السلطان العماني يختتم عامه الأول بتعيين وريث وقيادة عسكرية جديدة
إلينا ديلوجر
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_بعد مرور عام على حكمه، أعاد السلطان هيثم هيكلة نظام الخلافة في عُمان ليصبح قائماً على البكورة. وشمل ذلك تعيين ابنه كوريث، وإقالة بعض القادة، وتسليط الضوء على نفوذ أخيه. إلّا أن تركيز الحكومة الأساسي لا يزال ينصب بشكل مباشر على الإصلاح الاقتصادي.
بعد مرور عام على حكم السلطان هيثم، يبدو أنه يضع اللمسات الأخيرة على عملية تغيير الصيغة الحكومية والتراتبية الهرمية للعائلة المالكة في عُمان بما يتناسب مع رؤيته للتحديات المقبلة. وتُعتبر هذه التغييرات خطوة هائلة وتاريخية للبلاد، حتى لو لم تحظَ باهتمام يذكر من الخارج.
في آب/أغسطس الماضي، قام السلطان بتوزيع ألقابه التقليدية، كوزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير المالية ورئيس مجلس محافظي “البنك المركزي”، على أشخاص آخرين من بينهم أفراد من خارج العائلة المالكة. كما قام بتشكيل حكومة جديدة، من خلال تركيز معظم التغييرات على الحقيبتين الاقتصادية والمالية.
وبعد خمسة أشهر، أعاد كتابة أجزاء من الدستور (شملت لغة جديدة تُعيّن وريث رسمي للمرة الأولى)، وأوضح القانون الذي يحكم “مجلس الدولة العُماني”، واستبدل معظم القادة العسكريين، وأصدر ميزانية تتماشى مع الأهداف الاقتصادية لخطة سلطنة عُمان المعروفة بـ «رؤية 2040». ومن المتوقع إصدار المزيد من المراسيم في الأسابيع المقبلة تكلل هذا الإصلاح الشامل. وتشير الإصلاحات التي قام بها السلطان حتى الآن إلى أنه يفضّل إضفاء الطابع المهني على الحكومة، وتوضيح المسؤوليات، وتفويض المهام على نطاق أوسع.
هل يُحرق المظروف؟
إنّ التغيير الأكثر لفتاً للنظر هو إعادة هيكلة نظام الخلافة بشكل جوهري ليصبح نظاماً قائماً على البكورة. ففي عهد السلطان الراحل قابوس، كانت الخلافة تقوم على إجماع العائلة المالكة، أو في حال تعذّر ذلك، كان يُفتح مظروف يكون السلطان قد دوّن فيه اسم خليفته المختار. وحين توفي قابوس في 10 كانون الثاني/يناير، اختارت العائلة أن يفتح مجلس الدفاع المظروف، ليظهر عليه اسم هيثم. ولطالما كان العُمانيون والجهات الفاعلة في المنطقة قلقين بشأن نظام المظروف هذا – الذي لم يتم استحداثه إلا بعد أن تجنب السلطان قابوس الموت بأعجوبة في حادث سيارة عام 1995، مما أثار مخاوف من حدوث فراغ في القيادة. ولا شك في أن المواطنين والدبلوماسيين الأجانب رحّبوا بالخطوة التي اتخذها السلطان هيثم بالانتقال إلى نظام أكثر شفافية.
ووفقاً للدستور الجديد، يكون الابن الأكبر للسلطان هو الوريث المعيّن. وإذا كان عمر الوريث أقل من واحد وعشرين عاماً، فيتم إنشاء مجلس استشاري داخل العائلة المالكة. وفي حال عدم وجود ولد، يكون الوريث هو الأخ الأكبر للسلطان.
كما يحدد الدستور بوضوح أن لقب الوريث لا يتضمن واجبات محددة؛ وبدلاً من ذلك، “يختار السلطان واجبات وريثه ومنصبه”. وتوحي هذه اللغة ببعض التشابه مع النظام البريطاني، حيث لا يحمل اللقب سلطة رسمية إلى أن يتوفى السلطان أو يتنازل عن العرش، لكن قد يمنح الحاكم ذلك الشخص مسؤوليات معينة في هذه الأثناء.
وبموجب هذه القواعد، فإن نجل هيثم الأكبر، المدعو ذي يزن، هو الآن وريث العرش. والسؤال هو ما إذا كان سيُمنح منصباً/ لقباً جديداً بالإضافة إلى تعيينه وريثاً، على غرار أولياء العهد في دول الخليج الأخرى. والأرجح أنه سيحتفظ بحقيبته الثانوية في الحكومة في الوقت الحالي (وزير الثقافة والرياضة والشباب) وسيستمر بالترقّي بمرور الوقت. وحيث تم تعيينه لتلك الحقيبة قبل بضعة أشهر، فمن المرجح أن تصدر في المستقبل مراسيم ملكية تزيد من مهامه ومسؤولياته.
وحتى قبل تعيين ذي يزن وريثاً، كثيراً ما استشهد به العُمانيون على أنه الخلف الأكثر ترجيحاً، وقد اعتُبر تعيينه الوزاري في آب/أغسطس على أنه الخطوة الأولى نحو توسيع مؤهلاته. ويبلغ من العمر ثلاثين عاماً ويحمل شهادة في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد، وقد التحق بوزارة الخارجية في عام 2013 وتم تعيينه سكرتيراً ثانياً في سفارة عُمان في لندن عام 2018. وبعد وصول والده إلى العرش، عاد ذي يزن إلى مسقط وشارك مع هيثم في عدة اجتماعات ذات أهمية رمزية، بما فيها لقاءات مع القبائل وشرائح مهمة من المجتمع العُماني خلال الخريف الماضي.
ومن المرجح أن يرحب الكثير من العُمانيين بخطوة الانتقال نحو القيادة الشابة. بالإضافة إلى ذلك أن مبدأ البكورة ليس غريباً ولا جذرياً بالنسبة لهم، حيث غالباً ما جرت العادة في الماضي بأن يتبع الأبناء آباءهم في السلطة حتى وإن لم يتم تقنين هذه الممارسة في القانون. ويشير قرار تعيين الوريث رسمياً إلى أن السلطان هيثم لا يشارك سلفه مخاوفه بشأن ظهور مصادر بديلة للسلطة أو الشعبية في عُمان.
بروز الأخ
حملت بعض المراسيم الأخيرة أيضاً بصمات شهاب بن طارق، الأخ الشقيق لهيثم. وقد عُيّن شهاب نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع العام الماضي، وتولى مهام وزير الدفاع من السلطان. وفي الدستور الذي أعيدت صياغته، أوضح السلطان هيثم أنه من واجبه تعيين القادة العسكريين وإقالتهم. واستخدم هذه الصلاحية على نطاق واسع في 18 كانون الثاني/يناير، عندما أمر باستبدال رؤساء جميع الفروع العسكرية باستثناء الجيش. وتمت ترقية قائد البحرية السابق إلى رتبة رئيس أركان “القوات المسلحة” للسلطان – وهو قرار كان لشهاب حتماً رأي فيه بالنظر إلى أنه ترأس [سلاح] البحرية بنفسه سابقاً. وعلى مدار الأسبوع، استبدل السلطان هيثم الأمناء العامين لثلاث هيئات – هي وزارة الدفاع، ومجلس الأمن الوطني التابع لـ “المكتب السلطاني”، ومكتب الشؤون العسكرية في “المكتب السلطاني” – بالإضافةً إلى قادة “الحرس السلطاني” و”قوات السلطان الخاصة”. وعادةً ما يكون هدف مثل هذا التغيير الشامل في المناصب الكبرى في الأنظمة الملكية هو ترسيخ الولاء للسلطان بقدر ما هو تعيين فريقه الخاص في السلطة.
وبصفته نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع، سينضم شهاب أيضاً إلى “مجلس الدفاع الوطني” إلى جانب رئيس أركان “القوات المسلحة” المُعيَّن حديثاً، بينما تم عزل قادة القوات المسلحة الفردية من تلك الهيئة. وكما هو الحال غالباً في [دول] الخليج، تعززت أهمية شهاب بشكل أكبر من خلال الزواج – حيث أن ابنته مخطوبة لذي يزن.
ولا يزال أسعد، الأخ غير الشقيق لهيثم وشهاب – الذي كان، بصفته الأكبر سناً، المنافس الرئيسي لدور السلطان – نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي وممثلاً شخصياً للسلطان. لكن هذا الدور يبدو اسمياً في الوقت الحاضر.
تعزيز مهنية الدولة
في خضم التغييرات في الحكومة، لا تزال المشاكل الاقتصادية في عُمان ذات أهمية قصوى. وتُظهر ميزانية 2021 والخطة الخمسية التي صدرت في 1 كانون الثاني/يناير، تركيزاً متجدداً على «رؤية 2040» التي قادها هيثم قبل وصوله إلى العرش. وتحدد الميزانية سقوفاً للهيئات الحكومية، وتخفض النفقات، وتفترض سعراً أقل للنفط (45 دولاراً للبرميل). وبالمثل، تؤكد الخطة الخمسية على الاستدامة المالية. ويشير هذا الأمر، إلى جانب التعديل الوزاري في آب/أغسطس، والذي ركّز على تشكيل فريق اقتصادي قوي، إلى أن «رؤية 2040» والتغييرات الاقتصادية التي حث عليها التكنوقراط بهدوء لسنوات أصبحت أخيراً قيد التحقيق.
فضلاً عن ذلك، يوضح القانون الجديد للمجلس التشريعي إجراءات المجلس، ويحدد مسؤولياته في تقديم المشورة ودعم سياسة الحكومة، ويقنّن وظيفة الرقابة الوزارية التي تنص على تقديم تقارير مباشرة إلى السلطان. وسوف يرحب العُمانيون بمثل هذه المساءلة، حتى إذا لم ترتقِ الهيئة إلى مستوى المثاليات الغربية فيما يتعلق بالسلطة التشريعية.
ويصادف يوم 20 شباط/فبراير الذكرى السنوية لبداية حكم هيثم، وفي ذلك الوقت سيكون قد وضع بصمته على الحكومة من خلال نقل الصلاحيات إلى الوزراء، وتعديل الحكومة والجيش، وتقنين نظام الخلافة الجديد، وتسهيل الإصلاح الاقتصادي الذي تبقى البلاد في حاجة ماسة إليه. وقد يراهن السلطان على أنه يستطيع تحقيق المزيد من خلال تفويض المهام. ويبدو أن هذا الرهان يستحق المخاطرة بالنظر إلى أنه من غير المرجح أن تتم معالجة المشاكل الاقتصادية الرئيسية في البلاد من قبل حفنة من الوزراء، ولكنها ستتطلب الكفاءة والفعالية في جميع طبقات البيروقراطية.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط