الاسلام في سويسرا
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في الوقت الذي تبذل فيه بعض المنظمات والهيئات الإسلامية في سويسرا جهودا مضنية من أجل تعزيز حضورها في الفضاء العام تأكيدا لرغبتها في الاندماج وسعيا منها لتحصيل اعتراف السلطات بها، يحرص البعض الآخر منها على تجنب الأضواء، والتحرك بعيدا عن الإثارة والإعلام. في علاقة ببعدي، الحضور في الفضاء العام أو الانزواء عنه وتجنبه، يسلّط هذا المقال الضوء على هذا المشهد الذي بدأت ملامحه في التشكّل بعد إقرار حظر المآذن في البلاد في عام 2009، ولم يستقّر على وضعه الحالي إلا بعد عدّة سنوات، ونظرة على المستويْين المحلي والوطني، تكشف عن وجود ديناميات مختلفة، هي بمثابة القنوات التي تؤطّر وجود الأقلية المسلمة في سويسرا، وتشمل المنظمات الإثنية والقطرية، وفدراليات المنظمات الإسلامية في الكانتونات، وهيئات أخرى تزعم تمثيل فكرة “الإسلام الأصيل”، أو قيم انسانية عامة كالحوار والانفتاح والتعايش.
المنظمات الإثنية والقُطرية
يعمل هذا الصنف من المنظمات على تأبيد ثقافة وتقاليد منطقة أو بلد بعينه ينحدر منه مهاجرون مسلمون قدموا إلى سويسرا من أجل العمل وتحسين ظروفهم المعيشية أو بحثا عن الحماية في زمن النزاعات والحروب. ومن أبرز الجهات الراعية لهذه الدينامية فدرالية الجمعيات التركية بسويسرا والجمعيات الدينية الإسلامية البوسنية les Džemats واتحاد الجمعيات الألبانية.مثلما أوضح رمضان غون، الرئيس السابق للمركز الثقافي التركي بمودون في حديث إلى swissinfo.ch: “نشأت “جمعية الأتراك في سويسرا”، في عام 1980 من أجل تقديم دروس في اللغة والثقافة التركية ومن أجل الحفاظ على هوية الجيل الثاني من هذه الجالية”.وبالنسبة للسيد غون، “تعليم أبناء المهاجرين والأجيال المتتابعة اللغة الأم والحفاظ على تجذّرهم في ثقافتهم الأصلية لا يمنع بحال اندماجهم في المجتمع المضيف”، لأن “اللغة والثقافة الأصلية شرطان رئيسيان لنجاح اندماج الأطفال من أصول اجنبية في موطنهم الجديد”، حسب قوله.وفي الحالات الثلاثة، تقوم هذه الهيئات بإرسال أئمة إلى سويسرا للعمل وفق عقود محدودة الآجال لتأطير رعاياها دينيا والإحاطة بهم نفسيا. ونظرا لوفادة هؤلاء الأئمة من عالم غريب عن بلد جبال الألب، تكون معرفتهم باللغات الوطنية السويسرية وبالوضع القانوني وبالمؤسسات ضعيفة جدا.ويعترف رمضان غون بأن هذا الوضع “يمثّل مشكلة حقيقية، ومن يقول ذلك ليس مخطئا. فاليوم نحن في الجيل الخامس من المهاجرين الأتراك، والأئمة الذين لا يتقنون اللغات الوطنية السويسرية ولا دراية لهم بالنسيج المؤسساتي في هذه البلاد، لن ينجحوا في أداء مهمّتهم”.
اتحادات عابرة للغات وللانتماءات الإثنية
في مقابل هذه الاستراتيجية التي تعتمد التكتّم والعمل بعيدا عن الأضواء، وتقتصر على التحرّك ضمن دائرة مجموعات مهاجرة بعينها، يكاد لا يخلو كانتون سويسري من اتحاد للمنظمات الإسلامية العابرة للغات والانتماءات الضيّقة. وقد نجحت هذه الاتحادات في “استزراع” * آليات العمل الجمعياتي ذات الطابع المدني وفقا لما تنص عليه المادة 60 من القانون المدني السويسري. فهي تعقد المؤتمرات وتختار رؤساءها وتكوّن المكاتب التي تشرف على مناشطها، وتنتهج الحوار والتواصل مع محيطها لتحقيق أهدافها.أحد هذه الهيئات اتحاد المنظمات الإسلامية بكانتون زيورخ (VIOZ)، الذي تأسس في عام 1995، والذي تنضوي تحت عضويته أكثر من 40 منظمة وجمعية إسلامية، تسيّر أزيد من 90% من مجموع المساجد في الكانتون الواقع شمال سويسرا.وعن نشأة هذا الاتحاد يقول رئيسه الدكتور محمود الجندي، والذي هو أيضا دكتور في مجال الطاقة ومتخرج من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ: “باقتراح من كانتون زيورخ، ورغبة منه في إيجاد محاور موحّد للمسلمين تأسس اتحاد المنظمات الاسلامية VIOZ في البداية لتحقيق ثلاثة أهداف: السماح للمسلمين بدفن موتاهم وفق تعاليمهم الدينية في المقابر العامة، والاعتراف بالإسلام كديانة رسمية، وتأسيس مركز إسلامي كبير جامع للمسلمين”.
Swissinfo