تأملات وتحليلات لمناسبة حلول العام الجديد 2021

صبحي مبارك مال الله

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_مع إطلالة العام الجديد وشعوب الأرض تعيش حالات القلق والتوجس والخوف لما سينطوي عليه العام 2021 من أحداث ومتغيرات بسبب جائحة وباء كورونا وما سببته في العام الماضي من كوارث بشرية واقتصادية وسياسية وهل هناك أمل في القضاء على الوباء ؟ وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي وهذا يدفعنا إلى استقراء الماضي واستشراف المستقبل من خلال التأمل والتحليل بعيداً عن التشاؤم والعدمية وعدم المبالغة في التفاؤل ليس فقط فيما يخص الوباء بل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية .ونبدأ بالحدث الأهم وهو وباء جائحة كورونا حيث سُجلت آخر الأرقام إلى يومنا هذا أربعة وثمانين مليون مصاب 84,352,461 وعدد الوفيات مليون وثمانمائة وأربعة وثلاثون ألف وفاة 1,834,398 والمتعافين تسعة وخمسين مليون 59,621,230.
عند ظهور فايروس كوفيد -19 منذ سنة 2019 و الذي أصبح جائحة في أواخرها وسنة 2020 ولازال مستمر. ونتيجة الإهمال في اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل معظم الحكومات وعدم تقدير المخاطر والكارثة التي حلت أتسع الوباء بشكل مخيف وكذلك بسبب إتباع نظرية مناعة القطيع أي (دعو المرض يستمر وينتشر إلى حين حصول المناعة) كما جرى في السويد وبريطانيا ودول أوربا وتبعتها بعض دول العالم والاستخفاف بالمرض بشكل ملفت للنظر بالرغم من التحذيرات من قبل منظمة الصحة العالمية والعلماء والأطباء معتمدين على تجارب التعامل مع الأمراض الفايروسية ولاحظنا رئيس أمريكا ترامب كيف سخر من الإجراءات التي تحمي المواطن فأنتشر المرض بسرعة وكذلك تأخر الصين في التبليغ عن حدوث المرض، ولازال مصدر المرض مجهول فالبعض يقول الصين وآخر يقول إيطاليا والذين تضخمت عندهم الشكوك يعتقدون أن المرض حصل نتيجة التجارب الجرثومية في العشرات والمئات من المختبرات كجزء من إعداد الخطط للحروب الجرثومية واستخدام أسلحة الدمار الشامل لأجل إبادة الشعوب والاستيلاء على أراضيها وثرواتها ونتيجة التنافس والتزاحم بين الدول الكبرى على مثل هكذا أسلحة محرَّمة دولياً .وبعد ظهور الوباء بشكل واضح حدثت الصدمة التي جعلت الحكومات أن تستفيق من نومها وتدرك حجم الكارثة فاتخذت الإجراءات التي عملت عليها جيوش الأطباء ومساعديهم الأبطال و العاملين في الخدمات والتوعية الصحية وغلق الحدود بين الدول واستخدام العزل والتباعد الاجتماعي والالتزام بالتعقيم وارتداء الكمامات ومنع التجول وكذلك باشر العلماء بوضع وتنفيذ الخطط لإنتاج اللقاحات ومن خلال منظمة الصحة العالمية جرى التنسيق بين العلماء لتبادل الخبرات لأجل إنتاج لقاح ناجح. وبعد استمرار الكارثة وارتفاع أعداد الوفيات اعترف ملك السويد بفشل نظرية ( مناعة القطيع ) أمام الشعب السويدي وأعتذر منه وكذلك المسؤولين كما تراجعت بقية الدول وأخذت تتبع الإجراءات والقيود الصحية الصحيحة. كما كانت أستراليا ونيوزلندا أول الدول التي لم تطبق نظرية مناعة القطيع بل قامت بتطبيق القيود الصحية فكانت النتائج ممتازة مقارنة بالدول الأخرى. كما كشف الوباء ضعف وفساد الأجهزة الصحية وضعف وفساد الحكومات التي لم تأخذ الوباء على محمل الجد والآن بدأت مرحلة اللقاح والصراع بين الدول المنتجة له حول عقد الصفقات وبيعه وسوف يكون البيع طبقي فالدول الفقيرة لاتستطيع شرائه بسبب ارتفاع أسعاره ولهذا هناك أسعار مخفضة وأسعار مرتفعة في حين يتطلب من الدول الغنية مساعدة منظمة الصحة العالمية وتوزيع اللقاح مجاناً على الشعوب الفقيرة مثل(أفريقيا وآسيا) من وجهة نظر إنسانية . الجميع بانتظار نتائج التلقيحات كما أصبح واضحاً تحور الفايروس من مستوى إلى آخر أكثر خطورة وأكثر انتشاراً، إن الحفاظ على صحة البشرية يتطلب من الحكومات في جميع دول العالم أن تكون بمستوى المسؤولية وتوفر كل مستلزمات مقاومة المرض الجائح .
ماهي التداعيات التي حصلت نتيجة جائحة كورونا ؟التداعيات التي حصلت أثرَّت بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي والإقليمي والوطني وفي المقدمة خسارة وفقدان أكثر من مئتين مليون وظيفة وغلق الكثير من المعامل والمصانع والورش وغلق المحلات التجارية أو تقلص إنتاجها بسبب القيود الصحية و توقف التجارة العالمية وما يرتبط بها من نقل وتوزيع وتصدير وتوقف تصدير المنتجات الزراعية كما في أوربا ومنطقة الشرق الأوسط كما في لبنان وكذلك انكشاف الأزمات المالية والمصرفية وتوقف السياحة والطيران وخسارة آلاف المليارات وتراجع النمو الاقتصادي وانكماشه بنسب تنازلية إلى 4.4% كما سببت جائحة كورونا (الركود الاقتصادي) ومدى تأثيره على المجتمع و الفئات الضعيفة كالنساء والشباب فسبب هذا إحجام الناس طوعاً عن التفاعلات الاجتماعية خشية الإصابة بالفايروس، وبنفس الوقت ظهرت مشكلة كيفية التوازن بين حماية الصحة العامة من خلال القيود الصحية والإغلاق وبين الحيلولة دون استمرار الهبوط الاقتصادي لفترة طويلة. لقد كان الاقتصاد العالمي يعيش الأزمة الاقتصادية العامة التي يعاني منها النظام الرأسمالي قبل كورونا ولهذا ظهرت هشاشته أكثر وضوحاً عندما أصابته كورونا فأدى ذلك لحدوث اضطرابات اقتصادية ومالية في أسواق البلدان العالمية وبنفس الوقت جرت إغلاقات واسعة النطاق بحلول نيسان /أبريل، كان 150 بلداً قد أغلقت جميع المدارس وفرضت إلغاء التجمعات والفعاليات وإغلاق أكثر من 80 بلداً كل أماكن العمل لاحتواء تفشي الفيروس وفرضت قيود على السفر على نطاق واسع وقد أثرت الإغلاق الإلزامية إلى جانب التباعد الاجتماعي التلقائي من جانب المستهلكين والمنتجين تأثيراً كبيراً على النشاط والتجارة في العالم ثم حدثت تقلبات في الأسواق المالية، وتراجعات حادة في أسعار النفط والمعادن الصناعية وقد بينت التحليلات الاقتصادية بأن البلدان النامية قد تضررت اقتصادياً وهي تعاني من ضعف أنظمتها الصحية أو تعتمد اعتماداً كبيراً على التجارة أو السياحة أو تحويلات المغتربين من الخارج، أو تعتمد على صادرات السلع الأولية مع معاناتها من الضعف المالي وبالتالي ارتفعت مستويات ديونها عما كانت عليه قبل الأزمة المالية العامة العالمية فأصبحت تحت الضغوط المالية. كما أحدث الركود الاقتصادي تداعيات مستديمة على الإنتاج المحتمل بتقليص معدلات الاستثمار والابتكار وتآكل رأس المال البشري للعاطلين، والانسحاب من دائرة التجارة العالمية. وستكون الأضرار طويلة الأمد لجائحة كورونا شديدة خصوصاً في الاقتصاديات التي تعاني من الأزمات المالية، وفي البلدان المصدرة لمنتجات الطاقة بسبب انهيار أسعار النفط والمتوقع انخفاض الناتج المحتمل نحو 8%بتأثير الركود أو الكساد الاقتصادي وفي البلدان المصدرة للطاقة سيكون انخفاض الناتج 11% .ومن خلال ماحصل من جائحة كورونا فأن هناك متغيرات سياسية واجتماعية وثقافية وتعليمية حيث أنفجر الموقف في الدول التي ارتفعت فيها البطالة وازديادها بسبب غلق المصانع والمعامل حيث أصبح الآلاف من العمال بدون عمل فهناك دول قامت بصرف مُنح مالية للتخفيف من الأزمة وكذلك مساعدة القطاع الخاص للمهن الصغيرة وكذلك مساعدة العاملين في القطاع الخاص مثل ما حدث في أستراليا ولو أنها قليلة إلا أنها خففت من المعاناة كذلك تأجيل دفعات القروض والإيجارات الخ من الإجراءات، و في بلدان أخرى أفلست ولم تستطع دفع رواتب موظفيها أو رواتب المتقاعدين مثل العراق ولبنان والجزائر وتونس وغيرها من البلدان العربية مما أدى ذلك إلى خروج التظاهرات الاحتجاجية وانطلاق انتفاضات ثورية للمطالبة بإسقاط الأنظمة والحكومات كما في العراق ولبنان والسودان. لقد انكشفت الحكومات الطائفية الضعيفة الفاشلة والتي ساد فيها الفساد وتحكم المليشيات فيها وارتفاع حدة الصراع بين كتل الطبقة السياسية الفاسدة. لقد جوبهت انتفاضة تشرين العراقية المجيدة بالحديد والنار والاغتيالات والخطف من قبل السلطات الأمنية القمعية.كما كشفت جائحة كوروناه ُزال وضعف الأنظمة السياسية في الكثير من البلدان. و أزداد ضغط المؤسسات المالية (صندوق النقد الدولي،والبنك الدولي) حيث مارست هاتين المؤسستين الضغوط الاقتصادية ورفع نسب الفوائد لتقديم القروض، كما إن الصراع الدولي وعودة الحرب الباردة بين أمريكا وحلفائها من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى وفرض العقوبات والتسابق على صناعة السلاح وازدياد الشعوب تخلفاً ومعاناة من جراء النظام الرأسمالي المتوحش بسبب فقدان العدالة الاجتماعية. وحصلت في الوقت نفسه الانتخابات الأمريكية المعقدة وقد حسم الشعب الأمريكي موقفه بانتخاب بايدن بالضد من ترامب وسوف تحصل متغيرات على صعيد الإدارة الأمريكية الجديدة وسياستها . وحصل التطبيع المُذل بين عدد من الدول العربية وإسرائيل تحت ضغط أمريكي وتنفيذ صفقة القرن مقابل إغراءات مالية ضخمة وبدون مشاركة السلطة الفلسطينية بعد ان تم تجاهل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن من طرف واحد بعدم تنفيذ حل الدولتين. واحتدام الصراع الأمريكي الإيراني حول البرنامج النووي الذي أنسحب منه ترامب. وقد اشتعلت الحروب المحلية الأهلية في منطقة الشرق الأوسط كما في سوريا واليمن وليبيا وازدياد التدخلات الأجنبية في شؤونها. من بعد جائحة وباء كورونا سوف تحدث متغيرات سياسية عالمية وإقليمية ووطنية من جهة الإصطفافات وتغير المواقف فالعالم على أبواب التغيير للأنظمة الدكتاتورية والطائفية من خلال التحليل للأزمات المتراكمة البنيوية والمالية. و يلاحظ ظهور دولتين لهما تأثير في زيادة حدة الأزمات والصراع الإقليمي وافتعال الحروب وهي تركيا وإيران ولاحظنا الاستفزازات التركية في البحر الأبيض المتوسط وتحت حجة التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية وتهديد الأمن اليوناني ومساندة وتدخل تركيا لصالح حكومة أذربيجان ضد الجمهورية الأرمينية واحتلال كاراباخ وإرسال المرتزقة من تركيا إلى ليبيا للاشتراك في الحرب الأهلية الليبية. كما أنتج الوباء العالمي تجميد النشاطات السياسية والثقافية والتباعد الاجتماعي الطوعي والقسري مما أنعش الحكومات التي تخاف من شعوبها . وتعطل التواصل المباشر على مستوى التعليم واللجوء إلى برامج خدمية اليكترونية لعقد المؤتمرات والندوات والتعليم عن بعد. والنتيجة المؤلمة هو ازدياد البطالة، ارتفاع خط الفقر، والدول الفقيرة ازدادت فقراً وانحسار النشاطات الثقافية والسياسية والتي تغذيها مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات السلام وغيرها من منظمات المجتمع المدني . ولكن بنفس الوقت استعادت القوى السياسية اليسارية والديمقراطية إصطفافاتها وكذلك القوى اليمينية المتطرفة وبروز التمييز العنصري من جديد والعودة إلى رفع شعار تفوق العنصر الأبيض و ظهور النازية الجديدة كما في أمريكا.فالسنة القادمة حُبلى بالأحداث والمفاجآت وعلى الشعوب أن تكون مستيقظة .

الحوار المتمدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post الاتجار بآلام الفلسطينيين يحقق الثروات
Next post مركز الزيتونة يصدر كتاباً جديداً عن الاعتداءات الإسرائيلية على المرأة في الضفة الغربية وقطاع غزة