“البريكست”ـ مستقبل بريطانيا الأمني مابعد خروجها من الاتحاد الأوروبي
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ تسعى المملكة المتحدة للحفاظ على استمرار التواصل مع التقدم الذي أحرزه الاتحاد الأوروبي في مجال التعاون الأمني والاستخباري ومكافحة الإرهاب عبر تأمين اتفاقية بريكست تضمن لها استمرار الإطلاع على قواعد البيانات التابعة للمنصات الأمنية قبل المغادرة النهائية في 31 ديسمبر 2020.
توصّل المفاوضون الأوروبيون والبريطانيون يوم 24 ديسمبر 2020 إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد بريكست، وفق ما أفاد مسؤولون من الجانبين. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لايين في مؤتمر صحفي:” هذه الصفقة كانت تستحق الكفاح من أجلها”. وأضافت:”لدينا الآن اتفاقية عادلة ومتوازنة مع المملكة المتحدة. ستحمي مصالح الاتحاد الأوروبي، وتضمن المنافسة العادلة.”من جانبه، أكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون “التوصل لاتفاق” مع الاتحاد الأوروبي، قائلا إنه تم تجاوز كل النقاط الخلافية.
التحديات الأمنية لمستقبل بريطانيا -البريكست
تتعدد المقاعد الأمنية المرجح أن تخسرها بريطانيا في كيانات الاتحاد الأوروبي إذا تمت إجراءات البريكست دون اتفاق، ولذلك تجتهد الحكومة لبقاء قدرتها على الوصول لبيانات شبكات تبادل المعلومات، إذ تمثل المعلومة حجر الزاوية الرئيسي في تشكيل الاستراتيجيات الأمنية لمواجهة تهديدات الأمن القومي
فزيادة النشاط الاستخباري لأوروبا خلال السنوات الأخيرة الماضية يرتبط في مقدمته بتنامي تنظيم داعش وإستراتيجية الذئاب المنفردة التي يعتمدها لتنفيذ عمليات في المنطقة إلى جانب ما يكنه تنظيم القاعدة بالأساس
من عداء لدول القارة بالتوازي مع تصاعد حركات اليمين المتطرف ما دفع الاتحاد إلى تشديد إجراءاته ضد هذه المجموعات عبر تشكيل المزيد من الكيانات والأدوات التي تسمح لدوله برقابة أكثر صرامة لتحركات المشتبه بهم ومصادر تمويلهم وكذا تصعيد عمليات تبادل المعلومات الاستخبارية والتحليل الجنائي فيما بينهم.
ما يطرح بدوره سؤالا مهما حول ماهية الخسائر التي قد تلحق ببريطانيا جراء الخروج من الاتحاد وخصوصًا بدون اتفاق –حتى الآن- إلى جانب ما تشهده المنطقة من صراعات تزيد من موجات الهجرة نحو القارة العجوز بما يشمله ذلك من نشاط أوسع لعصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر وإخفاء المتطرفين ضمن قوارب اللجوء وغيرها من التحديات التي دفعت رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي للقول بإن الصفقة الأمنية تعد مسألة حياة أو موت بالنسبة لبريطانيا.
خسائر بريطانيا في الملف الأمني -البريكست
أولاً: بريكست والأمن الداخلي
1 مذكرة الاعتقال الأوروبية
تأتي مذكرة الاعتقال الأوروبية (EAW) كأحد أهم الاستحقاقات التي ستخسرها بريطانيا والتي يتم بموجبها تسليم الجناة والمحكوم عليهم قضائيًا بين دول الاتحاد دون إجراءات معقدة، وتسري هذه الاتفاقية منذ 2004 لضمان عدم الاستغلال السيئ لحرية الحركة على الحدود المفتوحة بين منطقة شنغن، فمع إعلان بريطانيا الخروج في 31 يناير 2020 قررت ألمانيا والنمسا وسلوفينيا إيقاف تسليم رعاياها لسلطات القانون بالمملكة المتحدة، وذلك بحسب تقرير لصحيفة الجارديان في 27 فبراير 2020 بعنوان (المملكة المتحدة تنسحب من مذكرة الاعتقال الأوروبية). البريكست
كما أفادت الصحيفة أن بريطانيا استلمت منذ 2009 وحتى 2018 271 شخصًا من مواطنيها لمواجهة العدالة بينما سلمت دول الاتحاد الأوروبي خلال نفس الفترة 9853 مدانًا، بعدما كان تسليم شخصًا واحدًا يستغرق العديد من السنوات قبل هذا الاتفاق، ما يعني أن لندن من المحتمل أن تكون ملاذًا لمتطرفي ومجرمي القارة، مع عدم تمكنها من تسلم الجناة على أرضها ما قد يزيد من معدل الجريمة . أمن بريطانيا ما بعد البريكست ، كيف سيكون ؟
2 قواعد بيانات اليوروبول
تحاول المملكة المتحدة الحفاظ على اتصالها بقواعد بيانات اليوروبول وشنغن بعد البريكست، إذ كشفت الجارديان في 23 أبريل 2020 في تقرير معنون بـ(بريطانيا تطلب المستحيل لإبقائهاعلى اتصال بقاعدة يوروبول)
أن رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون طلب من الاتحاد الأوروبي خلال المشاورات الجارية لعقد صفقة الخروج الحفاظ على نقاط الوصول إلى قواعد بيانات يوروبول ما وصفته ألمانيا بالمستحيل مستنكرة رغبة لندن في التمتع بمزايا العضوية الكاملة في حين أنها خرجت من الاتحاد الأوروبي.
وحثت برلين الاتحاد الأوروبي على رفض طلب المملكة المتحدة، فبعض ساسة ألمانيا يرون أن رفض لندن لبقاء بعض صلاحيات المحكمة الأوروبية للعدالة (ECJ) بداخل البلاد مع السماح لها بالوصول لقواعد البيانات الجنائية للاتحاد يمثل انتهاكًا للقوانين، إذ تمانع بريطانيا بشدة لبقاء تبعيتها للمحكمة كشرط لاتمام الصفقة التجارية والأمنية مع الاتحاد لأن بريكست يمثل لها كامل السيادة على أرضها دون الرغبة في إبقاء أي سيادة للمحكمة ما يعرقل صفقات الخروج.
ويمثل خروج بريطانيا من الاتحاد حرمانها من منصات يوروبول التي تحتوي على معلومات ثمينة حول الإرهابيين والمجرمين وكذلك تحليلات الجرائم والبيانات التي تحول دون وقوع المزيد من الحوادث بداخل الاتحاد وتسهيل القبض على المتورطين في القضايا المختلفة، فضلا عن خسارتها لـ(ECTC) المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب المؤسس في2016 ليكون الأداة المتخصصة ليوروبول لمكافحة الإرهاب وتتبع مصادر تمويله والدعاية له على شبكة الانترنت. البريكست
3 نظام معلومات شنغن (SIS)
بات مرجحا، ان ستفقد بريطانيا نظام معلومات شنجن الذي يوفر تحذيرات لأجهزة الشرطة وحرس الحدود حول الأشخاص الخطيرين ويمكن سلطات إصدار التأشيرات والهجرة من التعرف عليهم لرفض دخولهم منطقة شنغن أو الخروج منها، وكذلك يتيح للدول الأعضاء التعرف على المركبات ولوحات ترخيصها وجميع المعلومات عن قائديها، ويمتلك قاعدة بيانات مهمة لبصمات اليد والحمض النووي وصور الوجه للمفقودين والجناة، ويلعب دورًا كبيرًا في ملف الإرهاب والهجرة ومساعدة مسؤولي حرس الحدود بشأنهما، ويتضح من ذلك دوافع الرغبة القوية لإبقاء لندن على اتصال بهذه القواعد. اتفاقية الشنغن …جملة تحديات.. فهل مازالت قائمة و فاعلة ؟
ثانيًا: بريكست وأمن الحدود
ستفقد بريطانيا العضوية في فرونتكس المسؤولة عن مراقبة الحدود و تأمين السواحل ضد الإرهاب وقوارب الهجرات غير الشرعية، بيد أنها ستخسر إمدادات الوكالات الأوروبية المتقدمة في مجالات الأقمار الصناعية والمراقبة الجوية كـ(مركز الأقمار الصناعية التابع للاتحاد الأوروبي) (Satcen)، الوكالة الأوروبية العالمية لأنظمة الملاحة (GNS) والتي تتيح تتبع جوي للأنشطة المسلحة والتي تشكل أخطارًا على أمن الحدود الأوروبية.
ثالثًا: بريكست والأمن السيبراني
تفرض مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي أن تخسر عضويتها في كيانات الأمن السيبراني والمعلوماتي مثل مجلس حماية البيانات الأوروبي EDPB ووكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني (ENISA) وغيرهم ما يرجح زيادة استهداف منصاتها الإلكترونية خلال الفترة القادمة.
الخلاصة
أن الخروج دون اتفاق منظم قد يكون له العديد من التبعات على هذا المجال الناشئ ليس فقط على لندن بل على الاتحاد الأوروبي أيضًا، ويظهر ذلك في إعلان الحكومة البريطانية في 14 يوليو 2020 وفقًا لـ CNN بمنع شركة هواوي الصينية من تنفيذ شبكة G5 على أرضها ما قد يؤشر على منحنى جديد في العلاقات ترسم به لندن خريطة مستقبلها الخارجي بعد الخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي الذي ترفض دوله تطبيق القرار الأمريكي بحظر هواوي، وقد يرمز أيضًا إلى أن تعزيز الأمن السيبراني للمملكة خلال الفترة القادمة قد يؤول لشركات أمريكية على الأرجح أو ينضوي على سحب بعض المواهب من الاتحاد.
بات محرجحا ان البريكست يوطد العلاقة أكثر بين لندن وواشنطن في ظل العراقيل المتعددة لإيجاد اتفاق مرضي بين المملكة وبروكسل ما ينطوي في مجمله على أسباب منطقية، فالسماح لبريطانيا بالحصول على أهم مزايا أعضاء التكتل الأوروبي يعني فتح المجال لطلبات خروج جديدة وخصوصًا في ظل الخلافات التي شهدها الاتحاد إبان ذروة انتشار فيروس كورونا إلى جانب حدة الاستقطابات الدولية.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات