ما يستطيع بايدن فعله لليبيا

بين فيشمان

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_أدّى الهدوء في العمليات العسكرية في ليبيا إلى السماح للأمم المتحدة بالتدخل وإعادة إطلاق العملية السياسية. على الولايات المتحدة أن تكون حاضرة ومستعدة لأخذ زمام المبادرة إذا توقف التقدم في قضايا مثل تعزيز الحوار السياسي، وإجراء الانتخابات في الوقت المحدد، ومعالجة التجاوز العسكري الروسي المقلق.

أشارت المكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في 21 آذار/مارس مع رئيس الوزراء الليبي المعين حديثاً عبد الحميد الدبيبة، إلى عودة ظهور الولايات المتحدة في الجهود الرامية لمعالجة مسألة العملية الانتقالية المطولة والعنيفة في كثير من الأحيان في ليبيا – وهو خروجٌ مرحب به عن المسار الذي اتبعه الرئيس دونالد ترامب خلال سنوات حكمه.

الحوار السياسي الليبي

يمكن القول إن دعوة الرئيس الأمريكي السابق للجنرال خليفة حفتر في نيسان/أبريل 2019 ساهمت في اندلاع الحرب الأهلية التي استمرت 18 شهراً وخلفت مئات القتلى، وجلبت الآلاف من المقاتلين من الخارج، وعمّقت الاستقطاب في البلاد. ورغم أن الدبلوماسية الأمريكية ساعدت لاحقاً في وقف القتال، إلّا أن السبب الرئيسي وراء وقف إطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر (المنصرم) كان الإرهاق في صفوف الأطراف المتحاربة وداعميها من الخارج بعد أن طردت القوات المدعومة من تركيا تحالف حفتر من طرابلس. وأدّى الهدوء في العمليات العسكرية إلى السماح للأمم المتحدة بالتدخل وإعادة إطلاق العملية السياسية. وفي كانون الثاني/يناير انعقد رسمياً “ملتقى الحوار السياسي الليبي” وأسفر في النهاية عن قيام “حكومة الوحدة الوطنية”، التي أدت اليمين الدستورية في 15 آذار/مارس. لقد كانت عمليةً شاقة، ولا تزال الطريق محفوفة بمخاطر عديدة، ولكن للمرة الأولى منذ عام 2014، أُقيمت في ليبيا حكومة موحدة، وهو إنجاز لا ينبغي التغاضي عنه.

انخراط الولايات المتحدة في ليبيا

يجب عدم اعتبار الانخراط الأمريكي في ليبيا، على الأقل على مستوى رفيع كما أشارت المكالمة الهاتفية للوزير بلينكن، أمراً مفروغاً منه. فقد شددت إدارة بايدن على أن أولويات سياستها الخارجية ستكون متجهة نحو آسيا وبعيداً عن الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن التركيز المبكر على معالجة الأزمة في اليمن، وإعادة ضبط العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، وتطوير مقاربة لتجديد الدبلوماسية مع إيران، تشير إلى أن البيت الأبيض سيستمر في التركيز على بعض المناطق في المنطقة على الأقل.

إذاً أين ليبيا من هذا كله؟ تشكل ليبيا تحدياً يتجاوز منطقة الشرق الأوسط ويجب أن يُنظر إليها على أنها أولوية أمنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. كما أن عدم الاستقرار المستمر في ليبيا يشكل تهديدات لأوروبا من خلال الهجرة والإرهاب. وقد اجتذبت الحرب الأهلية آلاف المقاتلين الأجانب، من بينهم مرتزقة من سوريا والسودان. والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لحلف “الناتو”، هو وجود ما يقدر بنحو 2000 من مرتزقة “فاغنر” الروس وهم لا يزالون محصنين بطائرات مقاتلة متقدمة تهدد الجناح الجنوبي لحلف “الناتو”. ويمنح الوضع فرصة مثالية لإدارة بايدن لإظهار كيف يمكن أن يساعد إنعاش التحالفات في الحفاظ على الاستقرار في منطقة ذات أهمية مشتركة للولايات المتحدة وأوروبا.

في إحاطة قدمتها سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس-جرينفيلد، إلى مجلس الأمن الدولي في 23 آذار/مارس، حددت الأولويات الأمريكية في ليبيا على أنها “الوحدة، والشفافية، والانتخابات الحرة والنزيهة”. وشددت على أن واشنطن تتوقع من “حكومة الوحدة الوطنية” أن تستخدم أموالها لتلبية احتياجات ليبيا بأكملها، وأن تكون شفافة (لا سيما بالنظر إلى أن اتهامات الفساد هي في صميم عملية تشكيل الحكومة) وأن تحافظ على الجدول الزمني لانتخابات 24 كانون الأول/ديسمبر المنصوص عليه من قبل “ملتقى الحوار السياسي الليبي” وأكده المرشحون ومن بينهم رئيس الوزراء الدبيبة. وهذه معايير عالية ولكنها ليست غير معقولة بالنسبة لحكومة مشكلة حديثاً تعمل في ظل نظام بيروقراطي معقّد لم يشهد إصلاحات هادفة منذ عهد القذافي. إلّا أن هذا النظام سيتطلب دعماً نشطاً من الولايات المتحدة، يشمل تنسيق عمل حلفائها الأوروبيين وضمان استمرار تركيزهم ووحدة جهودهم. وليس من الضروري دائماً أن تجلس الولايات المتحدة في وسط الطاولة وتقود جميع المناقشات، ولكن يجب أن تكون حاضرة ومستعدة للتدخل في حالة تعرقل التقدم، على سبيل المثال إذا وصلت جهود الأمم المتحدة للتوسط في اتفاق حول الأساس الدستوري للانتخابات إلى طريق مسدود.

والخبر السار هو أن الدعم الفني الأمريكي يجري على قدم وساق من خلال البرامج الهادفة لمساعدة “المفوضية الوطنية العليا للانتخابات” في ليبيا. وتشارك الولايات المتحدة أيضاً في رئاسة مجموعة عمل دولية لتوحيد المؤسسة المالية الليبية بعد سنوات من وقف تعاملها معها. إن تحويل نظام كان قائماً تاريخياً على الفساد إلى شفافية كاملة خلال المدى القصير لهذه الحكومة أمر غير واقعي، لذا يجب على الولايات المتحدة مساعدة “حكومة الوحدة الوطنية” على تحديد أهداف متوسطة المدى لمراقبة الإنفاق في المجالات الرئيسية، مثل آلية الاستجابة لجائحة كورونا التي كانت تبذيرية في البداية ومليارات الدولارات اللازمة لمعالجة النقص الحاد في البنية التحتية في مجالات الرعاية الصحية والكهرباء والمياه.

الجهات الفاعلة الخارجية والتدخلات العسكرية

سيشكل الوضع الأمني مجال بالغ الأهمية حيث يمكن للولايات المتحدة المساعدة فيه ويجب عليها القيام بذلك. وشدد الوزير بلينكين والسفيرة توماس-جرينفيلد على “وجوب قيام جميع الجهات الفاعلة الخارجية المشاركة في هذا الصراع بوقف تدخلها العسكري، واحترام اتفاق وقف إطلاق النار الليبي، والبدء في الانسحاب من ليبيا على الفور”. لكن الكلام عن إخراج روسيا أسهل من تنفيذه فعلياً. يجب على “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” أن تستأنف الكشف عن أنشطة مجموعة “فاغنرفي ليبيا، ويتعين على مخططي الدفاع في حلف “الناتو” الاستعداد للحالات الطارئة المتعلقة بتواجد عسكري روسي طويل الأمد في ليبيا، وعلى الولايات المتحدة أن توضح للإمارات العربية المتحدة إلزامية وقف تمويل وجود “فاغنر” (والمرتزقة الآخرين) في ليبيا فضلاً عن انتهاكاتهم المستمرة لحظر [توريد] الأسلحة. وجنباً إلى جنب مع الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، يجب على واشنطن الضغط أيضاً على تركيا لسحب مرتزقتها وقصر أنشطتها العسكرية على التدريباب الشرعية، مثل أعمالها المنقذة للحياة للتخلص من الذخائر المتفجرة.

لقد ألقى الكثيرون اللوم على حلف “الناتو” لتخليه عن ليبيا بعد التدخل في عام 2011 والمساهمة في الفوضى التي عمّت بعد الصراع. لكن مهما كان هذا التقييم شائباً – وأحد أسباب ذلك هو تجاهله للدور الليبي في العقد المنصرم – لدى الولايات المتحدة اليوم فرصة لإعادة الانخراط من خلال تحالفاتها للمساعدة على إرساء الاستقرار في ليبيا ومنع التجاوزات الروسية المقلقة.

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post التجلط الدموي ووفيات لقاح أسترازينيكا
Next post القسوة مع مصر لن تنفع