الحكم الجديد في ليبيا و التحديات التي تواجههم؟
عبدالعزيز الغناي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
انتهى مسار ملتقى الحوار الليبي الذي انعقد خلال بداية شهر فبراير/شباط للسعي في تنصيب حكومة وحدة وطنية تقوم بتوحيد المؤسسات، وتنهي الانقسام الحكومي والمؤسساتي، وتسعى لتهيئة السبل لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية من المفترض أن تقام نهاية السنة بعد حروب ضروس عصفت بليبيا، جزء منها كان إقليمياً وبالوكالة، للسيطرة على مقاليد الحكم، والتي خلفت واقعاً مريراً من الاقتتال والاستقطاب والتغلغل الروسي والسيطرة على منابع ومصاب النفط الليبي الذي يشكل ما نسبته 95% من إيرادات الدولة الليبية.
ماذا حدث؟
كل الترشيحات كانت تتوقع فوز قائمة أُطلق عليها لقب الصقور ضمت المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب مرشحاً عن برقة، وعبدالمجيد سيف النصر سفير ليبيا الحالي لدى المغرب عن إقليم فزان، واللواء أسامة جويلي قائد غرفة عمليات بركان الغضب عن إقليم طرابلس، إضافة لوزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا مرشحاً لمنصب رئيس الحكومة، والتي بالفعل قد فازت بالمركز الأول في الجولة الأولى من انتخابات القوائم، لكنها خسرت أمام القائمة الفائزة بقيادة محمد يونس المنفي في الجولة الثانية والحاسمة.
تحالف باشاغا مع عقيلة صالح مع أسامة جويلي وسيف النصر شكل براغماتية عالية وفرصة لإنهاء الصراع بحسب مراقبين، فهذه الخلطة يوجد بها شخصيات مقربة من تركيا وقطر والولايات المتحدة وروسيا ومصر وفرنسا (الدول المؤثرة في النزاع الليبي)، لكنها لاقت عدم رضا في الشارع الليبي وخاصة الطرابلسي نظراً لمواقف عقيلة صالح من العدوان على طرابلس ودعمه الكامل لحفتر.
هذه القائمة فشلت في إقناع أعضاء لجنة الحوار الـ75 بقدراتها على توحيد المؤسسات نظراً لاحتوائها على أطراف مؤثرة في النزاع الليبي، كما أنها خسرت مقاعد كثيرة لاستقطابها عقيلة صالح ولو كانوا سيلجمونه بوجود اللواء أسامة جويلي، حتى إن كان باشاغا وزير الداخلية رئيساً للحكومة، فيما يبدو أن هذه المغامرة قد جمعت تحالفاً قوياً ضد هذه القائمة جعلت المصوتين يتجهون لخيار محمد يونس المنفي والدبيبة.
من هم رجال السلطة التنفيذية الجدد في ليبيا؟
رسمت البعثة الأممية للدعم في ليبيا بقيادة ستيفاني ويليامز رئيستها بالإنابة، مسار الحوار الليبي حول السلطات بأن بينت أن السلطة ستتكون من مجلس رئاسي ذي صلاحيات رئاسية مكون من الأقاليم الثلاثة وعلى رأسه مرشح من برقة، وحكومة تنفيذية واسعة الصلاحيات يكون على رأسها شخصية من مدينة مصراتة، وأن يترأس مجلس النواب شخصية من إقليم فزان.
تشكلت القائمة الفائزة برئاسة محمد يونس المنفي وهو أستاذ جامعي درس في فرنسا وترشح عن مدينة طبرق شرقي ليبيا في انتخابات المؤتمر الوطني العام علم 2012م، والذي تولى زمام السلطة التشريعية في ليبيا عقب ثورة فبراير/شباط والتي تسلمها من المجلس الوطني الانتقالي، وكان المنفي عضواً في تكتل بالمؤتمر الوطني العام رفض شرعية البرلمان عقب انتخابه 2014م في البداية لكنه مؤخراً قد حسّن مع رئاسته العلاقة، ورشحه البرلمان عن طريق حكومة السراج سفيراً لليبيا في اليونان قبل أن تطرده اليونان أواخر سنة 2020 على خلفية توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة والتي أزعجت أثينا واستدعت على خلفيتها سفير تركيا في اليونان.
نائب رئيس المجلس الرئاسي الأول هو النائب بمجلس النواب عبدالله حسين اللافي النائب عن مدينة الزاوية والذي التحق بالبرلمان حال تشكيله في طبرق بأغسطس/آب 2014 وبقي عضواً في طبرق حتى وقوع العدوان على طرابلس في الرابع من إبريل/نيسان عام 2019 وكان يشغل منصب عضو لجنة الاقتصاد والتجارة والاستثمار بمجلس النواب المنعقد بطبرق، بينما يمثل موسى الكوني منصب النائب الثاني لرئيس المجلس الرئاسي والممثل عن إقليم فزان، وقد كان الكوني سفيراً لليبيا في مالي إبان حكم القذافي، وعضواً في المجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج قبل أن يستقيل بداية عام 2017 من المجلس الرئاسي، على خلفية ما سماه فشلاً في الأداء والمهام، مما شكل وقتها ضربة قوية لحكومة السراج قبل أن تستعيد توازنها مؤخراً.
رئيس الحكومة هو المهندس عبدالحميد الدبيبة من مدينة مصراتة شرقي طرابلس، ويقوم الآن بأولى مغامراته السياسية من خلفية إدارية لسنوات طويلة أدار فيها عدة شركات حكومية في مجال المقاولات والاستثمار، ويحظى الدبيبة بعلاقات دولية لا يستهان بها، فيما يتوقع منه أن يستغل خبرته في تقديم خدمات وتحقيق توافق كونه وجهاً جديداً على الساحة السياسية الليبية، ومن الصعب تصنيف الأيديولوجية الفكرية للدبيبة فقد عمل كمدير للشركة الليبية للاستثمار العقاري إبان حكم القذافي وبعدها استمر في مهامه بعد ثورة فبراير/شباط، مبتعداً كل البعد عن الاستقطاب والتصريحات في كل مجريات الأحداث التي عصفت بليبيا.
احتمالات النجاح وأبرز التحديات
مبدئياً تسير حكومة الدبيبة بخطى حذرة فيما هو أشبه بحقل ألغام، نظراً لاشتداد الصعوبات والعقبات بالمشهد السياسي، حيث تنتظر حكومة الدبيبة بعد تشكيلها أولويات منها انتظار التئام مجلس النواب الذي قد لا يلتئم بسهولة حتى يصادق على حكومته، إضافة إلى قرار أممي من مجلس الأمن باعتماد السلطة التنفيذية الجديدة وإلغاء قرار شرعية السراج وهذا قد يصطدم بفيتو من إحدى الدول الخمس الكبرى رغم أن هذا الاحتمال ضعيف للغاية.
خارجياً ليبيا هي ملعب للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والإمارات ومصر، بالإضافة إلى دول أخرى، وتحتاج فسيفساء هذا المشهد لشخصيات براغماتية تسعى لإخراج ليبيا من دوائر النزعات وتصفية الحسابات دون زيادة الاستقطاب، والحد من تدخل هذه الدول الإقليمية وتحجيم الميليشيات العسكرية وإخراج المرتزقة ومعالجة مشكلة الكهرباء والإشكاليات المالية بأنواعها، ناهيك عن ماراثون توحيد المؤسسات وإصلاح القطاع العام والتهيئة للانتخابات وتحقيق مصالحة في بلد يعج بنافخي الكير على القنوات الفضائية.
على الصعيد المحلي قد يصعب للسلطة التنفيذية الجديدة التسويق لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في الشرق نظراً لمواقفه السابقة والمناوئة لعملية الكرامة والمواجهات العسكرية التي بدأها خليفة حفتر في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، هذا التسويق وما يتبعه من عمل للحكومة على الأرض، سيرتهن لاثنين إما عقيلة صالح المسيطر على الشرق اجتماعياً أو خليفة حفتر المسيطر عسكرياً، ولن يكون تسويقاً بالمجان، وهذا ما يقلق مراقبين حول إمكانية تمادي حفتر ومرتزقته مقابل تحقيق بعض الظهور للحكومة.
انعكاسات تعيين الدبيب
في بيانات مقتضبة رحب رئيس المجلس الرئاسي الحالي فائز السراج وخليفة حفتر بمخرجات حوار جنيف فيما اشترطت حكومة عبدالله الثني في الشرق الليبي حصول هذه الحكومة على مصادقة مجلس النواب، إضافة إلى مباركة أعضاء القائمة المنافسة باشاغا وصالح وجويلي للقائمة الفائزة، لكن يبقى الواقع بعيداً عن هذه الكلمات الدبلوماسية، فعقيلة صالح يمتلك بعداً قبلياً عميقاً يتمثل في قبيلة العبيدات كبرى قبائل الشرق الليبي، فهو بخبرة سنوات السياسة وبمواقفه الرنانة والانتحارية أحياناً سيجد نفسه خارج اللعبة وفاقداً حتى لمنصب رئيس مجلس النواب الذي من المفترض أن يتم انتخابه من إقليم فزان مضيعاً على عقيلة أي تواجد ولو شرفياً في المشهد الليبي بالفترة المقبلة حتى الانتخابات.
على الصعيد الدولي رحبت الولايات المتحدة وتركيا ومصر وقطر والإمارات وإيطاليا والاتحاد الأوروبي بتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة، بينما يتطلع الأخير أن يكون هذا الترحيب نابعاً عن جدية دولية لإنهاء الأزمة الليبية وإرساء نظام مستقر ينهي الأزمات المتكررة.
النخبة السياسية في ليبيا تعيش واقعين بين تفاؤل بمخرجات هذا الحوار كونه أخرج شخصيات جديدة وغير ضالعة في الصراع بشكل مباشر، وبين تشاؤم بسبب توقع إخفاق هذه الحكومة، نتيجة خذلان دولي من غير المستبعد أن يحصل كما خذلت حكومة السراج.
عربي بوست