فتيات غيشا اليابانيات
نيللي عادل
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_فتيات “غيشا” اليابانيات ارتبطت صورتهن ببائعات الهوى هذه المهنة بدأت كتقليد شعبي ظهر عام 1730، وكان يلبس فيه الذكور أزياء نسائية بطلاء وجه وشعر مستعار
رغم مظهرهن الاستثنائي الذي يشتهرن به حول العالم، فإنه نادراً ما تتضح المعلومات الخفية وراء مهنة فتيات “غيشا” الحقيقية في اليابان، حيث تراوحت الأقاويل بين اتهامهن بأنهن بائعات هوى، أو أن رداءهن وطريقتهن في وضع مساحيق التجميل ما هو إلا نمط وسمت تقليدي للفتيات اليابانيات من سليلات العائلات المرموقة.
لكن الحقيقة مختلفة؛ إذ تعني كلمة غيشا باللغة اليابانيةإنسان الفن “، وقد كانت مهمة هذه المهنة تنحصر في القيام بعددٍ من الطقوس وآداب الضيافة، من بينها تنسيق للزهور والكتابة بخطٍّ جميل، بالإضافة لتدليك الجسم وتقديم الشاي التقليدي وأداء العروض الموسيقية الراقصة للترفيه عن الرجال من النبلاء ورجال الدولة.فما قصة هؤلاء الفتيات؟
البداية التاريخية لفتيات “غيشا”
أما عن البداية التاريخية لقصة فتيات “غيشا”، فالغريب أنها بدأت كتقليد شعبي ظهر عام 1730 تقريباً يلبس فيه الذكور أزياء نسائية بطلاء وجه وشعر مستعار، وبعد حوالي 20 عاماً فقط بدأت الفتيات في العمل بهذه المهنة وأدّين الرقصات المصاحبة بالعزف وتقديم مراسم الشاي، وسرعان ما سيطرن على المهنة بشكلٍ كامل بحلول عام 1780.
المهنة لها أصول تاريخية من القرن الـ17 الميلادي – UnSplash
تؤكد بعض المصادر عودة أصل تلك المهنة إلى عصر إيدو في اليابان الممتد منذ القرن الـ17 ميلادياً حتى أواخر القرن الـ19، حين بدأت الفتيات العاملات في محلات الشاي بمحاكاة عروض المسارح وأصبحن يؤدين فقرات من الرقص والعزف كنوع من الترحيب بالزوار.
وفي فترة ميجي (الفترة الأولى من تاريخ اليابان المعاصر في عهد الإمبراطور ميجي تينو) التي امتدت في اليابان منذ عام 1868 حتى 1912، نمت شعبية “غيشا” بشكلٍ ملحوظ، حيث أصبحت مهمتهن في مقدمة الخدمات الحيوية للضيافة والترفيه في حفلات العشاء للشركات الكبيرة والمسؤولين الحكوميين في الدولة.
وقد نمت شعبية “غيشا” باستمرار حتى عشرينيات القرن الماضي، حينما كان هناك نحو 80 ألف فتاة غيشا في جميع أنحاء اليابان لتسلية الضيوف والشخصيات الرفيعة.
لكن مع وقوع الحرب العالمية الثانية هددت الضغوط على المجتمع الياباني دور ومكانة هذه المهنة. وحتى بعد انتهاء الحرب، أعيد فتح عدد قليل نسبياً من دور الشاي التي عملت فتيات “غيشا” فيها، ووجدت تلك الدور نفسها تواجه أنظمة أكثر صرامة في يابان مختلفة كلياً عما كانت عليه قبل الحرب.
تدريبات لسنوات وقواعد صارمة
يبدأ تدريب الفتاة لكي تصير “غيشا” من أعمارٍ مبكرة للغاية قد تصل إلى سن 6 سنوات، ستقضي خمس سنوات أو أكثر منها في التدرب تبعاً لمنزل تدريب يُدعى “أوكييا”، وهذا البيت من شأنه أن يعتني بغرفة الفتاة ومعيشتها ومستلزماتها. ولتسديد الديون الناتجة عن تلك الاستضافة، يمكن أن تضطر “غيشا” الشابة للعمل في هذا المنزل أغلب عمرها.
وتحتاج الفتاة لكي تصل إلى أعلى مراتب المهنة وهي “غيشا” الحقيقية” أو “غيشا” الكبرى” إلى فترة تدريب قد تصل إلى سنواتٍ أخرى – غير سنوات التدريب الأولى – من المهمّات المرهقة وتعلم المهارات، وتنقسم درجات المهنة إلى عدة فئات وفقاً لمراتبھن، أدناها مرتبة تدعى بـ”مايكو”.
وتكرّس غيشا حياتها لتعلُّم الفنون والألعاب وقواعد المحادثة ووضع مستحضرات التجميل بالشكل التقليدي وارتداء الكيمونو (الزي التقليدي للنساء في اليابان) وتقديم مراسم سقاية الشاي، بالإضافة إلى تلقِّي حصص مكثفة من فنون العزف والرقص والاستعراض التقليدي.
بالإضافة لذلك “التفاني”، إذ يُحظر كذلك على فتيات “غيشا” الزواج، وإذا رغبن في ذلك فعليهن التخلي عن المهنة مقابل نيل الحق لتكوين الأسرة.
وبالنسبة للمظهر المُعدّ بحرص، يتم حساب مكياج “غيشا” وتصفيفة شعرها وطريقة ارتداء ملابسها التقليدية لكي تكون التجسيد الحقيقي للمرأة المثالية في أعين زبائنها من الرجال الأثرياء الذين يتكفلون بها مادياً، فالتكفُّل بفتاة “غيشا” كان يعدّ آنذاك وجاهة اجتماعية .
اتهامات بالدعارة المقننة
كما يُشاع أن مهنة فتيات “غيشا” تشمل كذلك خدمات جنسية لإرضاء الزبائن، خاصة مع تعقيدات الثقافة اليابانية وصعوبة فهمها من الخارج، لكن في الواقع يرجع نجاح غيشا الحقيقية في كونها تتعامل بذكاء وحنكة وتُظهر صورة من الكمال بعيد المنال.
وبدأت شائعات تورط فتيات “غيشا” في تلبية احتياجات الزبائن الجنسية بعدما عكفت بائعات الهوى في اليابان أعقاب الحرب العالمية الثانية على جذب الزبائن من الجنود الأمريكان عبر ادعاء أنهن يعملن بمهنة “غيشا”.
وبالطبع، لم يكن لدى الجنود الأمريكيين أي فكرة عن حقيقة “غيشا” ودورها الفعلي، لذلك لم يميزوا العاملات بالجنس اللاتي وضعن طلاء وجه أبيض لزيادة فرصهن عن فتيات “غيشا” الحقيقيات. في حقيقة الأمر، عندما يستأجر الزبائن وقت الفتاة للترفيه في حفلةٍ أو مناسبةٍ مهمة، فإن الجنس خارج الاتفاق تماماً، حيث تقوم “غيشا” بالغناء وعزف الموسيقى والرقص ورواية القصص وإجراء المحادثات اللبقة وتقديم الشاي.
أثر المهنة على السياحة في اليابان
خلال العقود الأخيرة ، بدأت معظم المطاعم والفنادق اليابانية في استقطاب السيّاح من خلال إقامة حفلات لـ”غيشا”. كما بدأت دور الضيافات التقليدية المعروفة بتقديم فقرات تجريبية مصغرة لحفلات تقديم الشاي وغيرها من المناسبات بأسعارٍ مخفّضة لزيادة الشريحة المستهدفة من الزوار غير الأثرياء.
وتنسق كذلك العديد من الأماكن السياحية في اليابان مع فتيات “غيشا” يتحدّثن اللغات الأجنبية أو توفر لهن المترجمين من أجل التواصل مع السائح الأجنبي ومن المفترض أن تمتد الحفلات والمآدب الرسمية التي تحييها غالباً 3 فتيات من “غيشا” لقرابة الساعتين، وهي تبدأ بفقرة تناول الطعام أثناء مشاهدة عرض للفنون الترفيهية التقليدية، يتبعها فقرات للعب الألعاب اليابانية القديمة في شكل يتم تنسيقه مع الموسيقى التي يقمن بعزفها في الخلفية.
أما عن التكلفة في المناسبة الواحدة، فيبلغ أجر فتاة “غيشا” الواحدة مبلغاً يتراوح بين 20 إلى 40 ألف ين ، بما يعادل نحو 350 دولاراً أمريكياً، هذا بالإضافة إلى كلفة المكان والطعام المُقدم للضيوف.لهذا يتجه الكثير من السائحين عوضاً عن تكبُّد تلك التكلفة، إلى محلات التصوير المتخصّصة حيث يقومون بارتداء ملابس “غيشا” التقليدية والتقاط الصور التذكارية.
عربي بوست