اليوم العالمي للفلسفة اين نحن منه ؟

عامر عبد زيد

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_دع عنك كل ما تعرفه عن الفلسفة من تعالي وتجريد واغتراب عن الواقع وافتتح نافله للقول عن الفهم الذي تقدمه اليونسكو عن الفلسفة فهو فهم يغادر تلك الاحكام المسبقة ويؤسس لقراءة جديدة للفلسفة يربطها بما هو راهن .
إذ ما يلزمك الآن ان تعرف كيف كانت بداية الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة سنويّاً، والذي يصادف الخميس الثالث من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وهنا ثمة ابجدية اخرى تظهر مع توصيف اليونسكو للفلسفة ، واذ ثمة فهم جديد يجعل من الفلسفة ترتبط بما هو راهن على الصعيد الكوني والمحلي معا ؛ كونها قيمة دائمة للفهم والتطوير للفكر البشري في كل ثقافة وفي كل فرد.
وحسب هذا الفهم الجديد ، الذي يتجاوز الصور النمطية التي اقامها البعض ممن يجهل كينونة الفلسفة وعمقها الحقيقي ، أن الفهم الجديد يعيد للسؤال الفلسفي دوره في احداث حراك ثقافي يرتبط بالناس وهمومهم اليومية وما يعانون من اشكالات وازمات تعيق الاندماج السوي ويخلق التعايش ويبذر بذور التسامح ويؤسس الى اليات الحوار والاعتراف في الفضاء العمومي وتجاوز الانحيازات القديمة التي اسست خيوطها العناكب وهي اليوم بحاجة الى معول النقد والتفكيك والازاحة من اجل خلق افق للانصهار .وهو ما يدق مع تعريف اليونسكو للفلسفة بوصفها اختصاصاً مشوقاً، كما أنها ممارسة يوميّة من شأنها أن تحدث تحوّلاً في المجتمعات. وتحث الفلسفة على إقامة حوار الثقافات إذ تجعلنا نكتشف تنوع التيارات الفكرية في العالم. وتساعد الفلسفة على بناء مجتمعات قائمة على مزيد من التسامح والاحترام من خلال الحث على إعمال الفكر ومناقشة الآراء بعقلانية. ومن وجهة نظر اليونسكو، تعدّ الفلسفة كذلك وسيلةً لتحرير القدرات الإبداعية الكامنة لدى البشرية من خلال إبراز أفكار جديدة. وتُنشئ الفلسفة الظروف الفكرية المؤاتية لتحقيق التغيير والتنمية المستدامة وإحلال السلام.
هنا اليونسكو تضع للفلسفة وظيفة مقدسة كونها المنقذ الحقيقي للإنسانية كونها تكتشف الاشكال وتحدد العلاج ويتحول الفيلسوف الى مثقف يمارس دوره في ايجاد العلاج من خلال النقد والسؤال واعادة النظر بكل ما هو اشكالي من اجل خلق افق رحب للحوار والتعايش والاعتراف .انها بمثابة الضوء الذي يكشف الكهوف المهيمنة بأفكارها المغلقة والتسلطية سواء كانت اوهام المسرح او اوهام القوة والتمركز التي لم تخلق الا مزيد من الفوضى والظلم والتجبر على الشعوب الضعيفة التي تحولت الى مختبرات تجرب بها مراكز البحوث الغربية كل افكاره غير الاخلاقية تمزيقا وتهجيرا وعنف ضاري لا هوادة فيه كونها حقول صالحة لتجريب الافكار والاسلحة وتجارة الموت والارهاب .
فاليونسكو عندما تتصدّر الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة ولكنّها لا تحتكره. حيث أن هذا اليوم العالمي يخصّ كل فرد وكل مكان وكل من يهتم بالفلسفة.فالفهم هذا يجعل من الفلسفة تفضح التسلط والهيمنة والاصولية والارهاب وتجترح افقا جديدا يتجاوز الشموليات ويجعل اليوم العالمي للفلسفة يمثل عملية جماعية للتفكير الحر والمنطقي والمستنير في التحديات الكبرى المرتبطة بعصرنا هذا ويُشجَّع جميع شركاء اليونسكو (أي الحكومات الوطنية والمؤسسات والمنظمات العامة التابعة لها، بما في ذلك اللجان الوطنية لليونسكو، والمنظمات غير الحكومية، والرابطات، والجامعات، والمعاهد، والمدارس، وشبكات برنامج توأمة الجامعات، والكراسي الجامعية لليونسكو، والمدارس المنتسبة وأندية اليونسكو المعنية، وما إلى ذلك) على تنظيم أنشطة متنوعة تتعلق بالموضوع العام لليوم العالمي للفلسفة، مثل الحوارات الفلسفية والنقاشات والمؤتمرات وحلقات العمل والفعاليات الثقافية والعروض المختلفة، وذلك بمشاركة فلاسفة وعلماء من جميع التخصصات المتصلة بالعلوم الطبيعية والاجتماعية، ومربين ومعلمين وطلبة وصحفيين وغيرهم من ممثلي وسائل الإعلام، والجمهور العام.
انها ورشه كونية من اجل مواجهة ازمات الانسان التي استدرجت ذاكرتنا للظلام وخلقت اجواء من العتمة والعنف سواء كان منبعث من الماضي الاصولي او من الهيمنة الغربية التي استثمرت ممكنات المعرفة من اجل خلق استراتيجيات القوة حيث اخذت تفرض عنفها الضاري على الشعوب بخلق الفتن ودعم الارهاب وتخليق اجواء من العنف حيث تم اختيال العلماء واصحاب الري الحر كونهم لا يتوافقون مع ارادة الهيمنة الغربية .في ظل هذه الرهانات تظهر وظيفة الفلسفة هي دراسة طبيعة الواقع والوجود، ودراسة ما يمكن معرفته والسلوك السوي من السلوك الخاطئ. ومفردة فلسفة مصدرها الإغريقية وتعني ’’حب الحكمة‘‘. وهي بالتالي، واحدة من أهم مجالات الفكر الإنساني في تطلعه للوصول إلى معنى الحياة.
تلك الوظيف المعبرة عن نبل الغايات وعمق الخطاب حيث تم رسم ستراتيجات كونية للفلسفة وهذا ما يمكن الاستدلال عليه في اعلان اليونسكو في 2002 اليوم العالمي للفلسفة على أمل تحقيق الغايات التالية: تجديد الالتزام الوطني ودون الإقليمي والإقليمي والعالمي بدعم الفلسفة؛ وتشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية لأهم القضايا المعاصرة من أجل الاستجابة على خير وجه للتحديات المطروحة اليوم على البشرية؛ وتوعية الرأي العام بأهمية الفلسفة وبأهمية استخدامها نقديا لدى معالجة الخيارات التي تطرحها آثار العولمة أو دخول عصر الحداثة على العديد من المجتمعات؛ والوقوف على حالة تعليم الفلسفة في العالم، مع التركيز بوجه خاص على عدم تكافؤ فرص الانتفاع بهذا التعليم؛ و التأكيد على أهمية تعميم تعليم الفلسفة في صفوف الأجيال المقبلة.
لا شكل أن هذه الرؤية مهمه وتدرك اليونسكو انها ستراتجيات تقدم حلول وتؤسس الى عهد جديد يقدم معالجات ويخلق افق للتنوير ويعمق الوعي بالحاضر وينفتح على المستقبل ويدرك عمق الصراع وارادة القوة سواء كانت الاصوليات والتسلط أو ارادة القوة الغربية التي تستثمر نقاط الضعف من اجل المزيد من الهيمنة .
من هنا يأتي السؤال لماذا يوم الفلسفة؟
لمن كل هذا الشدو انه للفلسفة التي تثير فينا دائما مشاعر الدهشة تلك المشاعر التي تشكل اصل التفلسف بوصفها تعكس طبيعة البشر في أن يكونوا مندهشين بأنفسهم والعالم من حولهم.
عندما تولد لدهشه يكون مخاض السؤال ممتعا يثير فينا مشاعر تبعث الحياة بكل تحولاتها وبكل ما يصاحبها من اختلاف وتنوع في الاجابة ، انه الاشكال الفلسفي الذي يحرضنا على البحث عن اجابة تتنوع اليات الكتابة عنه بتنوع اشكال المقال من جدلي الى تقابل الى تحليل مستمر للنصوص التي تعبر عن قراءات متنوع بتنوع القراء وما يعيشونه من رهانات .تجلب ميل عميق للحكمة الت تعلمنا التفكير الجدلي الحي ، عبر الاستمرار بالتساؤل عن ما يعتقد أنه حقائق راسخة، للتحقق من الفرضيات والتوصل إلى استنتاجات ؛ هكذا كانت بدايات التفلسف كتصورات وأفكار وتحليلات، ومن خلالها، وضعت أساساً للفكر النقدي المستقل والخلاق.
وعندما يأتي اليوم العالمي للفلسفة لهذه المؤسسة اليونسكو يعكس اهمية التفكير النقدي ودورة الحيوي ، وتشجيع الناس في جميع أنحاء العالم على تبادل التراث الفلسفي مع بعضهم البعض. مما يساهم في خلق تواصل حي وافق رحب للتعايش والاعتراف بالاختلاف ، بوصفة مبدا قيمي يقوم عليها سلام العالم: الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة.
هذه مناسبة مهمه في اعادة النظر بواقعنا العربي كونه واقع يعاني من مشاكل كبيرة وتحتاج الى فضاء من الحريات من اجل البحث فيها وتناول مشاكلها بالتحليل والتفكيل من اجل اياد الحلول وتحريك ماهو راكد . وايصال صوت العرب عالميا من اجل جلب المؤيدين لما يحدث من حراك ثقافي ومطالب اجتماعية تتطلب دعم دولي من اجل مواجهة التسلط والهيمنة الداخلية والاقليمية والدولية .
كون هذه المناسب تلاقي اقبال عالمي فهنا أكثر من سبعين بلداً، منها خمسة وعشرين في افريقيا، احتفلت بأول مناسبتين لأيام الفلسفة والتي منحت كل فرد، بغض النظر عن ثقافته، فرصة للتفكير في مسائل مختلفة . وبالتالي لقد أتاح يوم الفلسفة لنا الفرصة لنطرح على أنفسنا الأسئلة التي غالبا ما تكون منسية.

الحوار المتمدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post غسل الدماغ عند الجماعات المتطرفة ـ الأسس العلمية
Next post المدار تفتح ملف ثنائيات الفن ((أبو السعود الأبياري وإسماعيل ياسين ثنائي الكوميديا ))