ذهنية قومية عنصرية وراء اصداره / المحكمة الدستورية الألمانية توقف العمل ببرنامج الاتحاد الأوروبي لمواجهة تداعيات أزمة كورونا

رشيد غويلب

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_قررت المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية الجمعة 26 اذار تأجيل برنامج التحفيز الاقتصادي “جيل الاتحاد الأوروبي القادم”، والذي تم إطلاقه بصعوبة كبيرة في تموز 2020 بسبب مقاومة “كتلة البخلاء” من دول الاتحاد الأوروبي (هولندا، الدنمارك، السويد، النمسا) التي وقفت حينها ضد المنح غير القابلة للسداد للبلدان المتضررة بشكل خاص من وباء كورونا. وبموجب القرار تلقى الاتحاد الأوربي الذي هزته أزمة عدم توفر الكميات المطلوبة من اللقاحات، ضربة قاسية أخرى بعد تأجيل خطة إعادة بناء كورونا التي تبلغ 750 مليار يورو.
في نهاية تموز 2020، وبعد مساومة صعبة، اتفق رؤساء حكومات دول الاتحاد الأوروبي على برنامج إعادة إعمار لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أحدثها كورونا: بالإضافة إلى 1074 مليار يورو لموازنة السنوات السبع المقبلة ( 2021 – 2027)، ينبغي أن يكون هناك 750 مليار يورو، كحزمة للتحفيز الاقتصادي وتشجيع الاستثمار في التقنيات “الخضراء”.
ولتمويل هذا البرنامج، سيتم الحصول على القروض لأول مرة باسم الاتحاد الأوروبي، وستتم إعادة توزيع الأموال وسدادها معا على مدار 30 عاما اعتبارا من عام 2028. وعد هذا التوجه على أنه خطوة نحو سياسة مالية مشتركة، لكنه كان بالنسبة لليمين المتطرف في المانيا والليبراليين الجدد، كابوسا.
في بداية شباط 2021، وافق البرلمان الأوروبي على صندوق دعم كورونا بعد المطالبة بإجراء تغييرات في وقت سابق. وبذلك تم التغلب على العقبة الأولى.
يسمى البرنامج “الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي”. وأهم مفصل فيه “تسهيل التعافي والمرونة”، الذي من خلاله يتم توزيع 672.5 مليار يورو مباشرة على الدول الأعضاء، منها 312.5 مليار يورو كمنح وقرابة 360 مليار يورو قروض. ويتم تمويل ما تبقى من إجمالي 750 مليار من خلال برامج في ميزانية الاتحاد الأوروبي.
وينبغي أن تحفز هذه المليارات النمو وفرص العمل، وفي الوقت نفسه تجعل الاقتصاد الأوروبي أكثر حداثة وصداقة للبيئة. لذلك، ينبغي إنفاق 37 في المائة على الأقل من أموال صندوق إعادة الاعمار على حماية المناخ و20 في المائة على الرقمنة. ويجب أن تستفيد البلدان الأكثر تضرراً من الوباء. ستحصل إيطاليا، على سبيل المثال، على قروض ومنح تصل الى قرابة 200 مليار. وعلى بلدان الاتحاد الأوروبي، حتى 30 نيسان 2021، تقديم خططها الوطنية للإصلاح والاستثمار.
شرط الموافقة الجماعية
بدء المفوضية الأوروبية بالحصول على القروض وسداد المدفوعات، مشروط بموافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ووافق جناحا السلطة التشريعية في المانيا: البرلمان والمجلس الاتحادي في 25 اذار على صندوق إعادة اعمار كورونا، الا ان قرار المحكمة الدستورية أوقف العمل به في الوقت الحالي. لم تنشر المحكمة الدستورية الاتحادية، حتى الآن، أسباب قرارها، لكن يجب تقديم التفاصيل في وقت لاحق. وستصدر المحكمة قرارها النهائي خلال بضعة أسابيع. وحتى ذلك الحين سيتأجل دخول صندوق إعادة الإعمار حيز التنفيذ.
قدمت مجموعة من أساتذة الاقتصاد، الدعوى امام المحكمة الدستورية، وفي مقدمتهم بيرند لوك، المؤسس المشارك لحزب “البديل من اجل المانيا” اليميني المتطرف، والذي يؤسس مناهضته للاتحاد الأوربي على أسس قومية عنصرية. ويريد المدُعون ان تحصل الدول الأعضاء على قروض منفردة وعلى مسؤوليتها الخاصة بدلاً من ان يتحمل الاتحاد الأوروبي هذه المسؤولية. فهم يعتقدون وفق رؤية قومية ضيقة، ان السماح لبلدان بإنفاق أموال تتحمل مسؤوليتها بلدان أخرى، يجعلها تميل إلى “التبذير وعدم الكفاءة والإفراط في استخدام الحق الممنوح لها”. في نهاية المطاف، سيؤدي هذا إلى ديون مشتركة، وبعبارة أخرى “اتحاد ديون”، في سخرية واضحة من الاتحاد الأوربي.
المحكمة الدستورية الاتحادية في دائرة الخطر القومي
ينتقد المؤرخ الاقتصادي البريطاني آدم توز بشدة المحكمة الدستورية الألمانية، قائلا: “يتم استغلال المحكمة الدستورية من قبل أقلية مناهضة لأوروبا في ألمانيا. وان مسائل الحقوق الأساسية الأوروبية، تدخل دائرة خطر قومي”. وهذا واضح أيضا لدى اقتصاديين في دائرة اليمين المتطرف في اغنى بلدان الاتحاد الأوربي، يعملون على قطع الطريق على تعاون مشترك يتجاوز حدود الدولة القومية، لم يكن من أولويات القوى المهيمنة، ولكن ازمة الوباء المتفاقمة فرضته.
إن تعطيل العمل بصندوق الإعمار يمثل صفعة للمفوضية الأوربية وبرلمان الاتحاد الأوروبي، وأيضا للمستشارة الألمانية ميركل، التي دافعت عن هذا الحل الوسط. في وقت تتسع فيه مساحة فقدان الثقة بالحكومة الاتحادية، بسبب الإرباك في التعامل مع الوباء والإثراء الإجرامي لأعضاء في الكتلة البرلمانية المشتركة لطرفي الاتحاد المسيحي الحاكم، نتيجة تورطهم في صفقات فساد يزداد عدد المتهمين بها، وتتراجع في استطلاعات الرأي نسب التأييد لحزب المستشارة، في سنة الانتخابات البرلمانية العامة. وتوصف ميركل في نهاية عهدها في أوربا بـ”بطة عرجاء”.

الحوار المتمدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post الانتخابات الإسرائيلية: مكانك سر ..وإعادة إنتاج نفس الأزمة
Next post ملابس رياضة خاصة بالمحجبات