و علاقات دول أوروبا مع الاتحاد الافريقي.

مستقبل أمن منطقة شمال افريقيا و أوروبا و مسألة الهجرة و اللجوء في ظل الأزمة الليبية

فيما يتعلق بمستقبل منطقة شمال افريقيا ، فإن التهديد المباشر سيأتي على كل من تونس و الجزائر لا سيما فيما يخص “التهديدات الأمنية” المتمثلة في الإرهاب. تونس لديها بنية أمنية ضعيفة قد لا تسمح لها بمجابهة انتشار الجماعات الارهابية التي قد تفر نحو تونس إذا ما تم تضييق الخناق عليها داخل الميدان الليبي.

ومن المحتمل أن تتحول تونس الى “مركز جديد” للتنظيمات المتطرفة و الإرهابية و قاعدة خلفية لإعادة احياء الإرهاب في منطقة شمال افريقيا و الساحل الافريقي. أما الجزائر فهي أيضا واقعة تحت تهديد هذه التنظيمات الإرهابية في حالة الانفلات الأمني و السياسي في ليبيا، على اعتبار أن الجزائر و ليبيا يتقاسمان شريطا حدوديا بحوالي 1000 كلم ، و يعرف هذا الشريط نشاطا لشبكات التهريب و الجريمة المنظمة.

فيما يتعلق بمستقبل الأمن الأوروبي، فإن مسألة الهجرة و اللجوء تهيمن على المخاوف الأمنية الأوروبية خاصة ايطاليا و اسبانيا، بحيث ان اندلاع الحرب في ليبيا و حدوث ما يسمى “الفشل الدولاتي State Failure” في ليبيا معناه “موجات هجرة غير شرعية و لجوء” نحو أوروبا ، و هذا ما سيتسبب في تكثيف الضغط على الأمن الأوروبي الذي يعاني في الأصل من مشكلة الهجرة و اللجوء داخل أراضيه، و قد يحتمل الأمر أن تتسرب العناصر الارهابية التي كانت في ليبيا ، ضمن قوارب الهحرة غير الشرعية و تعمل على القيام بعمليات ارهابية “انتقامية” داخل التراب الأوروبي و تهديد الأمن القومي الأوروبي و أيضا الأمن المجتمعي الأوروبي. 

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الاستخبارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post التطبيع قد يبث حياة جديدة في “مبادرة السلام العربية”
Next post السلفية “الجهادية” في ألمانيا … تصاعد حجم المخاطر