السلبيات التي تفرزها وصفة صندوق النقد الدولي

فلاح أمين الرهيمي

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_هل صحيح أن تطبيق الإصلاحات الاقتصادية المطروحة ضمن وصفة صندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة ستؤمن تطوراً حقيقياً على عكس التجارب السابقة في مختلف أقطار العالم في ظروف الأزمة الاقتصادية وفي ظروف الفوضى الأمنية والاستقطاب السياسي الراهن في بلادنا – إن (الإصلاحات الاقتصادية) التي تعتبر وصفة صندوق النقد الدولي في تطبيق الخصخصة لا يمكن الرهان عليها في حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية للعراق لأنها تؤدي إلى استقطاب اجتماعي واقتصادي أعمق ونشوء مافيات اقتصادية توظف حجمها الاقتصادي لضمان مواقع في البنية السياسية كما سيترتب على ذلك تهميش القطاع الصناعي والهبوط بقدرة الصناعات المحلية على منافسة السلع المستوردة من الخارج إضافة إلى تدهور القطاع الزراعي بفعل تقليص الدعم الحكومي ورفع الحماية عنه مما يؤدي إلى عجز المشروع الزراعي من منافسة المنتجات الزراعية المستوردة من الخارج التي أصبحت تغزو الأسواق المحلية العراقية مما يؤدي إلى تعميق في الاختلال في الميزان التجاري من خلال نقص التجارة الخارجية.
إن الانسياق وراء وصفات صندوق النقد الدولي الذي يدعو إلى الانفتاح على الخارج والاستفادة من الجوانب الإيجابية لعولمة الحياة الاقتصادية وفق شروط مناسبة. إن المطلوب هو بلورة منهجية واضحة تنتج التغلب على آليات النهب الذي يتعرض له القطاع وإجراء تقييم موضوعي شامل لمؤسساته قبل الإقدام على أي إجراء لتغيير الملكية، ولهذا يمكن بناء القطاع العام على معايير الكفاءة الاقتصادية والوظائف الاجتماعية التي تؤديها الدولة في الحقل الاقتصادي مع ضرورة تدعيم الرقابة المجتمعية على هذا القطاع واعتماد مبدأ الشفافية في تسييره وتنشيط دور الفاعلين الاجتماعيين المختلفين بما يعيد الاعتبار إلى الترابط الجدلي بين التنمية والديمقراطية. وقد بينت تجارب التاريخ عدم مصداقية وصواب الرؤيا التي تعتبر القطاع العام فاشل وشر مطلقاً والقطاع الخاص شراً مطلقاً والعكس هو الصحيح لأن المطلق في الحكم لا وجود له وغير صحيح وإنما الاعتماد والتقييم يأتي من النسبية لأن الاقتصاد علم ويعتمد على نظريات ومبادئ علمية وهنالك قاعدة تقول (إذا عجز التطبيق من متابعة النظرية فلابد من وجود خلل في التطبيق) وفي كل الأحوال والصحيح يعني أن ذلك البديل يكمن في استراتيجية تنموية متكاملة توظف كل القطاعات (العام والخاص والمختلط والتعاوني).
إن مصلحة الاقتصاد الوطني والعاملين في مؤسسات الدولة تقضي بأن تقوم الدولة العراقية بتقديم الإعانة لإعادة تأهيل هذه المؤسسات وتمكنها من استئناف عملها بعد أن تكلف وتوكل إدارتها إلى عناصر كفوءة ونزيهة ومخلصة ومن ثم إمهالها فترة زمنية معقولة لتثبت جدارتها الاقتصادية وبعدئذ تدرس إنجازاتها وتتخذ القرار المناسب بشأن بقائها جزءاً من القطاع العام أو خصخصتها جزئياً أو كلياً أو الاكتفاء بخصخصة إدارتها مع الاحتفاظ بملكيتها العامة وعلى أن تدرس حالة كل مؤسسة على انفراد مع الأخذ بنظر الاعتبار تعدد أشكال الملكية وإمكانية الفصل بين الملكية والإدارة. إن النهوض الاقتصادي الوطني هو إقامة علاقات تكاملية بين القطاعين العام والخاص المختلطة أو التعاونية وبما يستجيب لحاجات الاقتصاد الوطني وتطوره المتوازن والاعتماد على المنافسة في بعض المجالات وتطوير مختلف أشكال الملكية الخاصة والعامة المختلطة والتعاونية. وقد بينت تجارب النصف الأول من القرن العشرين فشل مشروع التنمية المستند إلى تنظيم الحياة الاقتصادية من قبل الدولة ولذلك المشروع الذي يعتمد على قوى السوق .. كما تؤكد الدروس المستخلصة من التجارب أن آلية السوق وحدها لا تؤدي إلى التخصيص والاستخدام الأمثل للموارد بل إن منطق تعظيم الأرباح يقود إلى نمو اقتصادي غير متكافئ اجتماعياً وإقليمياً وقطاعياً. فالسوق لا يثبت ذاته بنفسه بل يستدعي تدخل الدولة لوضع القواعد والمؤسسات المنظمة له. لذا فالحاجة تتطلب في هذه المرحلة وضع قوانين لمنع الاحتكار والتلاعب في السوق وحماية المستهلك وضمان حقوق العاملين. إن وضع الخصخصة من جانب والقطاع العام من جانب آخر لا يمثلان خيارات اقتصادية بل يعبران عن خيارات سياسية كبرى وخطيرة في آن واحد لأن جوهرها يعبر عن محتوى الدولة العراقية الجديدة وشكلها والوجهة التي تتخذها الدولة تستند إلى إرادة العراقيين وطن وشعب وإلى الديمقراطية وليس بالسماح لصندوق النقد الدولي أيضاً أن يمتد بإخطبوطه على الحياة الاقتصادية التي تعكس مصالح رأس المال العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

الحوار المتمدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post المدار تفتح ملف ثنائيات الفن (( التمثيل والإخراج عندما تكون الثنائيات متناغمة ))
Next post كيف يمكن أن تحظى سياسة بايدن تجاه إيران بفرصة للنجاح؟؟