ماكيافيلي والأمير …من يَسعَ إلى تقوية غيره يحكم على نفسه بالخراب
سوزان سوديف الأسعد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_“لا يمكننا أن نُطلق صفة الفضيلة على من يقتل مواطنيه، ويخون أصدقاءه، ويتنكّر لعهوده، ويتخلّى عن الرّحمة والدّين؛ إذ قد يستطيع المرء بوساطة هذه الوسائل أن يصل إلى السّلطان، ولكنّه لن يصل عن طريقها إلى المجد” هذه ابرز مقولات نيقولا مكيافيلي في كتابه الأمير، والذي يعد حجر الاساس لعلم السياسة العملية ورغم عظمة هذا الكتاب إلا انه لم يأخذ حقة الا بعد وفاة مؤلفه وأصبح يدرس في الجامعات العالمية وفي كليات العلوم السياسية لما له من اهمية .يُعدُّ كتاب الأمير لميكافيلي من أهمّ الكتب السّياسيّة المعروفة اليوم في العالم، كتبه هدية للورنزو ده مديتشي أملًا في استعادة منصبه أمينًا للجمهوريّة، ولكنّه لم ينجح ولم يُنشر الكتاب إلّا بعد وفاته في فلورنسا بخمس سنوات سنة، وهو كتاب صغير قسّمه لميكافيلي ستة وعشرين فصلًا، تحدّث فيه عن معظم آرائه السياسيّة ويُسوّغ فيه فعل الأمير كلّ شيء إذا كان هذا الفعل يؤدّي إلى تقوية دولته والحفاظ عليها وإن كان فيه مخالفة للقوانين، وربّما هذا هو السبب الذي جعل الكتاب مثار جدل منذ ظهوره في القرن السادس عشر بسبب مضمونه الأخلاقيّ، وبسبب ما فيه من نفعيّة كبيرة قال علماء الأخلاق في فرنسا وبريطانيا إنّ كتاب الأمير هو كتاب لا يناسب إلّا الطّغاة الأشرار، وجدير بالذّكر أنّ ميكافيلي لم ينشر كلّ آرائه التي اعتنقها، بل نشر بعضها وأغفل قسمًا لا بأس بها منها؛ ولعلّ ذلك يعود إلى طبيعته الميكافيليّة التي صارت نظريّة معروفة اليوم، وقد ختم الكتاب برجاء يدعو فيه آل ميديشي قَبول موقفه الذي دفعه للتآمر ضدّهم من خلال الأسباب التي وضّحها في الكتاب، وهذا مختصر عن كتاب الأمير لميكافيلي.
مكيافيلي والساسة العرب :
“نلاحظ ان الناس يجب ان يعاملوا إما بلطف او بعكس ذلك، ان تقع تصفيتهم بقوة لأنهم عادة ينتقمون للإساءات الصغيرة، بينما لا يستطيعون الرد على الإساءات الكبيرة التي يصعب الانتقام لها”يمكننا ان نعتبر هذه القاعدة من اهم قواعد مكيافيلي في كتابه أولاً، والتي نرى منعكساتها في عالمنا العربي و يسعى المستبدون العرب على تطبيقها ثانياً، ونرى هذا جلياً في مرحلة الربيع العربي وكيفية قمع هذه الثورات، فيجب أن يكون الشر ساحقاً وان يكون الخير مقطر تقطيرا لتشعر به الشعوب ، فإن اغلب الناس تستفزهم الإساءة الصغيرة وتحثهم على الثأر والانتقام، أما الإساءة الكبيرة تمحقهم وتحطم تطلعاتهم.
الغاية تبرر الوسيلة :
مقولة اشتهر بها مكيافيلي في كتابه الأمير، جعلت من الطغاة يرون منه حليفاً يحثهم على استخدام اي وسيلة لبسط سيطرتهم وإن كانت هذه الوسيلة ترهيب الشعوب والتي بدورها تفقدهم الشرعية بالحكم. ويمكننا ان نرى انه أسيء فهمه بها بشكلٍ واضح ؛ بدايةً لم تذكر هذه العبارة حرفياً في كتابه إنما قال في الفصل الثامن عشر “إن الأمير يجب ان يبقى صالحاً إن استطاع، ولكن عليه الدخول في الشر عند الضرورة في حالة واحدة فقط وهي الحفاظ على الدولة”ففي دستور مكيافيلي ليست كل الغايات تبرر الوسيلة، إنما فقط تلك الغاية العظمى التي تتمثل في الحفاظ على الدولة، ومع ذلك لا يمكن لمن يتخذ من مبادئه دليلاً ان يسقط تجارب وأحداث تلك الحقبة من الزمن – التي عهدها مكيافيلي- على التاريخ الحديث المعاصر، فقد تطورت السياسة وأصبح هناك قانون دولي ومحكمة دولية ومجلس أمن ومجتمع دولي يدين كل الأفعال اللاإنسانية ولو كانت قوانينهم وتشريعاتهم وأحكامهم لاتسمن ولاتغني من جوع، كما الجاهلية يصنعون من قوانينهم تماثيل من تمر تعبد صباحاً، وعند الجوع تؤكل في المساء.في الفصل الثالث كتب نقولا “غني عن البيان ان كل ولاية تفتح قد تكون متحدة والدولة الفاتحة في الجنس او اللغة او غيرهما من الروابط وقد لاتكون، ويكفي لسيادة الدولة الفاتحة على الولاية المفتوحة انقراض الأسرة المالكة القديمة في تلك الولاية؛ وذلك لان الحال تبقى على ماكانت عليه من قبل، فلا تتبدل الاخلاق ولاتتغير العادات، وبذلك يستأنس أهل الولاية بحكامهم المحدثين، خذ لذلك مثل ولاية ((برجانديا)) و ((جاسكونيا)) وهي الولايات التي ضمتها فرنسا إلى حكمها منذ عهد بعيد، ومن المعلوم ان أخلاق الجماعات المتقدمة الذكر فرنسوية محضة، ولا فرق بينها وبين اهل فرنسا إلا في اللغة “
في هذا المقطع من الفصل الثالث نلاحظ – مع بونٍ بسيط – أنه تماماً ما تحدث عنه الإعلام مؤخراً عن زيارة ماكرون للبنان بعد حادثة 4أغسطس وتحدثت عنه الصحف ومما قيل في ذلك مقال كتب ونشر على “يني شفق” التركية:
” من الواضح أنّ الحماس الاستعماري الذي بدا جليًّا في زيارة ماكرون إلى لبنان، وخطابه وتحركاته هناك، لا يبشّر بأي خير. لا يمكن لماكرون الذي يتوق بشدة لماضيه الاستعماري أن يعد لبنان بشيء، بل ماكرون يفكر بما سيأخذه من لبنان أولًا وآخرًا”
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_