صابر حجازي يكتب عن: “لسة فاكر” مجموعة شعرية لـ قطب صلاح رمضان
قطب صلاح رمضان شاعر شاب، وصوت عذب من الأصوات الشعرية المعاصره، بدأ مسيرته الشعرية ، باصدار أول مجموعة شعرية بعنوان:” لسة فاكر” سنة 2016 م، “.
ومن يتعمق المجموعة الشعرية التي صدرت للشاعر يدرك أنه عمل على تطوير مضامينه الفكرية، وأدواته الفنية بدأبٍ وإخلاص بوصفها الوسيلة الأولى للسير على طريق الشعر الطويل.
يقع الديوان في(116) صفحة ، ويضم(22) قصيدة، تتراوح بين الطول والقصر، وقد صدر في طبعة أنيقة، فضلاً عن اشتماله على إهداء شعري طويل نوعاً ما، إذ جاء متعدداً، فشمل كلاً من: الأب والأم، والأخوات ، والشهيد، وعشاق شعره، وهذا الإهداء بوصفه عتبة نصية يشي بما تصطبغ به قصائد الديوان من روح إنسانية وأسرية، مفعمة بصدق العاطفة وتوهجها.
يضم هذا الديوان قصائد عديدة ومتنوعة في موضوعاتها: الوطنية، والعاطفية الحزينة، والقصائد العامة، بيد أن الرؤية العامة في هذا الديوان تتألف من بعدين أساسيين هما: البعد الوطني والبعد العاطفي، وهما يمتزجان معاً امتزاجاً عضوياً بارعاً؛ الأمر الذي ضمن لهما درجة عالية من النضج والعمق والتكامل.
,ونلمس انشغل الشاعر بالهم الوطني انشغالاً كبيراً، فالارهاب الذي يضرب مصر، والاختلافات السياسية ، ومحاولات زرع الفتن بين ابناء الشعب الواحد ، كل هذه المضامين أقضّت مضاجع الشاعر، فانعكست في تجربته الشعرية، فأخذ يدعو إلى الوحدة والصمود والتحدي والمقاومة.
وقد تضاعف لدى الشاعر الانشغال بالهم الوطني، وما ترتب عليه من تمزيق لشبكة العلاقات الإنسانية بين الأخوة، يقول في قصيدة له بعنوان ” يعني إيه كلمة وطن” يقول فيها :
ــــ
يعني جندي بالعيون السمر
واقف ع الحدود
يعني ريحه من الجدود
يعني إيمانك بجيشك
هوه وطنك
معنى باقي للخلود
زي عملك أكل عيشك
الجنود تحمي اللي صاحي
واللي نايم
كل جندي غالي عندي
زي كنز
الجنود ثروه وعز
لو بتكره يوم جنودك
تبقى مش داري بحدودك
أو بأهلك
والشيطان يبقى صديقك
تكره البلد الأمين ..!!
تبقى زي عدونا
راصد لنا مليون كمين
إنت مين ..؟!
إنت مين من غير وطن ؟!
إنت جيفه بدون كفن
أو كلاب ملهاش سكن
إنت شئ ملعون أكيد
تبقى جاهل أو بليد
بس عايزك تفتكر
إن جيشك ضحى بالدم
اللي عمره ما كان
رخيص
لو هتنكر ..!!
تبقى فعلا مش معانا
ومش حسيس
وان أصلك كان خسيس
عُمْر ما يشوفك زمن
ولا حتى هتشوفك عيون
ولا يوم هتعرف
يعني إيه كلمة
وطن
ـــ
وفي مكان آخر عبّر الشاعر عن أزمة الإنسان المصري ، فصّور بلغة بليغة ، وبأسلوب الاوجاع المرة، في قصيدة بعنوان:”ابن الوطن” :
ابن الوطن
___________
ابن الوطن بينادي
إصحي يا أهل بلادي
ثورتنا ليه بتضيع
والدم ع الأيادي
ليه نعيش الضياع
ليه الأمل يتباع
في كل سكه وسوق
بكلام كدوب خدّاع
من حلمنا صحونا
كاس الوجع وسقونا
وبالرصاص ورمونا
فوق الضياع بنموت
وبين مسا وصباح
ودموع قلوب وجراح
الظلم أصبح ليل
دايس على الأرواح
فتحوا الخزن لموه
دهب الجدود وخدوه
وسلاح لنا وباعوه
نضرب في بعضينا
صرخت بعلو صوتي
يا بلادي مش هتموتي
روحي وعمري فداكي
ملعون أبوك يا سكوت
إنه يدرك الرسالة الفكرية والأخلاقية والتأثيرية التي يحملها الشاعر تجاه وطنه، لذا نجده يسعى إلى تحريض وترسيخ القيم ومحبة الوطن الي حد يذل النفس فداء للوطن ، يقول في قصيدته” مش خسارة ” : مخاطباً شهداء الواجب :
مش خساره يا بلدنا
____________
الشهاده مش خساره
لجل ما تهل الرياده
لجل ما تعم السعاده
لجل ما تكوني في زمنك
نبع عزه وتاج كرامه
مش خساره يا بلدنا
الشهاده مش خساره
كل واحد في مكانه
جندي يتمنى الشهاده
بالعمل هنكون ونبقى
فوق جبين الدنيا رايه
إبني / ولدي يا شهيد
ياللي دمك راوي أرضي
ياللي بتضحي بروحك
ياللي دمك هوه دمي
ضحي يا ابني
لجل أمك
لجل ابوك
لجل أختك
لجل اخوك
لجل كل اللي ف بلدنا
همّه أهلك
همّه ناسك
جوه حارتك
جوه شارعك
جوه أحلامك وعمرك
( مصر ) فيهم كلهم
شوف يا ولدي
الشهاده مش خساره
آه يا أمي
الشهاده مش خساره
بس لازم تكتبوها
يوم شهادتي
الله أكبر .. مات شهيد
واعملولي زفه حلوه
عشان أنا يومها العريس
المتأمل في تجربة الشاعر الإنسانية يدرك أنه يمزج في شعره الخاص بالعام، فينبثق من همّه الوطني همه القومي، ومن همه الذاتي الهم العام، فمأساته جزء من مأساة وطنه، وأن الخاص الذي ألحَّ عليه في قصائده يتعين أن يتوحد في العام في تجربته الشعرية يقول في قصيدة بعنوان” لسة فاكر” “:
لسَّه فاكر
ــــ
لسه فاكر
طلعة الصبح ف عينيه
لسه فاكر
لما كان الفجر ينده
اروح بفرحه امسك إيديه
لسه فاكر
نظرة الطفل الحنون
لما كان العمر
في عقله الصغيِّر
صفحه بيضه
خاليه من وهم وظنون
كان يشوف البدر طالع
يرفع الكفين يحوَّط طلته
لما كان بيشوف أبوه
كان يعيش جوه أحلام نظرته
نظرة الأب اللي فوَّض
كل شئ لله وكيله
حتى أمي
كات بتدعي كل يوم
كات بتتمنى الحياه
تصبح في عين كل البشر
مليانه نور
لسه فاكر
لما كنت هناك بذاكر
جنب شجرة توت
على شط البحور
لما كات العين تدمَّع
لما عنـَّا يروح حبيب
يخطفه صمت القبور
لا وربي عمري ما انسى
آاه يا أمي
دا انتي ساكنه جوَّه دمي
لو هتسأل إنت ناكر
راح أقولك مستحيل ..
انكر بلادي
مستحيل ..
دا انا لسه فاكر
ــــ
يتألف هذا البعد من الخيوط الشعورية والنفسية المتشابكة، هو مزاج من المشاعر والأحاسيس المختلفة؛ الأمر الذي أكسب قصائد هذا البعد قدرا طيبا من التنوع والغنى.
وتتردد ملامح هذا البعد ما بين تنوع التجارب الخاصة وتتعدد. إنه يتحدث عن محبوبة تتصف عن غيرها من الفتيات الأخريات فهي تتسامى وتتسامق، لتصل إلى مرتبة الانثي \ الوطن ،يقول في قصيدة بعنوان” سلام فرحان”:
سلام فرحان
ــــ
ما يكفيني الكلام
والقول
ولا ممكن أكون
مشغول
عن الحب اللي ساكني
وآه منّي ..
يا فرط القلب يا منّور
ضيا النني
سلام فرحان
لأهلي هناك
سلام مهما أقول
بهواك
ولو مره باحس
بإني بيك مشغوف
هابص على حدود الشوف
هشوفك فوق جبين أرضي
بتتمايل على الطبله
وع المزمار
عاشق وطني ..
يا ( مصر ) يا أُمتي وعرضي
سلامي يا ( نيل ) من الغُربه
سلام حنَّان
سلام إنسان
ولما يكون سلامي للبلد
والناس
يكون دايما سلام
فرحان
ــــ
الصورة الفنية في الأبيات السابقة نابضة بالحياة والحيوية، إنها مبنية على مستويين: حقيقية ومجازية، تذوب بينهما الفواصل والحدود، فلا يُدرى إن كان الشاعر يخاطب الوطن أم المحبوبة، إذ حدث تماهٍ واندغام بين الصورتين.
وللتعبير عن خيوط البعد العاطفي والوجداني يعمد الشاعر إلى استثمار العامية المصرية في البناء الفني للقصيدة بما تمتلكه من طاقات نغمية ثرة، وقدرات غنائية تندغم مع نسيج رؤيته الشعرية، وطبيعة أدواته الفنية ،محدث عن حلمة وذاتة يقول في قصيدة أخرى بعنوان: ” حلم مسجون في السطور “:
حلم مسجون في السطور
ـــ
حلم مسجون
جوّه قضبان السطور
حلم متحاوط بآهه
وألف سور
حلم واقف ع الطريق مكسور
جناحه
بس نفسه في يوم يقول ..!!
مهما كان الجرح علـِّم
لسّه عايش مش هاسلِّم
لسّه مؤمن ..
إن حلمي أكيد قريب
وان مهما أكون غريب
مش هقول لليأس فوت
عمر أرضي ما كات خراب
مش هاروح للموت
واموت
خطي خطوه ..
الحلم يبقى .. بعد ما تعافر
وتشقى
تلقى كل الهم راح
والحياه جوَّه العيون
ضي وأمل
لو هتصبر
راح تنول ..!!
هي دي كل القصيده
بعدها مش راح أقول
ــــ
القصيدة في معمارها الفني تتلاءم مع البعد العاطفي الذي يصوره الشاعر،من حيث التلاعب بالقوافي، والأنغام الموسيقية العذبة التي تتدفق من الألفاظ الرقيقة المموسقة ذات الإيقاع المنساب، لتشكل وحدة نفسية ومعنوية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
إن أصالة التجربة الإبداعية لدى الشاعر أكسبت شعره طابع البساطة والرقة، فهو قادر على أن يبعث في المفردة المنتقاة نبضاً متجدداً، وجوّاً ثرياً، بالإيحاءات والدلالات الغنية مثلما الحال في قصيدة “يارب راجي الهدي “.
يا رب راجي الهدى
ــــ
يا رب راجي الهدى
منك في شهر الكرم
كلي آثام مرعبه
فضفض يا دمع الندم
فتحت باب رحمتك
بمغفره وتوبه
إقبلني يا تواب
وأحسها النوبه
العاصي يرجع لك
إنت كريم غفار
نلقى الرضا منك
ما نشوف جحيم النار
دا المؤمن اللي خطا
راجع يتوب طاهر
راضي مقام ربنا
يلقاه كريم غافر
ـــ
والناظر المدقق في قصائده يجدها تمتاز بالصدق، والطابع الرومانسي الحالم والشفافية، وتتسم بالرقة والعذوبة، زاخرة بالمعاني العميقة، والصور الشعرية المشرقة والمكثفة بأضوائها الساحرة.
ضحك
_________
إضحك في ساعة وجع
وافرح في وقت الأسى
قول للي فات لو رجع
إن اللي كان اتنسى
عدي الهموم عدي
خليك جبل شيّال
لو بال بيوم انشغل
مات في الغرام موَّال
يا بكره راح تمضي
هدي الخُطا هدي
الخوف شيطانه رهيب
يملا الخيال والنفس
والليل هسيسه دبيب
بين السكون والحس
القلب لما يشيل
فيه الأمل فلاح
موصول بصبح جميل
والمرسى نور ورباح
إضحك في ساعة وجع
وافرح في وقت الأسى
قول للي فات لو رجع
إن اللي فات اتنسى
وديوان” لسة فاكر ” ما هو إلا بطاقة تعريفية للشاعر “قطب صلاح رمضان ” حيث انة اول اصدار ادبي لة ولكنة علي العموم استطاع عبر متخيله الشعري ان يقدم ألحان عذبة ينبعث منها الأمل والبقاء، .