-كورونا- بين الاشتراكية والرأسمالية
رضي السماك
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_إذا كانت أزمة وباء كورونا التي عصفت ومازالت تعصف ببلدان العالم كافة،قد عرت بامتياز أخلاق الرأسمالية العالمية كما لم تعرها من قبل منذ أنهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية قبل ثلاثة عقود؛ وإذا كانت أيضاًأظهرت خلال الأزمة ثغرات خطيرة أعتورت أنظمتها الديمقراطية، على ما نحو ما تجلى بوجه خاص في الولايات المتحدة، وهي ثغرات كشفت وتكشف الأنحياز الطبقي الفاضح في آليات تطبيقها وتشريعاتها لصالح أقلية من الطبقة البرجوازية على حساب الأكثرية الساحقة من طبقات وفئات المجتمع الكادحة والمهمشة، ناهيك عن الطبقة الوسطى، فإن هذه الأزمة ذاتها قد كشفت بالمقابل وبجلاء الإمكانيات الهائلة التى تمتلكها القيم والمبادئ العامة للنظرية الماركسية- الاشتراكية في القدرة على مواجهة وحل أزمات وكوارث محلية وعالمية متنوعة -كالاوبئة- ومنها “كورونا”، وذلك لما يتصف به الفكر الاشتراكي من مزايا إنسانية في العدالة والمساواة الإجتماعية، إن على الصعيد الوطني الداخلي؛ وإن على الصعيد الأممي. إن زوال الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية لم يحل دون تجدد المناقشات اوالمناظرات النقدية التي مازالت تتواصل في وسائل الإعلام العالمية منذ بدء أزمة الوباء بين أصحاب المدرستين الإشتراكية والرأسمالية حول أفضلية أي منهما للعدالة الإنسانية والإجتماعية، وفي المجادلات الراهنة الجارية حول أزمة كوفيد- 19حملت كبار المفكرين الرأسماليين على الأعتراف ليس فقط بمظاهر الأنانية اللاإنسانية التي تجلت في مواقف حكوماتهم الغربية خلال الأزمة الجارية سواء تجاه شعوبها أم تجاه شعوب العالم، بل والاعتراف الخجول أو الصريح بوجود أوجه من الخلل في النظام الرأسمالي نفسه، ولعل واحداً من آخر الاعترافات المهمة في هذا الصدد ما صرح به الرئيس الأميركي جو بايدن غداة فشل المحاكمة التي اُجريت للرئيس السابق دونالد ترامب في إدانته بمجلس الشيوخ الشهر الماضي، حيث وصف الديمقراطية المطبقة في بلاده ب “الديمقراطية الهشة “.
وعلى النقيض من ذلك فقد أثبتت الدول الاشتراكية التي مازالت قائمة؛ وبوجه خاص الصين الشعبية وكوبا، ناهيك عن فيتنام وسائر الدول التي تحكمها حكومات يسارية، كما في أميركا اللاتينية؛ نقول أثبتت في مواقفها وإجراءاتها بأنها أكثر إنسانية وعدالة في تحمل المسؤولية في مواجهة الوباء ولتخليص شعوبها بأكملها منه؛بصرف النظر عن الأخطاء التي شابت تجارب الأنظمة الاشتراكية السابقة أو التي تشوب تحارب الدول الإشتراكية الحالية. وهكذا ففي الوقت الذي تميز به الفكر الإشتراكي والدول الذي تتبناه -بصورة أو بأخرى- بالقدرة على تقديم حلول علمية عملية ومنطقية في مكافحة الفيروس والقضاء عليه على المستويين الوطني والعالمي؛ وذلك من خلال توفير تكافؤ الفرص والمساواة بين كُل المواطنين بلا أستثناء ؛ كما تجلى ذلك في تلقي التدابير الاحترازية ضد الوباء مجاناً، وكذا توفير العلاج للمصابين والمرضى بكورونا، فإن الدول الرأسمالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة،لا تتورع عن أن تتخلى عن دورها ومسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية محلياً وعالميا؛ أي ليس تجاه شعوب العالم فحسب؛ رغم ما تملكه من إمكانيات طبية وعلمية كبيرة، بل وتجاه شعوبها أيضاً، معرضة إياها والبشرية معاً لخطر الإبادة البطيئة الشاملة بكورونا!
ذلك بأن قوانين الرأسمالية ومنطق أولوية مراكمة الأرباح- بلا حدود- والتي تستبد بنزعات الرأسماليين الأنانية والجشعة هي بطبيعتها تتنافى مع أي نوايا أو خطط جادة صادقة للقضاء على الوباء داخل بلدانها ومن على وجه المعمورة. إن تخليص أي شعب برمته من جائحة ما فتّاكة إنما يتطلب ببساطة متناهية تقديم كل مستلزمات الاحترازات والتحصينات اللازمة لأفراده ضد الوباء مجاناً، كما يتطلب أيضاً حداً أدنى من التعاون الدولي الجاد وهذا لا يتحقق إلا في ظل حد أدنى أيضاً من توافر مناخ صحي من البيئة الدولية والسلم العالمي، بعيداً عن المنازعات والحروب الأقليمية والدولية، في حين وجدنا الدول الرأسمالية العظمى، وبخاصة الولايات المتحدة لا تتوانى عن تعريض شعبها لمخاطر الوباء الفتاك وفق قوانين الرأسمالية، فالأثرياء هم وحدهم الذين يستطيعون التمتع بمستلزمات الوقاية من الوباء والتحصين ضده، وكذا العلاج والتعافي منه، وبالتالي لايهم هذه الأنظمة الرأسمالية وأقلياتها الثرية إذا ما ظل الوباء مستوطناً بلدانها لفترة من الزمن ومستهدفاً الغالبية الساحقة من الشعب، بل ولا تجد هذه الأنظمة حرجاً أو حياء في إطلاق الحرية غير المسؤولة لتلك القلة من الرأسماليين الكبار والشركات الأحتكارية في أنتاج الأدوية ومستلزمات العلاج والوقاية وبالتالي التهافت على استثمار الوباء بالمتاجرة والتربح منه داخليا وخارجياً، كما يفعل عادةً تجار السوق السوداء في مواسم أزمات السلع الضرورية وأوقات الحروب بتخزينها ورفع أسعارها أضعافاً أضعافاً. وقد شاهدنا في الأزمة الراهنة كيف قاموا بمضاعفة أسعار العلاج وبخاصة في المستشفيات الخاصة، وكذلك مضاعفة لوازم وأدوات الاحترازات والوقائية، وانخرطوا في سباق محموم لتصنيع واحتكار اللقاحات وترويج الإعلانات إعلامياً بمزاياها وأفضلياتها على غيرها في الأسواق العالمية؛ وسعروها بأسعار فاحشة ليست تحت متناول عامة الشعب؛ بل ولا تتناسب مع قدرة الكثير من الدول النامية على شرائها من السوق العالمية، بينما الوباء يحصد مئات الألوف من المصابين به وعشرات الألوف يومياً من قتلاه. وهذا من شأنه أن يفضي -بلا ريب – إلى إطالة أمد الوباء ومضافة مخاطره في العصف بأرواح المزيد من أرواح الملايين من شعوب الدول الرأسمالية وشعوب العالم على السواء؛ مادام الوباء هو بطبيعته متنقلاً حيث تنقل أفراد الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها غير منحصر مستقر في دولة بعينها، ومادامت أيضاً الدول الرأسمالية الكبرى؛سيما الولايات المتحدة، تتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية إعاقة فرص التعاون الدولي الرامية للقضاء على الوباء من على سطح المعمورة؛ ناهيك عن مسؤوليتها في زرع بؤر التوتر الدولية وإشعال الحروب وتغذية المنازعات الاقليمية وتهديد السلم العالمي، وكلها عوامل تفضي إلى تسميم المناخ الدولي وتغييب البيئة السياسية الصحية التي تسمح بتوافر حد أدنى من السلم العالمي والانفراج الدولي، فمثل هذه البيئة بعناصرها المذكورة هي وحدها الكفيلة بتحقيق قدر معقول من التعاون الدولي المشترك؛ ولا سيما إذا ما تم تحت مظلة الأمم المتحدة دون تدخل أو أستحواذ من قِبل دولة عظمى أو أكثر لفرض هيمنتها على القرار الدولي بما يحقق مصالحها وحدها؛ وفي ظل هذه البيئة فقط يمكن إيجاد خطط مدروسة للقضاء على وباء كورونا وتخليص البشرية من شره وفي أقصر الأماد الممكنة .
الحوار المتمدن