العالم العربي والعالم الثالث في ظل التآمر والازمات العالمية ….!!!!
زياد عبد الفتاح الاسدي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يشهد العالم في السنوات الاخيرة أزمات إقتصادية وصحية وبيئية خانقة تُعاني منها بِشكلٍ رئيسي الدول الفقيرة ودول العالم الثالث التي ترزح تحت أوضاع مُتفاقمة ومُتصاعدة وخطيرة للغاية من الفقر الشديد والجوع وانتشار الامراض وانهيار الخدمات التعليمية والصحية والغذائية وتفشي الفساد والبطالة وتصاعد الاحتجاجات والعنف والمظاهرات ….الخ .
وكانت البدايات الاولى لهذا الاضطراب العالمي الذي ألقى بظلاله على كافة شعوب العالم وخاصة شعوب العالم الثالث, قد ظهرت على الصعيد الاقتصادي منذ ما يزيد عن عشر سنوات مع الانهيار المالي الذي شهده النظام الرأسمالي في الغرب ما بين عامي 2007 و 2009 , والذي بدأ مع انهيار نظام القروض العقارية في الولايات المُتحدةفي تلك الفترة والذي تلاه هذا الانهيار المالي الخطير في البنوك الرئيسية في الغرب .. ثم تدحرج الى أزمة إقتصادية ومالية عالمية خرجت عن السيطرة وضربت بشدة التوازن في بنية النظام الرأسمالي الذي شهد استقراراً نسبياً لبضعة عقود من الزمن بعد الحرب العالمية الثانية باستثناء بعض الاضطرابات الدورية والركود الاقتصادي الذي يشهده النظام الرأسمالي في فترات زمنية مُتقطعة .
ومع انفجار هذه الازمة المالية والبنيوية الخطيرة اعلنت القوى الرأسمالية والنيوليبرالية في الغرب الامبريالي حالة الاستنفار الشديد على الصعيد السياسي والبنكي والتجاري من أجل الخروج من هذه الازمة واستعادة التوازن من جديد في بنية النظام الرأسمالي … وفي هذا الاطار شهدنا على على صعيد الحكومات الغربية مُحاولات مُستميتة من قبل النخب الطبقية والسياسية الحاكمة لتحفيز عجلة الاقتصاد الرأسمالي .. حيث لجأت الى دعم البنوك الكبرى بمئات المليارات من الدولارات التي مولتها من الاحتياطات المركزية الحكومية والفدرالية للدول الرأسمالية … لتنفجر بنتيجة ذلك أزمة الديون الحكومية والعجز الهائل في الاحتياطات المالية المركزية في الدول الرأسمالية ولاسيما في العديد من الدول الاوروبية التي لا تحتمل هذا الكم الهائل من العجز في ميزانياتها .. لذا لجأت هذه الدول الى فرض إجراءات صارمة من التقشف على شعوبها في بعض دول الاتحاد الاوروبي وفي مقدمتها اليونان واسبانيا والبرتغال وغيرها .. وشملت بشكلٍ رئيسي أنظمة التقاعد وتخفيض رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام ورفع الضرائب على بعض السلع الحيوية وزيادة الرسوم في قطاعي الصحة والتعليم …الخ , وتم ذلك على شكل رزمة من إجراءات التقشف التي فرضتها البنوك المركزية الاوروبية وصندوق النقد الدولي على ميزانيات هذه الدول …. هذا من جهة ومن جهة أخرى لجأت النخب الليبرالية الحاكمة في الغرب الى المزيد من التوحش في نهبها واستغلالها لثروات واقتصاديات دول العالم الثالث وفي مقدمتها الخامات والمعادن والنفط والغاز والمحاصيل الزراعية .. بالاضافة الى الاستغلال البشع للاجور واليد العاملةفي معاملها واستثماراتها في الدول الفقيرة والنامية .. هذا عدا عن ازدهار تجارة مُختلف أنواع الاسلحة المُكدسة في مستودعات وترسانات الغرب وتصديرها من خلال أسواق السلاح العالمية الى مُعظم دول العالم الثالث .. وكذلك فرض شرائها بمبالغ هائلة على الدول النفطية الدائرة في فلك الغرب كالسعودية وقطر والامارات وغيرها .
ولكن جميع هذه الاجراءات فشلت على ما يبدو في تحقيق الانتعاش الاقتصادي المطلوب لإعادة الحيوية للاقتصاد الرأسمالي الذي لم يعد قادر بشكلٍ رئيسي على تطوير قوى الانتاج بالشكل الذي كانت عليه في العقود التي سبقت الازمة … وقد تسببت بالنتيجة هذه الاجراءات الجنونية من قبل النخب السياسية والمالية الحاكمة في الغرب في انفجارات إجتماعية وطبقية على الصعيد العالمي منذ أواخر عام 2008 شملت العديد من الاضرابات والمظاهرات الغاضبة عمت المدن الاوروبية وخاصة في اليونان .. حيث اشتدت الصدامات العنيفة في اليونان بين البوليس والمُتظاهرين في الشهور الاولى من عام 2011 … أما في الولايات المُتحدة فقد شهدت نيويورك في سبتمبر عام 2011 ما عُرف بحركة ” احتلوا وول ستريت ” .. لتنتشر هذه الحركة بعد ذلك الى العديد من المدن الامريكية على شكل إعتصامات غاضبة في شيكاغو وبوسطن وأوكلاند وبورتلاند وغيرها , ولتمتد هذه الحركة بعد ذلك الى كندا وبعض الدول الاوروبية منها اسبانيا والبرتغال وإيطاليا وحتى ألمانيا واستراليا … وقد شهدنا في السنوات الاخيرة أيضاً العديد من المظاهرات والاعتصامات والاضرابات التي لم تزل تندلع بين فترة وأخرى في العديد من الدول الاوروبية ولا سيما في فرنسا وبلجيكا واليونان واسبانيا والتي قادتها في فرنسا وبلجيكا حركة السترات الصفر لاسابيع طويلة .
أما على صعيد العالم الثالث فقد شهدت العديد من الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية العديد من الاضطرابات والانتفاضات الشعبية الغاضبة .. وكان أشدها كما نعلم ما شهدناه في العالم العربي منذ أواخر عام 2010 و بدايات عام 2011 من ثورات وانتفاضات شعبية غاضبة بدأت في مصر وتونس واليمن في مواجهة الفقر والبطالة والاوضاع المعيشية المُتدهورة التي سببتها أنظمة النهب والفساد والعمالة … حيث قام الغرب وعملائه كما نعلم بإجهاض هذه الثورات باستخدام الجماعات الاخوانية وقوى الاسلام السياسي المُتطرف .
على أية حال يُمكننا على صعيد العالم الثالث والعالم العربي بشكلٍ خاص إيراد الملاحظات التالية :
1. تشهد الاغلبية العظمى من دول العالم الثالث أوضاع إقتصادية مُزرية للغاية وتدني حاد في مستوى الدخل العام للفرد مع تدهور شديد في الاوضاع المعيشية والسكنية والصحية والغذائية والتعليمية مع انتشار الاوبئة والامراض وتلوث للبيئة وصلت الى درجات في غاية الخطورة .
2 . تُعاني بعض دول العالم الثالث ولا سيما في عدد من الدول العربية (سوريا ولبنان واليمن وغزة …الخ) حصاراً اقتصاديا خانقاً من قبل الغرب والقوى الاقليمية الموالية له .. هذا مع انتشار مخيف للفقر والغلاء والامراض والبطالة وتفشي النهب والفساد على المستوى الشعبي والحكومي وتردي خطير في الاوضاع الامنية بسبب انتشار الارهاب والصراعات الداخلية سواء المذهبية والطائفية منها او العرقية والقبلية والعشائرية بما يُهدد بانهيار خطير في بنيان هذه الدول وتماسك مجتمعاتها وتزايد مُخيف للهجرة … وهذا مانشهده الى الان (بدرجات مُتفاوتة) في العديد من البلدان العربية ومنها ( إن لم يكن جميعها) سوريا ولبنان واليمن والعراق وليبيا ومصر وتونس والاردن والسودان والمغرب .
3 . تُعاني دول العالم الثالث التي لا تسير في فلك الغرب من تآمر شديد على حكوماتها باستخدام كافة الاساليب وتحديدافي سوريا ولبنان واليمن .. وكذلك في دول القارة اللاتينية كفنزويلا وبوليفيا وكوبا ونيكاراغوا وغيرها … حيث إشتد هذا التآمر وأخذ أبعاداً خطيرة للغاية وبشكلٍ خاص في بوليفيا وفنزويلا بهدف إخضاع وتركيع حكومات القارة اللاتينية وإسقاط الانظمة اليسارية فيها ونهب ثرواتها ولا سيما الثروة النفطية في في فنزويلا .
4 . في الوقت الذي لم تتمكن شعوب العالم وبشكل خاص شعوب العالم الثالث حتى من التقاط انفاسها بعد ما يزيد عن عشر سنوات من الازمات الاقتصادية والاضرابات والعنف والانتفاضات والاوضاع المعيشية الصعبة …الخ تفجرت أزمة فيروس كورونا المُميت على الصعيد العالمي لتدمر من جديد ما تبقى لشعوب العالم الثالث من أوضاع معيشية يمكن تحملها بصعوبة بالغة … وهذا ما نشهده الآن في العديد من دول المشرق العربي كسوريا ولبنان واليمن وفلسطين (قطاع غزة) والعراق ومصر والسودان والاردن , إضافةالى بعض دول المغرب العربي كليبيا وتونس والمغرب … حيث حصد هذا الفيروس الخطير عشرات الالوف من الارواح في هذه الدول .
5 . لا يبدو لمن يُتابع هذه الاوضاع المُزرية والمعيشية الصعبة فيي العالم الثالث وفي العديد من البلدان العربية أن هناك مخرجاً ولو في الافق البعيد في ظل غياب فاعلية الاحزاب والقوى الوطنية والتقدمية وفي ظل الاوضاع السياسية المُخزية لمعظم الحكومات العربية التي لا تأبه ولا تفعل شيئاً ولو للتخفيف مما تُعانيه شعوبها من الفقر والجوع والذل والمهانة .
الحوار المتمدن