هل بدأت “أوبك” أخيراً بالتفكك؟

سايمون هندرسون

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تلوح في الأفق “أزمة” أخرى داخل منظمة “أوبك” وهي عدم تمكن الكارتل من الاتفاق على كيفية الموازنة بين الإنتاج والسعر. ومن المحتمل أن تؤدي زيادات الأسعار إلى إثارة الجدل حول زيادة الحصص والغش في مستويات الإنتاج. وعلى الرغم من احتمال تكرار الأزمات الداخلية لمنظمة “أوبك”، إلا أنّه لا يمكنها أن تكون دورية بعد الآن. وقد يكون الاتجاه داخل الكارتل سائراً نحو التفكك.

مع بداية شهر آخر، تلوح في الأفق “أزمة” أخرى داخل منظمة “أوبك”. إنها المشكلة المعتادة: عدم تمكن الكارتل – الذي سيجتمع في فيينا هذا الأسبوع – من الاتفاق على كيفية الموازنة بين الإنتاج والسعر. فالدول المصدرة للنفط بقيادة السعودية، وبدعم من الدول غير الأعضاء في منظمة “أوبك” مثل روسيا وكازاخستان، لا تستطيع التحكم في الأسعار بحد ذاتها، لذا عليها أن تتصوّر كيفية الاتفاق على مستويات الإنتاج التي قد تزيد، أو لا تزيد، من الإيرادات.

وهناك اتفاق من حيث المبدأ هذه المرة، على الرغم من أن مصطلح “المراوغة” قد يكون الكلمة الأنسب. وهذا ما يحصل دائماً ولو كان ذلك مجرد من أجل تأخير الاتفاق. لكن لا تملّوا؛ فهناك ضغوط جديرة بالملاحظة [تكبّل] هيكلية “أوبك” وسوق النفط.

ومن حيث الإيرادات، لم تعد أوبك تحقق نفس المستويات السابقة   ومن المرجح أن تصل مبيعات النفط لدولها الأعضاء إلى حوالي 315 مليار دولار هذا العام، مقارنة بـ 565 مليار دولار في العام الماضي، و 692 مليار دولار في عام 2018. أما خلال “أوج عهد” المنظمة – على سبيل المثال، عام 2012 – فكان الرقم ضخماً بحيث بلغ1,127  مليار دولار. وقد يكون عام 2020 سيئاً من وجهة نظر الدول المنتجة، ويعزى السبب جزئياً إلى أثر جائحة فيروس “كوفيد-19” على الاقتصاد العالمي، لكن المنحى السائد يبدو تنازلياً بشكل واضح.

لقد ولّت الأيام التي كانت خلالها كلمة “أوبك” مرادفة للثروة الهائلة فسعر النفط الحالي  الذي لا يتجاوز 49 دولاراً للبرميل الواحد غير كافٍ لمعظم الدول الأعضاء، ويرجع ذلك أساساً إلى تمسك هذه الدول بمستويات الإنفاق الضرورية لتحمّل تكاليف الوظائف الحكومية والإعانات السخية، والتي يعود تاريخها إلى حقبة كان يسجل خلالها سعر النفط 100 دولار/للبرميل. وتعتمد حكومة العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة “أوبك”، على 92 بالمائة من ميزانيتها على عائدات النفط. وفيما يتعلق بالانتخابات للجميعة الوطنية الكويتية   التي جرت خلال نهاية الأسبوع، فقد اتسمت بالسخط العام من التخفيضات وأخبار عن الفساد المستشري في أوساط المسؤولين والوزراء.

ومن الواضح أن سوق الطاقة يتغير. فقد أعلن مقال في الجزء العلوي من الصفحة الأولى من صحيفة وول ستريت جورنال  في 1 كانون الأول/ديسمبر أن “شركة “إكسون موبيل” تتراجع عن خطة لزيادة الإنفاق لتعزيز إنتاجها من النفط والغاز… بينما تعيد الشركة المتعثرة تقييم العقد القادم”. كما ورد في المقال أن كلاً من “رويال داتش شيل” و”بي پي” و”شيفرون” تخفض قيمة أصولها، حيث جاء فيه: “أشارت جميع الشركات الثلاث إلى التوقعات الداخلية لانخفاض أسعار السلع الأساسية كسبب لتراجع أسعار [النفط]”.

ومن الناحية السياسية، حظيت “أوبك” بدعم هذا العام من خلال اقترانها بدول مصدرة من خارجها في “أوبك بلس” (“أوبك+”). إلّا أن هذا التحالف قائم على المصلحة، وليس على علاقة طويلة الأمد. يُذكر أن حرب الأسعار العبثية بين روسيا والسعودية التي اندلعت في آذار/مارس ونيسان/أبريل لم تنته إلا بعد أن اتفق   الطرفان على خط أساس لتخفيضات الإنتاج التي كانت في صالحهما بدلاً من أن تكون في صالح الدول الأعضاء في الكارتل.

ومن المثير للاهتمام، أنه ربما يتمّ تقويض قيادة السعودية لمنظمة “أوبك”، إن لم يتم تحدّيها فعلياً، من قبل إحدى أقرب حلفائها المفترضين، وهي الإمارات العربية المتحدة. فمع كل النفط الموجود في دولة الإمارات تقريباً، تسعى أبو ظبي إلى زيادة حصتها النظرية في ظل تشغيلها حقولاً جديدة لتمويل طموحاتها الإقليمية المتزايدة، من بين أمور أخرى. وفي وقت سابق من الأسبوع الأول من الشهر الحالي، أفادت بعض التقارير أن مشاحنة سخيفة على ما يبدو بين وزير النفط السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان ونظيره الإماراتي سهيل المزروعي، دفع الوزير السعودي، الذي هو أحد أبناء الملك سلمان، إلى تقديم استقالته من رئاسة إحدى لجان “أوبك +” لصالح الآخر. وسواء كان ردّه خطوة لإثبات وجهة نظر أو مخادعة، تراجع الوزير الإماراتي عن موقفه. وهناك شائعات بأن الإمارات تفكّر في الخروج من الكارتل، لكن ربما ليس في وقت قريب.

ومن المرجح أن يتمثل أحد العوامل الإضافية لعام 2021 في تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن   منصبه. فحتى لو استغرق الأمر للإدارة الأمريكية الجديدة أسابيع أو أشهر لبدء عملها بسلاسة، فإن تصريحاتها المشجعة حتى الآن للحد من تغير المناخ تُمهد الطريق لاتخاذ قرارات عملية في الولايات المتحدة وخارجها. في المقابل، وعلى الرغم من أن بايدن أوضح كمرشح للرئاسة أنه لا يعارض التكسير الهيدرولوكي – بالأحرى إنه يعارض التكسير على الأراضي الفيدرالية فقط – فقد يؤدي ذلك إلى زيادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي في العام المقبل، بدافع من ارتفاع الأسعار.

وقد تكون زيادات الأسعار مزعجة للإدارة الأمريكية الجديدة – وللمستهلكين – ولكن من المحتمل أيضاً أن تشكل ضربةً أخرى لكل من “أوبك” و”أوبك+”، مما يؤدي إلى إثارة الجدل حول زيادة الحصص والغش في مستويات الإنتاج. وعلى الرغم من احتمال تكرار الأزمات الداخلية لمنظمة “أوبك”، إلا أنّه لا يمكنها أن تكون دورية بعد الآن. وبدلاً من العودة إلى النقطة نفسها، قد يكون الاتجاه داخل الكارتل سائراً نحو التفكك.  

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post بريطانيا ـ قوانين وإجراءات مكافحة الإرهاب لعام 2020
Next post التطبيع مع العِبرية في اليوم العالمي للغة العربية