فلسطين اليوم…حقائق مرعبة

سنية الحسين

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_رغم أن جميعنا يعلم أن إسرائيل نجحت يوم بعد يوم في تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وقلبت حياة سكان تلك البقعة المقدسة من الأرض عبر أكثر من خمسة عقود، فخلقت واقع سياسي فيها يختلف تماماً عن واقعها القانوني، لكننا تغاضينا أو تجاهلنا تلك الحقائق أو عجزنا عن مواجهتها. إلا أن مساعي بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، مستغلاً الدعم المطلق لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كشفت بشكل صارخ عن حقائق لم يعد بالإمكان تجاهلها، لأنها لم تدع مجال للشك بنوايا إسرائيل وسياساتها المبرمجة عبر كل تلك السنوات، والتي تضع مستقبل قضيتنا وأرضنا وأبنائنا اليوم على المحك.
وقد تكون أول تلك الحقائق التي يجب أن نقف أمامها أن الوقت لم يكن في صالحنا ولم يعد في صالحنا، فأكثر من ربع قرن مرت على اتفاق أوسلو قلبت موازين الصراع على الأرض لغير صالحنا، وفتحت لإسرائيل أبواب علاقات سياسية ودبلوماسية طبيعية مع جميع دول العالم بما فيها دول عربية وإسلامية، رغم استمرار احتلالها لفلسطين. كما أن تراجع إسرائيل عن قرار الضم جاء في الأساس لسببين أولهما تمثل في عدم حصولها على ضوء أخضر من الولايات المتحدة للقيام بذلك، والثاني جاء انطلاقاً من تهديدات أوروبية باتخاذ إجراءات عقابية لم تألفها إسرائيل من قبل. إن ذلك يكشف حقيقة أخرى لم يعد هناك مجال للشك فيها وهي أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لم تسع يوم لحل القضية الفلسطينية، وإنما ساهمت في ضمان بقاء هذا الصراع ضمن إطار الادارة ودعم استمرار العملية السلمية سياسياً اقتصادياً، على الرغم من علمها بأهداف وسياسات إسرائيل لتغيير واقع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن فكرة ضم أراضي فلسطينية لإسرائيل والتي طرحها نتنياهو خلال العام الجاري ووضعها ترامب أيضاً كأساس لخطته للسلام “صفقة العصر” ليست فكرة جديدة، بل هي ممارسة قائمة بالفعل، فإسرائيل ضمت القدس الشرقية منذ عام 1967، وباتت المدينة منذ ذلك الوقت خاضعة لقوانينها وتحت ادارتها. كما أن سلطات الاحتلال تطبق قوانين دولتها على المستوطنات والمستوطنين، وبالتالي تضمها فعلياً لإسرائيل. إن ما سعت اليه إسرائيل جاء لضم الأراضي الفلسطينية المصنفة بمناطق (ج) وإحكام سيطرتها القانونية والسياسية عليها، رغم أن إسرائيل راعت في اتفاق أوسلو أن تكون تلك الأراضي تحت سيطرتها الكاملة. إن الموقف الأوروبي الذي عارض بقوة ضم المناطق التي أعلنت إسرائيل عن نيتها بضمها لم يأت لأسباب تتعلق بعدم قانونية الضم، رغم عدم قانونيته فعلاً، ولكن لأن هذا الضم كان سيحسم وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة سياسياً بشكل نهائي.
وتشكل الأراضي الفلسطينية المصنفة بمناطق (ج) ثلثي مساحة الضفة الغربية، وأقلها كثافة سكانية، فتمثل المنفذ الطبيعي للزيادة السكانية المستقبلية للفلسطينيين. كما تعتبر تلك المناطق الاغنى بالمصادر الطبيعية أي مركز الموارد الاقتصادية للدولة الفلسطينية المنتظرة ومستقبل التنمية فيها. وتحتضن تلك المناطق القرى والمدن الفلسطينية وتربط بينها، أي تشكل محور الارتباط والتواصل بينها، وبدونها تفقد باقي مناطق الضفة الغربية الأخرى تواصلها ووحدتها. كما تتاخم منطقة (ج) جميع المناطق الحدودية سواء مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من الغرب والشمال والجنوب أو مع الحدود الشرقية مع الأردن أي أنها مصدر من مصادر السيادة للدولة الفلسطينية المستقبلية.
وتعاملت إسرائيل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ احتلالها عام 1967 وبعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 كأنها أراضي تخضع لسيادتها، ففرضت عليها سياساتها المتمثلة في مصادرة الأراضي والإحلال والتهويد بقوة الأمر الواقع من طرف واحد. وتعتبر إسرائيل قوة احتلال بإقرار مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ولم تغير الاتفاقات التي وقعتها مع منظمة التحرير من واقع ذلك الاحتلال، حسب ما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة. وتعتبر جميع إجراءات إسرائيل كقوة محتلة في الأراضي الفلسطينية إجراءات مؤقته غير معترف فيها، وهو ما تؤكده بنود تلك الاتفاقية أيضاً وكذلك قرارات مجلس الأمن الصادة بهذا الخصوص. أن القوة المحتلة لا تمتلك السيادة على الأراضي المحتلة، رغم امتلاكها للسلطة والسيطرة عليها. وتسعى إسرائيل صراحة من خلال مساعيها لضم تلك الأراضي لتحويل جميع إجراءاتها وسياساتها في الضفة الغربية المؤقته إلى حقيقة دائمة وفرض السيادة عليها بالقوة.
على الرغم من المتابعة الحثيثة والمستمرة لإجراءات وممارسات إسرائيل في الضفة الغربية، إلا أن نظرة عامة وشاملة وسريعة يمكن أن تفسر لنا الهدف من سياسات الاحتلال التراكمية عبر خمسين عاماً من الاحتلال، والتي كشف عنه نتنياهو بوضوع من خلال مشروعه لضم الأراضي الفلسطينية في منطقة (ج)، والذي لن تنتهي السعي لتحقيقه بخروج ترامب من الحكم، أو برفض دول الاتحاد الأوروبي الاعتراف به. تسيطر إسرائيل فعلياً على أكثر من 90٪ من الأراضي الفلسطينية، سواء تلك التي احتلتها عام 1948 والتي تشكل 78٪ من مجمل أرض فلسطين، أو تلك المتمثلة بمنطقة (ج)، والتي تشكل ثلثي مساحة الضفة الغربية، هذا إن افترضنا أنها لا تسيطر على الثلث المتبقي منها.
تنتشر المستوطنات الإسرائيلية في جميع مناطق الضفة الغربية، من خلال 150 مستوطنة و137 بؤرة استيطانية، سعت إسرائيل مؤخرا لاضفاء الشرعية عليها، بالإضافة إلى وجود أكثر من 540 موقع عسكري. وتحاصر الكتل الاستيطانية الضخمة الضفة الغربية من الشمال بمستوطنة أرئيل ومن الوسط بمستوطنة معاليه أدوميم ومن الجنوب بمستوطنة غوش عتصيون. وقسمت إسرائيل الضفة الغربية إلى أربـع منـاطق إستيطانية، ثلاثـة قطاعـات طوليـة تمتد من الشمال إلى الجنوب، ممثلة بالقطاع الشرقي على امتداد غور الأردن وشاطئ البحر الميت والقطاع الأوسط الذي يحتل قمـم سلاسل الجبــال التـي تقطــع الضـفة الغربيــة من الداخل ويخترق مدنها الرئيسية نابلس وجنين ورام الله والخليل وقطاع التلال الغربية المتواصل مع الخـط الأخضـر ومراكـز المـدن في إسـرائيل، هذا بالإضافة إلى المستوطنات في منطقة القدس.
نقلت إسرائيل عبر سنوات احتلالها الخمسين مئات الألوف من المستوطنين اليهود ليسكنوا في تلك المستوطنات. ولا تكمن المشكلة فقط في عدد هؤلاء المستوطنين الذي اقترب عددهم من المليون، وإنما تكمن في سعيها لخلق تفوق عددي في المناطق الاستراتيجية.على سبيل المثال يشكل الفلسطينيون اليوم حوالي 35٪ فقط من العدد الكلي لسكان القدس. وفي منطقة سلفيت شمال الضفة الغربية بات عدد المستوطنين مقارباً لعدد السكان الفلسطينيين، حيث يقيم المستوطنون في 27 مستوطنة، بينما يسكن الفلسطينيون في 19 قرية. ويعاني السكان الفلسطينيون ظروفاً مشابهة وغاية في التعقيد في الخليل أيضاً جنوب الضفة الغربية. استطاعت إسرائيل عبر كل هذه السنوات وعبر سياسات مصادرة الأراضي وحرمان الفلسطينيين من تراخيص البناء وهدم منازلهم أن تغير الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
واليوم هناك دولة للمستوطنين في الضفة الغربية تنتشر على امتداد مساحتها، تمتلك تواصل جغرافي ليس فقط فيما بينها وإنما مع المدن والقرى داخل الخط الأخضر، عبر شبكة طرق ضخمة. إسرائيل تسعى باختصار لتحل مكان الفلسطينيين، وتعتمد على عامل الزمن الذي ضمن هذا التطور الفعلي في مكانة الاحتلال والمستوطنين فوق الأرض الفلسطينية. الزمن الذي تعول عليه إسرائيل لا يكفل لها فقط تغير في وضع إسرائيل على الأرض بالقوة وإنما أيضا كفيل بتغيير ثقافة الفلسطينيين لاستيعاب هذا الواقع وثقافة العرب وشعوب العالم الحر أيضا على المدى البعيد.

الحوار المتمدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post استمرار الإغلاق للمدارس الابتدائية ومراكز رعاية الأطفال
Next post قصص المدار التاريخية ((زنوبيا حكاية عز للسيدات))