مكافحة الإرهاب في بريطانيا ـ تحديات أمنية مابعد “البريكست”

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_تحاول بريطانيا تطبيق البريكست بخسائر أمنية أقل وسط تحديات تفرضها الأحداث المتسارعة عالميًا بالتوازي مع العراقيل المتطورة أمام وضع اتفاق نهائي ملزم ينظم العلاقات بين بروكسل ولندن بعد انتهاء المهلة الأخيرة قبل الخروج النهائي في 31 ديسمبر 2020، وفي اي حال  ستواجه المملكة إشكاليات عدة تتعلق بالإرهاب والعلاقة مع اسكتلندا، فهل استعدت جيدًا؟.

إحصائيات حول وضع الإرهاب في بريطانيا خلال الخمسة أعوام الأخيرة 

ترتبط غالبية الإجراءات المشددة التي اتخذتها الروابط الأمنية بالاتحاد الأوروبي بتاريخ تصاعد العمليات الدامية لداعش بالمنطقة، وقياسًا على ذلك فأن المملكة المتحدة كانت على مدار السنوات القليلة الماضية من الدول الثلاث الأوائل الأكثر تأثرًا بالعمليات الإرهابية ضمن دول الاتحاد، وذلك وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي (GTI) الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP) بسيدني.

فطبقًا لمراجعة المؤشر خلال الأعوام من 2015 حتى 2020 ظهرت المملكة المتحدة في مراتب متقدمة من حيث أعداد الضحايا الناجمين عن العمليات الإرهابية على أرضها، ففي 2015 كانت لندن في المرتبة الأولى أوروبيًا مسجلة الرقم 28 عالميًا بين 124 دولة تمت دراسة نسب الإرهاب بداخلهم، بينما في 2016 تراجعت للمرتبة الثانية أوروبيًا بعد فرنسا التي منيت بضربات قوية على خلفية أحداث باريس التي وقعت في 2015 على أيدي تنظيم داعش، وحافظت على ذات النسبة الأوروبية في إحصائية 2017  محتلة المرتبة 35 عالميًا.

ولكن شهد عام 2018 تصاعد للإرهاب في المملكة وفقًا للإحصائية لتعود إلى المرتبة الأولى أوروبيًا وتصعد سبع درجات عالميًا لتتحول من المرتبة 35 إلى 28 محافظة على ذات الترتيب خلال عام 2019، ما يعني في مجمله أن نسب الإرهاب لا تزال مرتفعة في لندن ولا تعزى فقط لممارسات الجماعات الإسلاموية ولكنها تتضمن اليمين المتطرف ومجموعات الإرهاب السياسي. وتراجعت العمليات الإرهابية في بريطانيا، بعد تصاعد العمليات الإرهابية في فرنسا التي تصدرت مؤشر الإرهاب لعام 2020.

ابرز العمليات التي شهدتها بريطانيا عام 2020

يوم 2 فبراير 2020 : طعن ” سوديش أمان ” 3 أشخاص بسكّين  في شارع للتسوق في منطقة سكنية جنوب لندن ،”سوديش” بريطانى الجنسية يبلغ من العمر 20 عاما. كان معروفا لدى أجهزة الاستخبارات.

21 يونيو 2020 : طعن  “خيري سعدالله”  ثلاثة أشخاص في حديقة بمدينة “ريدينغ” غرب لندن. ” خيرى” ليبى الأصل بريطانى الجنسية يبلغ من العمر 25 عاما . كان مدان بقضايا تتعلق بالإرهاب.

البريكست وتحديات مواجهة الإرهاب 

ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي  تخسر بريطانيا، الاطلاع على قواعد البيانات الخاصة بالمنظمات الأمنية التابعة للاتحاد،  فأن إشكالية الإرهاب ستظل في حاجة ملحة لإجراءات صارمة لمعالجة الفجوة المعلوماتية في هذا المجال والتي ربما تزيد الهجرة غير الشرعية والضغوط الأمريكية – التركية لاستقبال العائدين من تنظيم داعش من اتساعها بسبب أن بريطانيا لن تعد قادرة على الاطلاع على معلومات اليوروبول ونظام شنغن وغيرهم من الأنظمة المسؤولة عن تبادل البيانات الخاصة بالمارين عبر الحدود الأوروبية. أمن بريطانيا ما بعد البريكست ، كيف سيكون ؟

وتعليقًا على هذه الإشكالية، حذر رئيس مكافحة الإرهاب في بريطانيا مساعد مفوض شرطة سكوتلاند يارد، نيل باسو في تصريح نقلته التايمز في 18 أغسطس 2019 من أن أمن المملكة سيعاني كثيرًا إذ خرجت لندن من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق يضمن لها التعامل مع المراكز الأمنية التي طورت خصيصًا لمعالجة قضايا الإرهاب والتي كان لها تأثير كبير على الحد من وقوع الهجمات.مؤكدًا أن أدوات مكافحة الجريمة الرئيسية ستتعطل ولن تكون بدائلها جيدة بالنسبة لأجهزة الشرطة في الداخل، مضيفًا أن خسارة الوصول السريع إلى معلومات شنغن سيترك خطرًا قويًا على قدرات الجهازفي التوصل إلى الأشخاص الخطيرين المطلوبين على ذمة قضايا أو هاربين أو يحاولون التسلل إلى البلاد، غير أن فقدان ميزة التعاون عبر أوامر الاعتقال الأوروبية (EAW) سيجعل إجراءات تسليم المطلوبين تمدد إلى سنوات بعد أن كانت تستغرق مدد قصيرة للغاية.

بينما نقل موقع (Express) في 17 يونيو 2020 مخاوف مجلس اللوردات من عدم إتمام صفقة أمنية مع بروكسل، ففي إحدى جلسات المناقشة بين أعضاء المجلس ومسؤولي الأمن في البلاد أثارت اللجنة الفرعية للأمن والعدالة التابعة للمجلس مخاوفها من أن تصبح المملكة ملاذاً للمجرمين الأجانب الذين يتهربون من العدالة في الاتحاد الأوروبي إلى جانب خسارة كبيرة في أدوات معالجة الأمن.

ووسط الإجراءات المشددة التي تتخذها دول الاتحاد لحماية البيانات والمعلومات فأن التعاون مع بريطانيا إذا لم تنجح في عقد صفقة مابعد خروجها وفقًا لمعايير الاتحاد او عقد اتفاقات ثنائية مابعد خروجها ـ 31 ديسمبر 2020 فمن المرجح
أن وضع الإرهاب بها سيهتز لفترة، وقياسًا على التسليم بكون المجموعات الإرهابية وبالأخص الإسلاموية منها لا تمارس التطرف من العدم ولكن عبر دراسة واضحة لمجريات الظروف السياسية فأن احتمال زيادة الهجمات سيرتفع أكثر وبالأخص أن هذه الظروف تجتمع مع الوضع العام المضطرب جراء معالجة الأثار السلبية لفيروس كورونا ما سبب بدوره بعض الانشغال للحكومات السياسية.

الأمن البحري ومواجهات محتملة مع اسكتلندا – البريكست

أعلن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يوم 24 ديسمبر 2020 التوصل إلى اتفاق تجاري مابعد البريكست  ليسدلا الستار على نحو عشرة شهور من مفاوضات مضنية بشأن طبيعة العلاقة مع التكتل حينما تغادر المملكة المتحدة السوق الموحدة.كان وصول صيادي الاتحاد الأوروبي مستقبلا إلى مياه بريطانيا الغنية من بين أبرز المسائل الشائكة والقابلة للاشتعال سياسيا وآخر نقطة تم حلها قبل الإعلان عن الاتفاق. وأصرت بريطانيا مرارا على أنها ترغب باستعادة السيطرة الكاملة على مياهها بينما سعت دول الاتحاد الأوروبي الساحلية إلى ضمان حقوق الصيد في مياه المملكة المتحدة. وفي النهاية، توصّل الطرفان إلى تسوية تقضي بأن تتخلى قوارب الاتحاد الأوروبي تدريجيا عن 25 في المئة من حصصها الحالية خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ونصف.

يبقى الأمن البحري وسلامة المسطحات المائية من أهم المتغيرات التي يخشى البريطانيون بشأنها بعد البريكست، فطبقًا لغرفة الشحن في المملكة المتحدة (UK Chamber of Shipping) فأن 95% من التجارة في البلاد
تعتمد على شحن السفن، وبالتالي فهي هدف مهم لجماعات التطرف الإسلاموي لاستهداف السفن وأنشطة صيد الأسماك كما أنها هدف لجماعات التطرف السياسي لنقل الاضطرابات إلى البحر فضلاً عن مراكب الهجرة غير الشرعية، وربما سيتأثر ذلك بفقدان التعاون مع فرونتكس ووكالات حماية الحدود البحرية بين الدول الأوروبية.

وتمتلك المفوضية الأوروبية إستراتيجية خاصة للأمن البحري تعرف بـ (EUMSS)تعمل على تنظيم أنشطة البحار وحمايتها من المخاطر الأمنية والمناخية ومن المرجح أن تفقدها لندن، فضلاً عن اضطراب جديد يلوح في الأفق مع اسكتلندا التي تشكل مياهها حوالي 62% من مجموع المياه الاقتصادية الخالصة.

ودعا وزير العدل الاسكتلندي، حمزة يوسف في 25 يوليو 2020 ، وفقا لـexpress  إلى اجتماع وزاري عاجل على خلفية استبعاده من المحادثات التحضيرية التي تجريها الحكومة مع الاتحاد الأوروبي بشأن صفقة الأمن البحري وتنظيم عمل مصائد الأسماك، ما صعد التوتر بين الجانبين وبالأخص أن اسكتلندا كانت رافضة لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي بنسبة تصويت حوالي 62% .

وبناء عليه يرجح أن يكون الموقف الأخير الخاص بتنظيم البحار شقًا جديد بين بوريس جونسون ورئيسة حكومة اسكتلندا نيكولا ستورجيون الراغبة في إعادة استفتاء الانفصال عن بريطانيا مرة أخرى كأحد تداعيات البريكست المحتمل أن تزيد من أعباء لندن، ففي 19 ديسمبر 2019 صرحت ستورجيون، وفقًا لشبكة بي بي سي، بأن عام 2020 يجب أن يشهد تصويتًا جديدًا للانفصال بعد تصويت2014  الذي انتهى بالرفض.

ويضمن الاتفاق في 24 ديسمبر 2020 للطرفين استمرار حركة التجارة والبضائع دون تعريفات أو حصص، حسب المصدر ذاته. وارتكزت المفاوضات الخاصة بالاتفاق التجاري على تقاسم نحو 650 مليون يورو من المنتجات التي يصطادها الاتحاد الأوروبي كل عام في مياه المملكة المتحدة والمدة التي ستحدد لتكيف الصيادين الأوروبيين مع الوضع الجديد، وهو خروج بريطانيا رسميا من الاتحاد في 31 يناير2020 عما يسمى بالسوق الموحدة.

هل استعدت بريطانيا جيدًا؟ – البريكست

ولمعالجة ما يطرح من تحديات أمام نظام الأمن البريطاني بعد البريكست ينتظر أن تتحرك الدولة عبر استراتيجيات واضحة للتعامل مع المستقبل، ولكن يبدو من مطالعة بيانات الحكومة أنها لا تزال تعتمد على استراتيجيات الاستخبارات التي نجحت في ترسيخها منذ آمد والتي تعتبرها الأنجع عالميًا كحائط صد للتعامل مع الأثار الأمنية للبريكست، مثل اتفاقية الخمسة عيون الموقعة في 1941بين الولايات المتحدة و بريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والتي تسمح بتبادل المعلومات الحساسة والخطيرة بينهم دون مشاركتها مع حلف الناتو. كما تتمتع بريطانيا ببناء استخباري قوي تتعدد مراكزه بين وكالة الأمن أو المكتب الخامس (MI5)، وجهاز الاستخبارات (MI6)، ووكالة استخبارات الدفاع (DI)، ومكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (GCHQ)المعنية بجمع المعلومات ومتابعة أنشطة عصابات الجريمة المنظمة وحفظ الأمن السيبراني.

البريكست ومستقبل الانفاق الأمني

تفرض الطبيعة المتغيرة للعالم تصميم خطط للتعامل مع ما قد يطرأ من تحديات وأمام ذلك يبدو أن تأمين الحدود البرية والبحرية وضمان أمن وسلامة البلاد عبر أدوات جديدة وربما أحادية سيزيد من عبأ الانفاق على أدوات حماية البلاد ما سيلقي بظلاله على الموازنات القادمة لأعوام ما بعد البريكست، كما ستؤثر على دول بروكسل عبر فتح أفاقًا جديدة بمزايا مالية أكبر لتعويض النقص في مجالات عدة وهو ما ظهر في تطوير نظام الهجرة بعد بريكست لتعلن لندن عن أنها سترحب فقط بالمواهب الفذة ما يرجح خسارة الاتحاد لبعض الكفاءات لصالح المملكة. الآفاق الحقيقية للدفاع الأوروبي، في أعقاب ” البريكست “

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post الدفاع الأوروبي، في أعقاب ” البريكست ” كيف سيكون ؟
Next post “البريكست”ـ مستقبل بريطانيا الأمني مابعد خروجها من الاتحاد الأوروبي