دلالات ظهور ابنة صدام
عبدالله صالح
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ظهرت رغد ابنة صدام حسين ( 52 عاما ) على فضائية العربية يوم الاثنين (15 شباط/فبراير 2021) في لقاء من خمس حلقات مرتدية بزة سوداء علقت عليها علم العراق متبوعا بوسام لشعار الجمهورية “النسر”.
حظيت هذه المقابلة باهتمام وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل لافت للنظر، حيث يقرأ بعضهم في ظهورها على قناة سعودية “مؤشرا على انطلاق مشروع سياسي تسعى من خلاله الرياض إلى تقديم بديل للحكم في العراق”. وهناك من يقول بأن اللقاء مرتبط بسياسات الرئيس الأميركي جو بايدن الجديدة في المنطقة، ويرجح البعض بأن الرياض تحاول استغلال شعبية صدام في صفوف بعض الشباب السعوديين لتنبّههم إلى مخاطر الخروج على الحاكم، خصوصا وان قبضة محمد بن سلمان ، أيام حكم دونالد ترامب ، كانت على أشدها داخليا.
هذه المقابلة، طرحت تساؤلات عدة منها، ماهي دوافع القناة السعودية في تسليط الضوء فجأة على ابنة صدام في الوقت الذي كانت للسعودية اليد الطولى في اسقاط نظام البعث بعد أمريكا ؟ وهل حقا تمتلك رغد أوراقا حقيقية يؤهلها للعب دور سياسي في العراق حيث انها لم تنفي ذلك حين جاءت اجابتها ردا على سؤال من مقدم البرنامج “هل يمكن أن يكون لك دورسياسي ما؟”. فكان الرد: ” كل شيء وارد ومطروح على الساحة، كل الخيارات وكل الاحتمالات واردة”، ولم تنسى رغد أن تُذكر متابعي البرنامج ، وكدلالة على توجه مغاير لما كان يحصل في زمن والدها حين قالت : “عندما يكون رئيسك صدام حسين عليك أن تختار بين الرخاء أو الحرية”، ترى هل تحاول رغد أن تختبيء في جلباب ابيها وتطمح في دور سياسي لها في العراق؟ كل هذه الأسئلة طُرحت بالإضافة الى دلالات توقيت الحدث. ولكن يبقى السؤال الأهم وهو: لماذا حظيت هذه المقابلة مع ابنة أحد الحكام الطغاة في تاريخ العراق الحديث بكل هذا الاهتمام !؟
اذا كان صدام لا يزال في نظر عدد من المتابعين “بطلا قوميا وقف في وجه أمريكا وإيران وخذله الحكام العرب” وان هذا التصور لازال عالقا في ذهنية البعض، وان هناك حنين من قبل البعض من العراقيين للعودة إلى حقبة “العهد الدكتاتوري” الذي يرمز له صدام حسين، الا ان الأرضية الاجتماعية والسياسية للأفكار القومية، وبالتالي لأحزابها، لم يبقى لها، تاريخيا، لا ذلك الدور ولا ذلك البريق، ولا اعتقد بان هناك قوة اجتماعية لا زالت متمسكة بشعار ” امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ” فـ ” الامة العربية ” باتت تتحالف مع ألَدْ وأشرسْ أعداءها بالأمس، دولة إسرائيل، وذلك لدرء خطر أكبر، خطر طائفي يتمثل بالحكم الإسلامي الرجعي في ايران .
اذاً لوكان ظهور رغد من أجل إعادة واجهة ابيها وتبني افكاره القومية، فذلك الزمن اصبح جزءً من الماضي، اما اذا كان النموذج البرجوازي الطائفي القومي الفاسد في العراق قد تبنى، ومنذ استيلاءه على السلطة عبر الدبابة الامريكية، التراتب العائلي كجزء من نموذج الحكم السائد، مقتدى الصدر، على سبيل المثال، الذي لبس جلباب ابيه، كما هو الحال بالنسبة لـ عمار الحكيم، و نفس السيناريو يتكرر في إقليم كوردستان بالنسبة لعائلتي البرزاني والطالباني ، اذا لماذا لم تفعل رغد وفقا لنفس السياق وعملا بنفس هذا السيناريو !؟
ان ما يفسح المجال لرغد كي تجرأ بالظهور إعلاميا بهذا الشكل بعد مرور ثمانية عشر عاما على سقوط نظام البعث وتكيل المديح لعهد ابيها واصفة إياه بانه ” كان افضل بكثير ولا يقارن بما يمر به البلد الآن “هو ذلك البديل الطائفي القومي الذي أتت به أمريكا والذي أصبح وجوده في الحكم السبب الأساس في الكوارث التي حلت ولازالت تحل بهذا البلد، خصوصا وانه اصبح ارضا مستباحة من قبل العدو اللدود للسعودية وامريكا أي الحكومة الإسلامية في ايران . وهناك حقيقة ظهرت من خلال هذا اللقاء لابد من الإشارة اليها وهي ان الأقطاب ” السنية ” من أمثال علاوي و الحلبوسي وغيرهم، ولى زمنهم ولم يعودوا موضع ثقة اسيادهم .
ان الموقع الجيو استراتيجي للعراق في منطقة الشرق الأوسط جعل منه موضع اهتمام واطماع مجمل القوى الامبريالية العالمية وحليفاتها في المنطقة، لذا فالتنافس على احكام القبضة فيه، بكل الوسائل الممكنة ، يجري على قدم وساق من قبل كل هذه القوى، لاشك بان ايران اليوم تمتلك الحصة الأكبر في هذه المعادلة، أما شمال هذا البلد، إقليم كوردستان، فقد اصبح، وبمساعدة ومؤازرة الحزب الدمقراطي الكوردستاني، القوة الأبرز هناك، ارضا مستباحة من قبل تركيا تسرح وتمرح فيه دون أي رادع ، والآن جاء الدور بالنسبة للسعودية التي ربما تحاول طرق باب الدخول من خلال ابراز وجوه كرغد وذلك عملا بالمقولة البرجوازية القائلة بان ليس هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل مصالح دائمة. لقد اصبح العراق، والحالة هذه، على يد هؤلاء الحكام، بحيرة يمكن ان يسبح فيها كل من هب ودب ورغد واحدة منهم .
ان الجماهير المنتفضة، ومن خلال انتفاضة أكتوبر، أدركت بان كل هذه البدائل البرجوازية التي تطرحها قوى الامبريالية العالمية عبر حلفاءها في المنطقة ، بدائل مرفوضة كونها تنتمي لنفس العائلة وتتبنى نفس السياسات التي تخدم مصالح الطبقة البرجوازية ، لذا فالبديل الوحيد المطروح والقادرعلى انهاء كل هذه السيناريوهات وكل هذه المآسي ليس سوى البديل الشيوعي الاشتراكي الذي يمكنه، من خلال تنظيم نفسه، قيادة هذه الانتفاضة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة.
الحوار المتمدن