الدول الفقيرة ولقاحات كورونا!
فهد المضحكي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ثمة مخاوف من ان تتخلف الدول الفقيرة عن ركب الحصول على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، لان الدول الغنية تتسابق في «تخزين» الجرعات اكثر من حاجاتها!.
يقول أحد المختصين في الائتلاف العالمي المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الاوبئة: إذا انتشرت حالياً في ارجاء العالم صور تظهر سكان البلدان الغنية يتلقون التطعيم بينما لا يحدث شيء في البلدان النامية فهذه مشكلة عويصة وكبيرة جداً.
فالمشكلة، إذاً، ان فيروس كورونا سيواصل الانتشار وحصد الأرواح في حال عدم حصول البلدان «المنخفضة والمتوسطة الدخل» على اللقاح المضاد له.
ووفقاً لما ذكره الموقع الألماني (DW) دعا وزير الخارجية الألماني هايكوماس إلى التفكير خارج الحدود الوطنية فيما يتعلق بلقاحات فيروس كورونا، جاء ذلك في تصريح له يقول فيه: «لن يكون كل واحد منا بأمان الا اذا كنا جميعاً على مستوى العالم بمأمن من هذا الفيروس«محذراً من انه من الممكن ان يعود الفيروس إذا لم يكن هناك توزيع للقاحات على مساحات عريضة على مستوى العالم، ولذلك لابد من الانتباه إلى أهمية الا يتم قطع امدادات اللقاح عن مناطق بأكملها».
حسب المصدر فإن هذا التوجه حاضر في سياسات الدول الغنية منذ بداية الجائحة، على الأقل على المستوى الظاهر، ففي نوفمبر الماضي سارعت دول مجموعة العشرين التي تضم أكبر قوى اقتصادية في العالم، إلى تبني هذا المطلب رسمياً.
ولكن بعد اكتشاف اللقاحات لم تترجم الدول الأوروبية هذه التعهدات على أرض الواقع، بل انطلق سباق محموم لتأمين أكبر قدر من الجرعات وطنياً دون الاكتراث بوعود قُطعت.
وهو مشهد يذكرنا بما حدث عند بداية الجائحة حين«تحاربت» الدول فيما بينها لتأمين حاجاتها من الكمامات الواقية من الفيروس!.
أظهر تقرير لصحيفة«لوس انجلس تايمز»الامريكية كيف ان الدول الغنية وفرت لنفسها جميع الامدادات العالمية من اثنين من اللقاحات البارزة ضد فيروس كورونا.
حيث حجرت ما ينتج منها حتى نهاية عام 2021، بينما تواجه الدول الأكثر فقراً فترات انتظار طويلة لكي تحصل على الجرعات الأولى من اللقاح، ما قد يؤدي إلى ازهاق مزيد من الأرواح بين المصابين خاصة مع ظهور سلالة متحورة من الفيروس بنسبة عدوى تصل إلى خمسين بالمائة عن سابقاتها وفق دراسة بريطانية.
ولم يندهش الخبراء من هذا الوضع لكون ان عدم المساواة في الحصول على اللقاحات ما هو الا نتيجة متوقعة لنظام صحي عالمي يخضع لحسابات المال أكثر من الاهتمام بسلامة البشر، وينظر إلى اللقاحات على انها منتجات تجارية طورتها حفنة من شركات الأدوية العملاقة وسجلت حقوق الاختراع الخاصة بها باسمها.
أدت الفجوة بين انتاج اللقاحات وبين الحصول عليها إلى إطلاق دعوات لاتخاذ اجراءات طارئة تسمح للدول الفقيرة بتصنيع واستيراد انواع من اللقاح ليس لها حقوق ملكية فكرية.
وكانت كل من الهند وجنوب افريقيا أول من طلب منظمة التجارية العالمية، برفع قيود حماية الملكية الفكرية عن هذه الأدوية، مثلما فعلت مع الأدوية الخاصة بمقاومة الفيروس المتسبب لفقدان المناعة (آيدز) في خطوة كان لها دور بارز في انقاذ حياة الملايين في افريقيا.
بيد ان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، عارضت هذا الاقتراح باعتبار ان تطوير اللقاحات ما كان ليحدث«لولاء براءة الاختراع».
هذا الموقف دفع منظمات الاغاثة الانسانية التي تؤيد الدعوة – ووصفتها بأنها«لقاح الفقراء»– إلى دق ناقوس الخطر، ففي حال لم تستجيب القوى الكبرى لهذا الطلب فإنه«تسعة من بين كل عشرة أشخاص في العديد من الدول النامية لن يحصلوا على اللقاح المضاد لكورونا في هذا العام»هذا ما قاله«نيكول وزياني»احد كبار المستشارين لمنظمة«اوكسفام امريكا»الخيرية الدولية. جاء ضمن هذا الموقف فـ«إذا لم نفعل شيئاً، فسنصل إلى اواخر 2022 اوائل 2033 قبل ان نقوم بتطعيم حتى نصف سكان دول العالم بدخل منخفض».
آمنت الحكومة الامريكية 1.1 مليار جرعة من ستة لقاحات تخضع لمراحل مختلفة من التطوير وذلك وفقاً لما يقوله الركز العالمي للابتكار في المجال الصحي بجامعة ديوك الامريكية، ومن المتوقع ان تحصل الولايات المتحدة على جرعات تفوق ما تحتاجه لتطعيم جميع سكانها، الشيء ذاته قامت به دول غنية أخرى، مؤمنة ما مجموعه 2.9 مليار جرعة اضافية في إطار اتفاقيات ثنائية مع شركات الأدوية.
ووسط مشهد يحكمه «البقاء للأقوى» تبدو عملياً مبادرة «كوفاكس»(مبادرة وقعت عليها 189 دولة من أجل إتاحة لقاحات كوفيد 19 على الصعيد العالمي بشكل منصف) الفرصة الوحيدة بالنسبة للدول الفقيرة للحصول على كميات كبيرة من اللقاح في هذا العام، وهي مبادرة دشنتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمات غير ربحية، تسعى إلى التوزيع العادل للقاحات عن طريق التفاوض من اجل سعر تفضيلي مع شركات الأدوية، واعطاء جميع الدول بغض النظر ما إذا كانت فقيرة أو غنية فرصاً متساوية للحصول على اللقاحات.
ووقعت أغلب دول العالم على هذه المبادرة باستثناء الولايات المتحدة، وذلك لضمان الحصول على اللقاحات في حال فشلت الصفقات الثنائية مع شركات الأدوية!.
وما زاد الطين بله ان دولاً غنية قوضت مبادرة»كوفاكس«بتوقيع اتفاقيات جانبية مع شركات الأدوية، مما يقلص كميات اللقاحات المتاحة، لكن ذاك سيكون له أثر عكسي، فقد حذرت دراسة لمؤسسة البحث والتطوير الامريكية (راند) في حال احتكرت وخزنت الدول الغنية والمنتجة للقاحات على الجرعات اللازمة لمقاومة الجائحة، فمن المتوقع ان يخسر الاقتصاد العالمي 292 مليار دولار، مقارنة بوضع يمكن ان يحصل فيه الجميع على اللقاحات.
ويرى الخبراء أنه حتى لو حصل جميع الامريكيين على اللقاح، فسيعرضون لخسائر اقتصادية ناجمة عن ان اقتصاديات الدول الأخرى لن تكون قادرة على التعافي مرة أخرى.
ان عدم المساواة في الصحة العالمية ليس بالأمر الجديد، وتقدر منظمة الصحة الالمانية ان ما يقارب من 20 مليون طفل لا يحصل على اللقاحات كل عام؟
وتظهر الابحاث انه خلال فترة انتشار وباء»انفلونزا الخنازير» عام 2009 هيمنت اتفاقيات الشراء المسبق مع الدول الغنية على امتدادات اللقاح!.
في حين كانت التحذيرات من فجوة في الصحة العالمية لان 90 في المئة من العقاقير في العالم تخدم 10 في المئة من سكان العالم وهو ما يعكس عدم المساواة جراء التوزيع غير العادل.
الحوار المتمدن