قيادة جديدة لإسرائيل؟ حديثٌ مع جدعون ساعر
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يناقش زعيم حزب “الأمل الجديد” ووزير سابق في حزب “الليكود” سبب خوضه الانتخابات الإسرائيلية بقائمة جديدة في آذار/مارس، وكيف تختلف سياساته عن سياسات نتنياهو، وما التي ستكون مقاربته بشأن القضايا الرئيسية مثل عملية السلام في الشرق الأوسط والتحدي النووي الإيراني.
“في 10 شباط/فبراير، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جدعون ساعر. وفيما يلي أهم النقاط التي جاءت في حديثه مع المدير التنفيذي للمعهد روبرت ساتلوف“.
روبرت ساتلوف: يسعدني أن أرحب برئيس حزب “الأمل الجديد” في إسرائيل، والمتنافس على منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي، والعضو السابق في الكنيست، جدعون ساعر.
جدعون ساعر: شكراً.
ساتلوف: في هذه اللحظة السياسية غير المألوفة، ما هي الأمور السياسية التي ترى أنك تختلف فيها عن شاغل المنصب؟ أو هل يشكّل ذلك، كأي شيء آخر، استفتاءً حول شاغل المنصب؟
ساعر: أعتقد أنه من المهم جدّاً اليوم توحيد الأمّة مجدداً ومحاولة خرق هذه الحلقة من الحملات الانتخابية الجارية وترميم اقتصادنا بعد مرور عامٍ صعب للغاية بسبب أزمة فيروس كورونا. كما علينا استعادة حوكمتنا في كافة أجزاء الأرض، وهو أمرٌ لا نقوم به اليوم. وفيما يتعلق بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة، لا بدّ لنا من استرجاع مبدأ دعم الحزبَين في أمريكا. وأعتقد أنّ هذه هي الأمور الملحّة التي يجب أن تتعامل معها الحكومة الجديدة في إسرائيل.
ساتلوف: بمَ يختلف حزب “الأمل الجديد” عن حزب “الليكود” من الناحية الأيديولوجية؟
ساعر: نحن نواجه وضعاً حلّت فيه عبادة الشخصية بدلاً من المبادئ والقيم. وحزب “الأمل الجديد” هو حزبٌ وسطيٌّ-يمينيٌّ ملتزمٌ بتوحيد الأمّة.
ساتلوف: كيف تُنشئ ائتلافاً يشمل جميع الأحزاب التي تريد قيادةً جديدةً في إسرائيل، حين يمكن أن تتراوح الإيديولوجيا من الوسط-اليساري حتى إلى أقصى اليمين أكثر من ذلك الذي تنتمي إليه؟
ساعر: أعتقد أن الحكومة الجديدة يجب أن لا تعتمد على المتطرفين. وستكون هذه مهمة شاقّة، لكنني أؤمن أنها ممكنة. فإذا لم يحُز نتنياهو على واحدٍ وستّين عضواً من أجل تشكيل أي ائتلاف، أعتقد أننا سنكون أمام أكثر من خيار لتشكيل ائتلافٍ بديل، وهذا بالتأكيد ما سنحاول القيام به بعد الانتخابات.
ساتلوف: يتبع نتنياهو في ترشيحه برنامج عملٍ يدّعي فيه أنّ إسرائيل ستكون أول دولة تتغلّب على وباء “كوفيد” من خلال التطعيم الشامل. هل هذا ادّعاء معقول من وجهة نظرك؟
ساعر: ما زال الانتصار في المعركة ضدّ فيروس كورونا بعيد المنال. ولا تزال هناك مشاكل ضخمة وهائلة نواجهها هذه الأيام. إنها ليست حالة بسيطة، سواء من وجهة النظر الصحية أو من وجهة النظر الاقتصادية. أعتقد أن ذلك يتطلب إحساساً بالتواضع. فما زلنا لا نعرف الكثير عن الفيروس، وعن طفراته المختلفة. ونرى أنّ عملية التطعيم تسير بشكلٍ جيدٍ، لكننا لا نرى حتى الآن أننا نجحنا من حيث [تواجد] الأشخاص في المستشفيات وما إلى ذلك. ولم نتجاوز الأزمة بعد. لذا أقول إنّ الإسرائيليين راضون عن التقدم في عملية التطعيم. لقد واجهنا الكثير من المشاكل، من الفشل في تطبيق القانون، والفشل في التحقق من أولئك الأشخاص الذين قدِموا من الخارج عبر مطارنا الدولي الوحيد، الذي واجه فشلاً ذريعاً لمدة عام تقريباً.
ساتلوف: لنتحدّث عن بعض المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية. لقد أعلنتَ رسميّاً معارضتك لإنشاء دولة فلسطينية. ما هو أساسك المنطقي؟ وما هو البديل الذي تفضّله؟ وكيف تعتقد أنّ ذلك سيؤخَذ في الحسبان ضمن علاقاتك مع واشنطن في حال أصبحتَ أخيراً رئيس الوزراء ساعر؟
ساعر: أولاً وقبل كل شيء، إن الأساس المنطقي هو اتباع التجربة التي مررنا بها. وليس فقط خلال العقود الثلاثة الماضية التي رافقتها محاولاتٌ لحلّ النزاع مع هذا النوع من الشعارات: “دولتان لشعبين”. ولكن أيضاً كما تعلم قدّمَ السيد باراك والسيد أولمرت اقتراحاتٍ سخيةً جدّاً، إلّا أنّ الفلسطينيين لم يقبلوها أبداً وأوضحوا أنهم ليسوا في وضع الاستعداد لحلّ هذه الأزمة معنا. وحتى لو التفتنا إلى الماضي الأبعد – إلى الأيام التي سبقت تشكيل دولتنا، وإلى “لجنة بيل”، وإلى قرار التقسيم الخاص بالأمم المتحدة – كانت هذه الفكرة في صلب النزاع لأكثر من ثمانين عاماً، لكنّها فشلت دائماً. فالمسألة تدور حول إذا ما كان الأمر واقعيّاً، وما إذا كانت مثل هذه الدولة قابلة للاستمرار على الإطلاق. وكيف يمكننا تطبيق هذه الفكرة بوجود كيانَين فلسطينيَين منفصلَين مع نظامَين مختلفَين؟
ساتلوف: في الضفة الغربية وغزة؟
ساعر: نعم. كيف بإمكاننا حماية أمن مواطني إسرائيل بوجود دولةٍ ذات سيادة في قلب أرضنا، على بُعد أميال قليلة من المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكّان في بلدنا؟ لقد مررنا بتجربة الانسحاب من قطاع غزّة. واستأصلنا كامل الوجود المدني والعسكري من قطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، لم نحصل على مزيد من الاستقرار والأمن، بل تراجعاً في هذا الصدد. ووجدَ الذين كانوا يتحدثون عن نزع السلاح من الأرض التي تمّ إخلاؤها أنّ القيام بذلك ليس أمراً بسيطاً على الإطلاق، وإذا أردتَ القيام بذلك، فلا يمكنك تحقيقه إلا بإراقة كمياتٍ هائلةٍ من الدماء. ولن يستمر هذا الأمر لفترة طويلة جدّاً. لذلك تضع جميع هذه القضايا علامات استفهامٍ كبيرةٍ حول الثقة الواقعية في هذه الفكرة.
هناك شيء واحد واضح تماماً: لقد اتّخذنا بعض الخطوات، كـ”اتفاقية أوسلو”، وإنشاء “السلطة الفلسطينية” في التسعينيات، وبلوغ العقد التالي من الزمن مع فك الارتباط عن غزة – حيث خرجنا من المناطق الفلسطينية المأهولة. وهُم اليوم، أي الغالبية العظمى من السكّان الفلسطينيين، لا يخضعون لسيطرة إسرائيل، بل لسيطرة شعبهم، أي حركة «حماس» في قطاع غزة و”السلطة الفلسطينية” في يهودا والسامرة. وعلى الأرض، نشأ انفصالٌ بحُكم الواقع. فيمكن أن أقول إنني أدعم أقصى قدر من الحكم الذاتي للفلسطينيين ليحكموا حياتهم، مع الحدّ الأدنى من القدرة على إلحاق الضرر بأمن دولة إسرائيل. وقد تكون هذه هي الصيغة.
وأريد أن أقول أيضاً، إننا بحاجة إلى إيجاد عنصرٍ إقليميٍّ في الحلّ نفسه. وأعتقد أنه من المهم جدّاً دمج الدولتَين المجاورتَين لنا، أي الأردن ومصر، في الحلول نفسها. ولا أريد أن أتوسّع في الحديث عن الموضوع، لكنني أعتقد أننا نستطيع التوصل إلى اتفاقيات ثلاثية الأطراف في بعض القضايا: بشأن السياحة والاقتصاد والبيئة وقضايا أخرى. يجب أن نحاول إيجاد بديلٍ مع مبدأَيْ الفصل والحُكم الذاتي من دون القدرة على الإضرار بأمننا، وإيجاد عنصرٍ إقليميٍّ.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع واشنطن، أعتقد أنه من الضروري إجراء حوارٍ صادقٍ لمعرفة ما هو ممكنٌ، وما هو واقعي لتحقيقه. ودعونا لا ننسى أنه حتى خلال فترتَيْ ولاية الرئيس أوباما، لم يستغل الفلسطينيون واقع أنه كان لديهم رئيسٌ متعاطفٌ حقاً مع قضيتهم. فإذا ألقينا نظرة على هذه السنوات الثماني، أعتقد أنه لم يَمُرّ حتى عام واحد جرت خلاله مفاوضاتٌ فعليةٌ بين إسرائيل و”السلطة الفلسطينية”. وقد يعكس ذلك شيئاً عن الدافع الحقيقي للفلسطينيين. وأودُّ القولَ إنه علينا إجراء حوارٍ صادقٍ، واكتشاف ما يمكننا تحقيقه، وما هي الترتيبات العملية التي نستطيع من خلالها إحراز التقدُّم. لديّ أفكار معينة حول هذه القضايا. أعتقد أن جميع الأطراف اليوم في المجتمع الدولي – وانطباعي أنّ الإدارة الأمريكية أيضاً، وإن كانت تدعم حلّ الدولتين كفكرة – أصبحت تتمتع بواقعية أكبر بكثير فيما يتعلق بما يمكننا تحقيقه على أرض الواقع على المدى القصير.
ساتلوف: إذاً، دعني أسألك فقط عن جانبين من هذه المعادلة التي عرضْتَها للتو: أي الفصل، والحُكم الذاتي، والعنصر الإقليمي، والحوار مع أمريكا. ولنبدأ بأفكار الاستيطان. لقد دافعتَ للتو عن فكرة الفصل. ما هو الأثر الذي يُحدثه ذلك المبدأ على ما قد تؤيّده أو لا تؤيّده بشأن المزيد من المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية، وضمن يهودا والسامرة؟
ساعر: أعارض تماماً إخلاء التجمعات اليهودية في يهودا والسامرة. وأعتقد ّ أنّ هذه الفكرة تعود إلى الماضي. لقد ثبت أنّها لم تكن تساهم في إرساء الاستقرار والسلام. وعلينا اكتشاف كيف يمكننا العيش معاً. لا أعتقد أنّ اقتلاع الجاليات اليهودية أو العربية يساعد في قضية السلام.
ساتلوف: في العام الماضي، اتخذَت الحكومة الإسرائيلية قراراً عندما واجهت بديلَين هما: جاذبية اتفاقيات السلام مع الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة، وإغواء عملية الضم، التي تُمدّد سيادة إسرائيل إلى أجزاءٍ من الضفة الغربية. وقد اختارت قبول طلب الإمارات المتمثّل في تعليق عملية الضم من أجل التوصل إلى ذلك الاتفاق. فهل توافق على هذا الخيار؟ وهل هذا هو نوع الخيارات التي كنتَ ستتخذها؟ وما مدى أهمية فكرة توسيع سيادة إسرائيل على الأراضي بالنسبة لك؟
ساعر: بادئ ذي بدء، هذا هو الواقع. ولن أُنكر أنني أؤيد فكرة تطبيق القانون الإسرائيلي على مجتمعاتنا في يهودا والسامرة. وهذا الأمر لا يزال هدفاً إسرائيلياً. ولا أتحدّث عن المناطق التي يسكنها الفلسطينيون، بل عن مجتمعاتنا. يقطن هناك نصف مليون نسمة من سكاننا، ويجب أن يعيشوا تحت القانون الإسرائيلي. إلا أنّ رئيس الوزراء نتنياهو التزم في الحوار مع الإدارة الأمريكية – أي إدارة ترامب في ذلك الوقت، التي كانت إدارة ودية للغاية لإسرائيل، ونحن ممتنون لذلك – بتعليق فكرة ممارسة سيادتنا لبضع لسنوات.
كرئيسِ وزراءٍ لإسرائيل، سأحترم التزاماً أعطاهُ رئيسُ وزراءٍ إسرائيليٍّ لإدارة أمريكية. وكرئيسِ وزراءٍ إسرائيليٍّ، أودّ تعزيز العمل على إضافة المزيد من الدول إلى عملية التطبيع مع إسرائيل، ومحاولة القيام بذلك سويّةً مع الإدارة الجديدة في واشنطن. وأعتقد أنّ هذا الأمر قد يكون في النهاية بنّاءً جدّاً بالنسبة إلى قضية الاستقرار والسلام، على الرغم من أن “السلطة الفلسطينية” لم تكن راضية بشأنه، على أقلّ تقدير. لكنني أعتقد أخيراً أنّ فكرة السلام بين الإسرائيليين والعرب في المنطقة، من بينهم الفلسطينيون، ستكون بنّاءة. لذلك سأواصل هذه العملية. وسأحترم الالتزام الذي أعطاه رئيس الوزراء. لكنني ما زلت أرى شخصيّاً، مع أغلبية الكنيست برأيي، أنّ هدف إسرائيل هو تطبيق القانون الإسرائيلي على مجتمعاتنا في يهودا والسامرة، وليس على المناطق التي يسكنها الفلسطينيون هناك.
ساتلوف: بشكلٍ عامٍّ، ما مدى أهمية التوصل إلى هذه الاتفاقيات مع بلدانٍ بعيدةٍ كالمغرب والسودان؟ وكيف يتناسب ذلك مع رؤيتك الخاصة للأمن القومي لإسرائيل؟
ساعر: من المهم برأيي أن نتمكّن أن نرى على أرض الواقع اليوم أن النزاع العربي-الإسرائيلي القديم يتقلّص في النهاية ليقتصر على نزاعٍ فلسطينيٍّ-إسرائيليٍّ. ومن المهمّ جدّاً بالنسبة إلى الفلسطينيين أنفسهم، [الذين] اعتقدوا في الماضي أنهم [قادرون على] البدء بانتهاج نزعة الرفض من دون دفع أي نوعٍ من الثمن، أن يفهموا أخيراً أنّ المنطقة تريد المضيَّ قدماً. وتشعر مختلف البلدان اليوم أنها قادرة على تحقيق المكاسب من التعاون، [عبر] الروابط الاقتصادية بين بعضها البعض، وأعتقد أن هذه الأخبار سارة جدّاً لجميع شعوب المنطقة.
ساتلوف: لقد تأثر الكثير من الأشخاص الذين طرحوا الأسئلة بملاحظتك حول السعي إلى الوحدة الوطنية، وهُم يسألون كيف تقترح بناء الوحدة الوطنية، وذلك أوّلاً مع المجتمع العربي الإسرائيلي، وثانياً مع المجتمع “الحريدي” (المتدينين الأرثودوكس) الذي يبدو حتى الآن خارج التيار السائد بشأن بعض القضايا حتى مثل إطاعة الأنظمة المتعلقة بوباء “كوفيد-19”.
ساعر: يُشكّل كلا المجتمعَين تحدياً هامّاً لا بدّ من طرحه. وعندما نتكلم عن العرب الإسرائيليين، يتمثّل التحدي في الدمج. أعتقد أن أمامنا اليوم المزيد والمزيد من المواطنين [العرب] الإسرائيليين الذين يشعرون بالرغبة في الاندماج في الدولة وفي تأمين مستقبل أولادهم. إنهم لا يشعرون بالضرورة أنّ “القائمة العربية المشتركة”، التي حصلت على حوالي 90 في المائة من أصواتهم في الانتخابات الأخيرة، تُمثّل مصالحهم الحقيقية… لذا أعتقد أنّ ذلك في غاية الأهمية. وهو يعتمد علينا أكثر من حلّ نزاعنا مع الفلسطينيين. فإحراز التقدّم في هذا الصدد هو في متناول أيدينا بصورة أكثر.
تبرز التحديات أيضاً على صعيد المجتمع الأرثوذكسي المتشدد. فكوزيرٍ سابقٍ للتربية والتعليم، شجّعتُ التعليم العالي. وافتتحتُ بين الأرثوذكس المتشددين مدارس تعليمية [و]مهنية للطلاب الذين غادروا عالَم التوراة، من المدرسة الدينية. وأظنّ أنه علينا بذل المزيد من أجل دمجهم في القطاع الاقتصادي وفي مجتمعنا. أشعر بوجود رغبةٍ في القيام بذلك في هذا المجتمع. وربما ليس في في كل قطاع، ولكن هناك الكثير من الأشخاص الذين يريدون الاندماج. وأعتقد أنني أعرف كيفية تحقيق ذلك. فحين كنتُ وزيراً للتربية والتعليم، تعاملتُ، على سبيل المثال، مع الكيفية التي يمكننا بموجبها تحقيق فرص متكافئة للفتيات اللواتي يتلقَّين تعليماً في النظام الأرثوذكسي المتشدد، من أجل دمجهنّ بسهولة في التعليم العالي، وفي العمل أيضاً.
بشكل عام، أحرزنا تقدّماً ولكن بإمكاننا إحراز تقدّمٍ أكبر بكثير، وهذا مهمٌّ جدّاً بما أنّ هاتَين الشريحتَين من مجتمعنا [هما] مختلفتان جدّاً عن بعضهما البعض، إلا أنّ الأمر المشترك هو أنهما تنموان على الصعيد الديمغرافي. لذلك من المهم جدّاً أن يتم دمجهما بشكلٍ أفضل في مجتمعنا واقتصادنا.
ساتلوف: مؤخراً، ألقى رئيس أركان “جيش الدفاع الإسرائيلي” خطاباً شديد اللهجة حذّر فيه من اعتماد الدبلوماسية مع إيران، وأثار فعلياً، على الأقل ضمنياً، مستوى التهديد بالقيام بعملٍ عسكري ضدّ المنشآت النووية الإيرانية. وتنظر الولايات المتحدة في إعادة التعامل دبلوماسيّاً مع إيران. فما رأيك بما قاله رئيس الأركان، وما هو نهجُك في معالجة هذا التحدي الأمني البالغ الأهمية لإسرائيل؟
ساعر: يمكنني القول إنّ ما تفوّه به رئيس أركان “جيش الدفاع الإسرائيلي”، السيد كوخافي، كان يمثّل إلى حدٍّ ما الإجماع الإسرائيلي حول قضية إيران. وقد عبّرَ عن وجهة نظره المهنية في هذا الشأن، وأنا أحترم وأؤيد وجهة نظره المهنية في هذا الشأن.
للولايات المتحدة وإسرائيل هدفٌ مشتركٌ ومصلحةٌ مشتركةٌ في عدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية. وهذا أمرٌ أشعر أنه مشتركٌ بيننا. فقد تكون لدينا بعض الاختلافات حول كيفية تحقيق هذا الهدف. ولكن من الأفضل التحدث بشكلٍ مباشرٍ وصريحٍ حول هذا الموضوع لأنه ذو أهمية قصوى. إنه ليس إجماع إسرائيلي فقط. فهو اليوم أيضاً يشكل إجماعاً إقليميّاً في الشرق الأوسط، لأنه إذا حازت إيران على سلاح نووي، سنخوض سباقاً نوويّاً في الشرق الأوسط. وقد يكون ذلك في غاية الخطورة، فالبلدان المجاورة المختلفة لن تسمح لنفسها بالتخلّف عن إيران، بل سترغب في حيازة الأسلحة النووية أيضاً. وسيخلق ذلك إشكاليةً كبيرةً من حيث الاستقرار الإقليمي.
إذاً ماذا أودّ أن أفعل؟ إذا كسبتُ ثقة المواطنين الإسرائيليين وانتُخبتُ لهذا المنصب المهم كرئيس وزراء إسرائيل، [لكنتُ] سأجري حواراً صادقاً وفعالاً مع الإدارة الأمريكية حول كيفية تحقيق هذا الهدف المشترك. إنه ليس هدف إسرائيلي فقط. بل أعتقد أنه أمرٌ يندرج أيضاً ضمن الأمن القومي الأمريكي. ولا يقوّض ذلك الأمور التي تستطيع إسرائيل القيام بها كدولة ذات سيادة. لدى إسرائيل تاريخٌ في حماية أنفسنا من التهديدات النووية. وسبق أن قُمنا بذلك في العراق، وفي سوريا أيضاً. ولكن مما لا شك فيه أنه من المهم للغاية أن نحاول ونبذل قصارى جهدنا لإيجاد لغةٍ مشتركةٍ، لا تتعلق بالهدف فحسب، بل أيضاً حول كيفية معالجته. ومن المهم القدوم إلى هذه المحادثات بنيّة حسنة حقّاً.
خلال السنوات [القليلة] الماضية، لم تحترم إيران علناً «خطة العمل الشاملة المشتركة». وانتهكت [إيران] هذه الخطة وما زالت تنتهكها اليوم – ففيما يخص عملية التخصيب، كانت إيران تهدّد بطرد المفتشين الدوليين رغم أنها لا تسمح لهم بالتفتيش. كذلك، برزت في ذلك الوقت نواحٍ أخرى مع إيران مثل بث الرعب في المنطقة وتطوير برنامجها الصاروخي. وأعتقد أنه سيتمّ النظر أيضاً في هذه الوقائع الجديدة في واشنطن. وما أظهره لنا الإيرانيون، وما شاهدناه أيضاً منذ اليوم الذي تولّى فيه بايدن منصب الرئاسة، هو أنهم لا يقومون سوى بوضع شروطٍ مسبقةٍ وبممارسة كافة أنواع الاستفزازات. من الواضح أنهم لا يعملون بحُسن نية، بل يحاولون تحقيق إنجازاتٍ أحادية الجانب، ولا أعتقد أنّ منحهم إياها سيصبّ في مصلحة الولايات المتحدة.
ساتلوف: لقد ذكرتَ للتو فترة تولّي جو بايدن منصب الرئاسة. إنها مجرد أسابيع قليلة ولا نملك سوى بعض نقاط البيانات للنظر فيها. كانت هناك بعض التصريحات المثيرة للاهتمام والمهمة فيما يتعلق بالسياسة تجاه إسرائيل والشرق الأوسط، مثل التأكيد على بقاء السفارة في القدس؛ والتصريح المتعلق ببقاء إسرائيل في الجولان، ولكن التردد في الاعتراف بالسيادة على الجولان؛ والتصريح الذي عبّر عن قلق بالغ بشأن “المحكمة الجنائية الدولية” وإعلانها عن أنها ستفتح تحقيقاً رسمياً بشأن إسرائيل. فحين تَجمع كل هذه التصريحات وبعض التصريحات الأخرى، هل لديك أساساً وجهة نظر حول الشكل الذي تتّخذه الإدارة الجديدة من حيث نهجها المتّبَع تجاه بلدك؟
ساعر: أعتقد أنّ النهج الذي أظهرَه وزير الخارجية بشأن مسألة القدس كعاصمة لإسرائيل كان إيجابيّاً. وقد نشهد بعض الاختلافات حول المسألة المتعلقة بما قاله فيما يخص السيادة على الجولان، [لكنني] لاحظتُ أننا لم نبدّل شيئاً في هذا الصدد. ويمكن أن [تبرز] بعض الاختلافات بيننا؛ وهذا أمرٌ سبق أن حدث أيضاً في الماضي. ووجدتُ أيضاً في موضوع “المحكمة الجنائية الدولية” أنّ وزير الخارجية الأمريكية كان محقّاً في القلق [بشأن] القرار، الذي يشكّل قراراً سياسياً، ويشكّل عاراً، [حتى] أنه يناقض “اتفاقية أوسلو”. وتحدّثنا مسبقاً منذ وقتٍ وجيزٍ عن فكرة الدولة الفلسطينية، لكننا رأينا هنا، أنه حتى قبل إنشاء الدولة الفلسطينية، قالت “المحكمة الجنائية الدولية” إنها دولة فلسطينية، وهو أمرٌ مضحك. وأظهرَ لنا ذلك أيضاً ما هي بعض العواقب الممكنة لإنشاء مثل هذه الدولة من حيث قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها. وأعتقد أنّ إسرائيل هي الدولة التي تتعرّض لأكبر قدرٍ من الاعتداء في العالَم. إنه لأمر مخز حقّاً أن تختار “المحكمة الجنائية الدولية”، من بين جميع الدول، تقويض حقوق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
لذا أعتقد بالإجمال أنّ التصريحات التي ذكرتَها كانت إيجابية، على الرغم من أننا قد نرى بعض الاختلافات [بين الأصدقاء]. فعلاقاتنا رائعة، ولكن نشأت بعض الخلافات حول قضايا متعلقة بالسياسات بين واشنطن والقدس على مرّ السنين. والأمر الأكثر أهمية هو أنه علينا الدفاع عن مصالحنا الوطنية، وسنتّخذ موقفاً حازماً بشأن المصالح الوطنية.
ساتلوف: أودّ طرح بعض الأسئلة الشاملة. في السراء والضراء، يعرف العالَم الكثير عن رئيس وزرائك الحالي. لقد كان رئيسَ وزراءٍ لفترة طويلةٍ جدّاً. فما هي الأمور التي ترغب في أن يعرفها حلفاؤك وخصومك عنك، وما الذي يحفّزك؟ وماذا يجب أن يعرفه أعداؤك وحلفاؤك عنك؟
ساعر: أفتخر بكوني يهوديّاً وصهيونيّاً. وأكرّس حياتي لدولة إسرائيل. وسبق أن خدمتُ كجندي مُشاة، وما زلتُ أخدم بلدي كموظّفٍ رسمي. والمستقبل مهمٌّ بالنسبة لي، ولا يمكنني ضمان المستقبل إلّا من خلال جَعل مستقبل إسرائيل أكثر ازدهاراً، كما فعل الكثيرون من اليهود من أجل بناء هذا البلد. لم يكن لدينا سوى بعض مئات الآلاف من الأشخاص حين أنشأنا دولتنا. أمّا اليوم، فيبلغ عددنا أكثر من تسعة ملايين شخصٍ في هذه الدولة العظيمة. وأعتقد أنّه لدينا أعظم شعبٍ قادرٍ على صُنع مستقبلٍ أفضل لنا من خلال تغيير الاتجاه. وهذا ما دفعني إلى تأسيس حزبي الجديد. فلهذا الأمر أهمية ومعنى أكبر بالنسبة لي [من] أي شيءٍ يمكنني القيام به في القطاع الخاص.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى