قصص المدار التاريخية (( شجرة الدر من الجواري لعرش السلطانة ))
تقصها للمدار نجاة أحمد الأسعد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_شجرة الدر لم تحظَ النساء بكثير من ذِكر المؤرّخين، إذ إنّ حياة النساء يغلب عليها الانشغال باللباس والزينة وعدم التدخّل في الشؤون السياسية، ولربّما كان خفاء ذكرهنّ تضليلًا تاريخيًا! ولكن مرّت شخصيات نسائية عديدة خرجت عن النص وكانت شجرة الدر إحدى تلك الشخصيات، فلم تكن شجرة الدر كما سواها من النساء فقد تعدّت حد ذلك المذكور، وكانت المنقذة في اللحظات الأخيرة.
شجرة الدرالتي تم تنصيبها سلطانةً على المماليك كانت جارية استُقدِمت إلى قصر الخليفة المستنصر، آخر خلفاء الدولة العباسية، ثمّ اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب آخر سلاطين الدولة الأيوبيّة، وكانت ذات مكانة رفيعة عنده، ومالكة فؤاده إلى أن أعلن زواجه منها عام 1248م، كانت شجرة الدر بيضاء البشرة حسناء، وذات شعر منسدل وصفات خَلقية بديعة، لم يعرف أصلها على وجه التأكيد، فقيل إنها تركية أو أرمينية أو حتّى شركسية، غير أن بعض المؤرخين عَدّها بدوية، ولم يثبت لها أصل، بقيت تحت جناح السلطان الصالح نجم الدين أيوب حتّى توفي عام 1249م، والمعضلة المهلكة كانت في عاقبة ذيوع خبر وفاة زوجها السلطان نجم الدين أيوب حال عرف الجيش، فإنّ الجيش (وقد كان في مواجهات للعدو الصليبي الفرنسي بقيادة لويس التاسع، الذي قدم إلى النيل في محاولةٍ منه لاحتلال مصر، ومثل هكذا خبر سيفتر قوى الجيش وسينهزم أمام القوات الفرنسيّة.
فقد ظهرت حنكة شجرة الدر السياسية ومهارتها حتى في الشؤون العسكرية عند وفاة زوجها السلطان نجم الدين أيوب، إذ أخفت خبر وفاة زوجها وأمضت الأوراق والموافقات والتعليمات والمراسيم بختم السلطان وكأنه موجود، فاستطاع جيش الأيوبيين الانتصار في صد هجمات القوات الفرنسية ، وبما أن المماليك يدركون كره الناس بأن يحكمهم مماليك فعزموا على تنصيبها سلطانة وصكوا العملة باسمها ولقبت بِـ “عصمة الدين”، وظلت سلطانة رغم اعتراض أمراء سورية على ذلك مدة ثمانين يومًا أو ثلاثة أشهر، حتّى علم السلطان المستنصر بذلك وغضب لذلك، وأصدر شيخ الإسلام العز بن عبد السلام فتوى بعدم جواز تأمير المرأة على المسلمين، بعد هذا تَنَحَّتْ شجرة الدر عن الحكم وتزوّجت عز الدين أيبك المعتبر أوّل سلطان لدولة المماليك، ووضعوا أميرًا أيوبيًا صوريًّا، وكان السلطان عز الدين أيبك هو السلطان الفعلي، لكنّ شجرة الدرّ هي من كانت تمرّر توجيهاتها السياسية في الحكم، وأثبتت بذلك جدارتها كأول سلطانة في الإسلام!
قتل عز الدين أيبك والقصاص من شجرة الدر
لم تكن شجرة الدر على وفاق تامّ مع السلطان عز الدين أيبك، فلم يكن أخيَر المماليك وأجدرهم، ولكن ليظل لشجرة الدر حكمها وأمرها ولو بعد تنحيها، فلم يكن عز الدين ليقطع أمرًا دون مشورة شجرة الدر، ولكن نار الحقد اشتعلت في صدر شجرة الدر بعد زواج عز الدين أيبك من ابنة والي الموصل، فدبّرت له مكيدة بدعوته إليها فلمّا استجاب لدعوتها وذهب إلى القلعة فقُتل هناك.
كانت وفاة زوجها بأن دخل إلى حمام القلعة بعد قدومه إليها وانقض عليه خمسة غلمان أقوياء ضربوه ضرباً مبرحاً حتى الموت، وكانت نهايته، وشاع الأمر بين المماليك بأنه توّفي فجأة ليلاً لكن لم يصدّق المماليك ذلك فقاموا بالقبض عليها وحملها إلى امرأة عز الدين أيبك الأولى وقامت الأخيرة بأمر جواريها بالتخلّص من شجرة الدر وتم ذلك بعد أيام قليلة من وفاة الملك المعّز عز الدين أيبك، وقد قامت الجواري بضربها بالقباقيب على رأسها حتى فارقت الحياة ومن ثمّ رميت جثتها من فوق سور القلعة للتأكّد من وفاتها في الثالث من مايو في عام 1257م. لم تدفن إلا بعد أيام من مقتلها، ويقال بأنّها كانت عارية في أحد خنادق القلعة وبقيت مقتولة عارية حتى تمّ دفنها في ضريحها الحالي القائم في أحد المساجد الكائنة في قسم الخليفة بالقاهرة والذي أنشئ في عصر الدولة الأيوبية في مصر.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_