رفعُ سعر الدولار الأمريكي
ييلماز جاويد
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ أصدرت الحكومة وبالتنسيق مع البنك المركزي العراقي قراراً برفع سعر تصريف الدولار الأمريكي إلى 1460 ديناراً عراقياً مقابل الدولار الأمريكي الواحد . ومن المعروف أن إصدار أي قانون أو قرار ليس سوى الوجه الذي يريدُ أن يظهره المصدّر وليست العبرة في إصدار القانون أوالقرار بل في تطبيقه ، فالقوانين والقرارات لها دائماً ، كما تعوّدنا ، وجهان يتناقض ظاهرها مع تطبيقاتها ، ومن هنا أعتاد المراقبون أن ينظروا إلى أحد الوجهين ويضربوا ” تخت رمل ” من وجهة النظر التشاؤميّة ويستنتجوا احتمالات ما سيكون شكل الوجه الآخر .
بصدور قرار الحكومة والبنك المركزي أعلاه بدأ الكتّاب ومحررو المقالات ومصدّرو البيانات وبينهم ” خبراء اقتصاديون ” بالهجوم على القرار وكأن حالهم حال الذي صادق كذاباً فتعوّد أن يجيب على كل كلمة يقولها بكلمة ” چذب ” وفي يوم تلاقيا في الصباح فقال هذا ” صباح الخير ” فكان جواب الآخر ” چذب ” !
تطوّع الجميع وعددوا ما وصفوه ب ” سلبيات ” إصدار هذا القرار ، كارتفاع أسعار البضائع وانخفاض القوة الشرائية للدينار العراقي مما يؤثر على الطبقة الفقيرة من المواطنين ويزيد من معاناتها … إلخ من القائمة التي تعودنا سماعها . لقد تحمّل الشعب العراقي وتدبّر أمره أيام الحصار الاقتصادي في عهد النظام السابق عندما وصل سعر الدولار الأمريكي إلى ثلاثة آلاف دينار، وفي الوقت الحالي لا يبخس بمعاناة رفع سعره من 1190 دينار إلى 1460 إن كان ذلك خطوة إلى أمام لتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي . لقد انتفعت الشلة الحاكمة وزبانيتها ولجانها الاقتصادية طوال سبعة عشر عاماً من شراء الدولار الأمريكي من ” شباك بيع العملة ” في البنك المركزي بسعر منخفض وهرّبوا معظمه إلى خارج البلاد و استخدموا الجزء اليسير منه لاستيراد البضائع الاستهلاكية والكمالية حتى أغرقوا السوق بها مقابل تعطيل عمل جميع الأنشطة الإنتاجية في الزراعة والصناعة مما أدى إلى قتل الإنتاج المحلي الذي أصبح عاجزاً عن منافسة المستورد ، وكذا استخدموها في سفراتهم السياحية والتسوّق من البضائع الأجنبية في سفراتهم والبذخ في الصرف على عوائلهم خارج البلاد\
عجبي أن يتبارى أولئك ” الخبراء الاقتصاديون ” في مهاجمة قرار الحكومة والبنك المركزي بينما كانوا يحررون المقالات ويصدرون البيانات داعين إلى إيقاف بيع الدولار من قبل البنك المركزي ! أليس رفع سعر بيع الدولار خطوة ولو جزئية تُصعّب على الشاري شراءه ؟ ثم أن الحكومة ما دامت تعتمد مردودات بيع النفط كمورد رئيسي لميزانيتها وهذا المورد تستلمه بالدولار فكيف يا ترى تتمكن أن تدفع رواتب الموظفين والمصاريف التشغيلية الأخرى بالدينار العراقي إذا لم تقم ببيع الدولارات التي استلمتها عن ثمن النفط المباع ؟
تُعتبر خطوة رفع سعر بيع الدولار الأمريكي الواحد من 1190 دينار عراقي إلى 1460 دينار عراقي الخطوة الجريئة الإيجابية الحقة منذ استلام الكاظمي موقعه كرئيس لمجلس الوزراء ، وعلى عكس ما ذهب إليه أولئك الخبراء الإقتصاديون فإن النتائج المتوقعة من تطبيقه ( إن تمكنت حكومة الكاظمي أن تطبقه فعلاً ) :
1. إيقاف هدر الأموال العراقية في استيراد المواد الاستهلاكية والغذائية التي تنافس الإنتاج المحلّي ، مما يفتح المجال للمستثمر المحلي أن يتحوّل إلى تطوير زراعة وصناعة المواد محليّاً
2. إيقاف هدر الأموال في صرف رواتب العاملين الأجانب إذ أن العامل الأجنبي عندما يستلم أجره بالدينار العراقي ويحوّله إلى دولارات يحصل على كمية أقل من السابق مما يجعله يفكّر في ترك عمله والعودة إلى بلده وذلك يفتح مجالاً لتشغيل العراقيين ومكافحة ، ولو جزئية ، للبطالة.
3. إيقاف هدر الأموال العراقية في استيراد البضائع الوسيطة التي يمكن إنتاجها في العراق مثل الأدوات الاحتياطية للمكائن والمعدات ووسائط النقل مما يحيي الكثير من الأنشطة الصناعية ومحلات تصليح المكائن ووسائط النقل بدل استيرادها .
4. تشجيع نشاط تصدير المنتجات العراقية حيث يحصل المصدّر على مورد أعلى من ما كان يحصل عليه قبل رفع سعر الدولار .
5. تحفيز السياحة في الداخل إذ يكون من مصلحة السائح أن يحصل على دنانير أكثر مقابل الدولار الذي يصرفه في العراق .
6. يتحجج البعض بارتفاع أسعار البضائع كنقطة سلبية ولكن يتناسون أن قوة العمل كبضاعة قابلة للزيادة أيضاً فكما يحصل ارتفاع في أسعار البضائع كذلك في الأجور والرواتب.
7. يُعتبر تشجيع نشاط القطاع الخاص واستنهاضه خطوة رئيسية للتحوّل من الاقتصاد الريعي الحالي إلى اقتصاد متنوّع مما يقلل الحاجة إلى اعتماد واردات النفط المصدر الوحيد لميزانية الدولة .
8. تعتبر خطوة رفع سعر تحويل الدولار عاملاً محفزّاً لجذب الاستثمارات سواء المحلية أو المشاركات بين القطاع الخاص العراقي وجهات أجنبية .
ما ذكر أعلاه غيضٌ من فيض إيجابيات الخطوة التي خطتها الحكومة ، وأملنا أن تكون حكومة الكاظمي قادرة على تخطّي العقبات التي يضعها أمامه المتضررون منها ويسير بخطوات إيجابية مكملة لها لإحداث نقلة نوعية جادة .
الحوار المتمدن