لا داعي لأن يتسرع بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لنزع فتيل التوترات
دينس روس
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ لا يُخفى أن المفاوضات مع الإيرانيين حول التوصل إلى اتفاق نووي ليست سهلة على الإطلاق. ولكن إذا أرادت إدارة بايدن إجراء مفاوضات متابعة تتطلب الحصول على المزيد من جهة الإيرانيين بينما تمنحهم أيضاً المزيد من حيث الفوائد الاقتصادية وليس فقط تخفيف العقوبات، فقد يكون من المنطقي عدم الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي.
استأنفت يران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في منشأة “فوردو” السرية المبنية فعلاً داخل جبل. ومع تخصيب هذا العنصر الكيميائي إلى هذا المستوى، لن تكون إيران بعيدة عن إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع أسلحة نووية. وهذا بالتأكيد أكثر الخروقات الإيرانية إشكاليةً لأحكام «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني.
ولكن لماذا يحدث ذلك الآن؟ من الواضح أن إيران قررت ممارسة الضغط على إدارة بايدن، حيث تتمثل رسالتها، في الواقع، في أنه مهما كانت أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، فحريٌ بها التعامل مع الجمهورية الإسلامية قريباً. وكما لو أن الإيرانيين أرادوا التأكيد عن عزمهم على التصرف، كونهم مشكلة يجب معالجتها، فقد استولوا أيضاً على سفينة مسجلة في كوريا الجنوبية في مضيق هرمز.
ومن الواضح أن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وفرضها أقصى درجات الضغط الاقتصادي لم تنجحا في تغيير السلوك الإيراني، لكنهما نجحا بالتأكيد في إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الإيراني. واليوم تحتاج إيران إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها وتريد من الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» من خلال رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي.
وبعد أن سبق للرئيس جو بايدن أن أبدى رغبته في السعي لإعادة الانضمام إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ألا يكون الإيرانيون يطرقون بذلك باباً مفتوحاً؟ ليس هذا ما يحصل فعلياً، لأن موقف الرئيس بايدن هو الامتثال مقابل الامتثال، مما يعني أنه لا يمكن للولايات المتحدة رفع العقوبات قبل عودة الإيرانيين إلى الامتثال لشروط الخطة – ووفقاً لمعظم التقديرات، سيستغرق هذا الأمر بضعة أشهر [لضمان] حصول ذلك. (إن معاودة الامتثال ليست بسهولة كضغطة زر؛ ولإعطاء مثال واحد فقط على ذلك، جمعت إيران أكثر من 2400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، أي ما يقرب من 12 ضعف الكمية المسموح بها في «خطة العمل الشاملة المشتركة وسيستغرق الأمر وقتاً لتصديره أو تخفيفه). بالإضافة إلى ذلك، يطالب الإيرانيون بتعويضات عمّا كلّفتهم العقوبات ويصرون على أن تقوم الولايات المتحدة، وليس إيران، بالخطوة الأولى. وجدير بالملاحظة أن آية الله علي خامنئي شدد مؤخراً على أن الغرب ملزم برفع العقوبات على الفور، معلنا في الوقت نفسه “أننا لسنا في عجلة من أمرنا لعودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». فهذه ليست المشكلة بالنسبة لنا. … إذا لم يتم رفع العقوبات، فقد لا تكون عودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» لصالحنا. (…) وبالطبع، إذا عادوا إلى التزاماتهم، فسنعود إلى التزاماتنا”.
وبعبارة أخرى، تقع المسؤولية على عاتق واشنطن، والغرض من أعمال إيران الاستفزازية هو دفع إدارة بايدن إلى نزع فتيل المشكلة من خلال تخفيف العقوبات على إيران قبل القيام بأي خطوة أخرى. وفي حين قد يكون الرئيس الأمريكي مستعداً لتقديم الإمدادات الإنسانية والطبية، إلّا أن شرطه بالامتثال مقابل الامتثال يشير إلى أن تخفيف العقوبات غير ممكن طالما تنتهك إيران «خطة العمل الشاملة المشتركة».
وتتمثل إحدى الطرق الكفيلة بكسر الجمود وجعل الضرورة فضيلة هي قيام الولايات المتحدة بتحويل تركيزها من معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي بعد عودة إيران إلى الامتثال الكامل، إلى اتفاق قائم على مبدأ “أقل مقابل أقل”، أي أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات بدرجة محدودة، بينما تتراجع إيران عن أعمالها المخالِفة للامتثال. على سبيل المثال، أن تسمح واشنطن لطهران بالوصول إلى بعض حساباتها المجمدة في الخارج، مقابل وقف إيران لعمليات التخصيب إلى نسبة 20٪، وتقليص مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب من أكثر من 2400 إلى 1000 كيلوغرام، وتفكيك مجموعات أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لديها.
وسيكون هناك العديد من الفوائد لمثل هذا الاتفاق المتمثل بـ “الأقل مقابل الأقل”: فسيقلص البرنامج النووي الإيراني بطريقة من شأنها أن تمدد زمن تجاوز العتبة النووية وتجعله أقل تهديداً؛ كما سيحافظ على نظام العقوبات الخاص بالولايات المتحدة وبالتالي على نفوذها، وسوف يُكسب واشنطن الوقت لمحاولة إنجاز الاتفاقات طويلة الأجل التي يسعى إليها الرئيس بايدن والتي يأمل أن تمدد أحكام انقضاء الاتفاق النووي من جهة وتؤدي إلى تفاهمات موازية بشأن الصواريخ الباليستية وسلوك إيران في المنطقة من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك سيسهّل هذا الاتفاق إلى حد كبير كسب بعض التأييد من الحزب الجمهوري نظراً لمعارضته شبه الموحدة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، حتى وإن كان ذلك سيحد من التهديد النووي الإيراني الذي هو من تركة ترامب. وأخيراً، هناك احتمالٌ أكبر في أن يؤدي هذا الاتفاق إلى طمأنة الإسرائيليين والإماراتيين والسعوديين الذين يخشون العودة المبكرة إليه، في حين أن رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي لن يعطي الإيرانيين سبباً يُذكر لتغيير سلوكهم المهدّد في المنطقة.
ولا يُخفى أن المفاوضات مع الإيرانيين ليست سهلة على الإطلاق. ولكن إذا أرادت إدارة بايدن إجراء مفاوضات متابعة تتطلب الحصول على المزيد من جهة الإيرانيين بينما تمنحهم أيضاً المزيد من حيث الفوائد الاقتصادية وليس فقط تخفيف العقوبات – وهو أمر سيتطلب دعم الكونغرس – فقد يكون من المنطقي عدم الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي. بعبارة أخرى، إذا أرادت واشنطن الوصول إلى “المزيد مقابل المزيد”، عليها أن تبدأ بالأقل مقابل الأقل.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى