عن نفوذ اللوبي الإماراتي في واشنطن
شروق مستور
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_جماعات المصالح أو جماعات الضغط أو “اللوبيات” تُعد من بین أبرز مؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات غير الحكومية التي ذاع صيتها في العصر الحديث.
هي نوع من الجماعات التي یتم تكوينها أو الانضمام إليها بهدف التأثير على سياسات نظام سیاسي معيّن أو مؤسسة اقتصادية ما، فيما يخص موضوع أو قضیة محددة تهم ذلك اللوبي على وجه التحديد.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من الدول الأولى التي احتضنت جماعات الضغط تلك، وسمحت لها بالنمو والترعرع في أروقتها السياسية، خاصة اللوبي الصهيوني الشهير بقدرته على التأثير على القرارات السياسية الكبرى في بلاد العم سام. ولكن ليس الكيان الصهيوني هو الطرف الوحيد المؤثر على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، دول الخليج العربي أيضاً، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، صديقة إسرائيل الجديدة، أصبحت من الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، وقد برزت بينهما علاقات اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية عميقة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وكان أحد أسباب بروز الإمارات كفاعل إقليمي في العقد الأخير اللوبي الإماراتي النشط في واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية.
على وجه التحديد، يعمل اللوبي الإماراتي في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا بلا كلل، من أجل حشد الدعم لتدخلاتها العسكرية في الخارج التي عادة ما تكون محدودة وغير كافية، لا سيما في اليمن وليبيا؛ حيث نفذت الإمارات ضربات جوية محدودة وبدعم من الولايات المتحدة في ليبيا. بالإضافة إلى تدخلاتها في اليمن، الرقعة التي تكبّدت فيها الإمارات أكبر خسائرها العسكرية، ولا سيما في عام 2015، عندما قُتل 45 جندياً إماراتياً في ضربة صاروخية واحدة.
يعمل اللوبي الإماراتي على تبييض انتهاكاتها الممنهجة لحقوق الإنسان وقمع الحريات، سواء في الداخل الإماراتي أو في الخارج، عن طريق دعمها للنظم السلطوية والديكتاتورية. وتمتلك الإمارات تاريخاً واسعاً في استخدام وسائل التعذيب ضد من تعتبرهم تهديداً للنظام الحاكم.
ولقد أشار التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن حقوق الإنسان في العالم، تحدَّث عن تورط موظفين حكوميين إماراتيين في تعذيب سجناء أثناء احتجازهم، وتحاول الإمارات جاهدة أن تغطي على تلك الانتهاكات.
لكن قوة ونفوذ الإمارات في أهم عواصم العالم واشنطن كان كفيلاً بأن يمنع استهداف الإمارات في مجال حقوق الإنسان، حيث شكَّل مسؤولون إماراتيون جزءاً من الدائرة المقربة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث كان يطلق على السفير الإماراتي يوسف العتبية لقب “أقوى سفير في واشنطن”. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى حفلاته الفخمة المعروفة التي يحضرها كبار رجال الأعمال والدبلوماسيين. كما أن لديه -أي العتيبة- علاقات وثيقة مع صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر. وكانت تلك هي الطريقة التي تمكنت بها دولة من الشرق الأوسط مثل الإمارات العربية المتحدة من معاينة وتعديل أحد خطابات حملة ترامب الرئاسية لعام 2016 حول قضية الطاقة.
الضغط عن طريق الأموال
تضمنت أجهزة النفوذ الإماراتية 20 شركة أمريكية دفعت 20 مليون دولار للعمل نيابة عن عملاء إماراتيين في عام 2018، وفقاً للتقرير، الذي نشره مركز السياسة الدولي. وأفادت تقارير المركز ذاته بأن الشركات العشرين العاملة مع الإمارات العربية المتحدة أفادت بتنفيذ 3168 “نشاطاً سياسياً” نيابة عن الدولة الخليجية.
ووفقاً للتقرير، فإن نصف الإجراءات السياسية التي تم الإبلاغ عنها بدوافع الإمارات في عام 2018 كانت مرتبطة مباشرة بالحرب في اليمن، مع تزايد الانتقادات لتورط كل من الإمارات والمملكة العربية السعودية في الصراع المستمر هنالك منذ سنوات. وشملت تلك الإجراءات اتصالات مباشرة مع 200 مكتب للكونغرس و18 مؤسسة فكرية ومعظم وسائل الإعلام الرئيسية.
وأنفق السعوديون والإماراتيون أكثر من 30 مليون دولار في الولايات المتحدة على الضغط والعلاقات العامة في السنتين الماضيتين فقط.
وتطبق الإمارات أنواعاً متعددة من الضغط، بعضها يشمل الضغط على الحكومات عبر سفاراتها في لندن وواشنطن بوسائل قانونية وأخرى غير رسمية. وفي الولايات المتحدة، يتم تنفيذ الأنشطة غير الرسمية سراً لأنها لا تمتثل لقواعد وأنظمة أعمال الضغط الأمريكية.
وبحسب وثائق تخصُّ دولة الإمارات في قاعدة بيانات وزارة العدل الأمريكية، فمنذ عام 2011 بلغت مدفوعات اللوبي الإماراتي “المُعلن عنها” في واشنطن 132 مليوناً و716 ألف دولار أمريكي. دفعت مقابل خدمات ضغط سياسي، أو حملات علاقات عامة لتحقيق المصالح الإماراتية في واشنطن.
وفي السنوات الأخيرة، سرّعت ضغطها من أجل الحد من نفوذ تركيا وقطر وإيران في الشرق الأوسط، وتلقّي دعم المجتمع الدولي لانخراطها السياسي والعسكري في ليبيا واليمن.
الضغط على مراكز البحث
يعتبر الضغط على مراكز البحث والدراسات من الأساليب البارزة التي تمارسها الإمارات للحفاظ على صورتها في المجتمع الدولي ومحاولة تضليل الرأي العام حول أعمالها المخالفة للقانون في كثير من الأحيان؛ حيث تواصل اللوبي الإماراتي بشكل خاص مع مركز “مؤسسة أبحاث التسلح في الصراعات – Conflict Armament Research”، المعنيّ بإصدار دراسات بحثية عن استخدام الأسلحة ونقلها ونوعيتها في صراعات مختلفة حول العالم. وفي حالة حرب اليمن لم يتحدث المركز سوى عن السلاح الذي استخدمته جماعة الحوثي، دون أي ذكرٍ لأطراف الحرب الأخرى، وقد عمل اللوبي الإماراتي على تزويد المركز بمعلومات لاستخدامها في أبحاثه عن اليمن.
وتواصل مع مراكز بحثية مختلفة، ورعى رحلات للباحثين ليزوروا اليمن، منهم الباحث مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي قال إنه ذهب لليمن مرافقاً للقوات الإماراتية باعتباره مراقباً ميدانياً، وكتب عن الإمارات وأهمية دورها في اليمن.
أما هناك في بريطانيا، وتتمتع الإمارات بشبكة واسعة من جماعات الضغط التي تشمل المؤسسات الأكاديمية ومراكز الفكر. وخير مثال على ذلك هو برنامج الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر الذي يتلقى أموالاً من الإمارات العربية المتحدة، وبلغ مبلغ التمويل 8 ملايين جنيه إسترليني على مدى السنوات العشرين الماضية.
ولكن أدت تكتيكات الضغط التي تتبعها الإمارات العربية المتحدة وإنفاق الأموال بشكل غير قانوني من أجل كسب النفوذ، والحقائق التي تم كشف النقاب عنها بعد اختراق رسائل البريد الإلكتروني لجماعات الضغط الإماراتية، إلى انزعاج كبير في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وعلى الرغم من كل تلك الجهود يبقى ضغط الإمارات العربية المتحدة مفتقراً إلى الشرعية السياسية أو الشعبية، وذلك ببساطة لأنه لا يتمتع بدعم شعبي وترحيب سياسي في الولايات المتحدة.
لهذا يبدو أن الوضع سيتغير كثيراً في فترة حكم بايدن، خاصة بعد عدة إجراءات اتخذتها إدارته، كان آخرها إعادة فرض رسوم جمركية على واردات الألمنيوم من دولة الإمارات، مطلع فبراير/شباط 2021، مبطلاً آخر قرارات سلفه الجمهوري دونالد ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض.
كما علقت إدارة الرئيس بيع أسلحة مؤقتاً، بما فيها صفقة بيع مقاتلات “إف-35” للإمارات، التي أقرتها إدارة ترامب.
فهل سيؤثر هذا الوضع الجديد على نفوذ الإمارات في الولايات المتحدة وفي منطقة الشرق الأوسط؟
عربي بوست