السويسريات وحق التصويت
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ في مناسبة الاختراق الذي أنجز على مستوى المساواة السياسية قبل نصف قرن من الآن، كان يُنظر إلى سويسرا على أنها دولة ذكورية متخلفة. أما اليوم، فإن البلد يُصنف ضمن الرواد على مستوى العالم في مجال حقوق المرأة.
هذا الربيع، دخلت مدينة سبها، وهي واحة شهيرة تقع جنوب ليبيا، التاريخ! ففي سياق تجمّع أهلي ضخم حضره عدد كبير من السكان في منتصف شهر مارس 2021، تم لأول مرة وضع خطة عمل للمساواة في الحقوق بين النساء والرجال في السياسة المحلية. وقد شكّلت النساء 45٪ من المُشاركين فيه، مثلما أوضح الصحفي التونسي رشيد خشانة لـ SWI swissinfo.ch.
ووفقًا للمراسل المُتابع للشؤون الليبية منذ فترة طويلة، فقد سبق تنظيم تجمّعات مماثلة بمشاركة مع نساء في ثلاثة وأربعين بلدية ليبية أخرى على مدى عدة أسابيع بين عامي 2018 و2019 بمبادرة ودعم من طرف سويسرا. وبعد سنوات من الحرب الأهلية، اتفق ممثلون عن التيارات السياسية والمجتمع المدني وقطاع الأعمال مؤخرًا في جنيف على تشكيل حكومة انتقالية ليبية جديدة ضمت في صفوفها نجلاء المنقوش كوزيرة للخارجية وحليمة إبراهيم عبد الرحمن كوزيرة للعدل، وهي المرة الأولى التي تتقلد فيها النساء وزارات سيادية في تاريخ ليبيا.
في مقابلة مع SWI swissinfo.ch، تقول سارة هيلمُولّر: “خلال عمليات السلام، من الضروري أن تجلس النساء إلى طاولة المفاوضات: كعضوة في المجتمع المدني، وكممثلة للأطراف المتصارعة وكوسيطة”. وتعمل هذه السيدة أصيلة برن باحثة في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية في جنيف كما قامت بتنظيم منتدى للمجتمع المدني حول آفاق المستقبل في العاصمة الليبية طرابلس بعد أسبوع واحد فقط من وفاة معمر القذافي في عام 2011.
حتى عام 2019، عملت هيلمُولّر في المعهد السويسري لأبحاث السلام (swisspeace) ورافقت عمليات السلام في عدد من المناطق التي مزقتها الحرب مثل الكونغو ودارفور وسوريا، وتؤكد أنه “بالنظر إلى طبيعتهن، لا يُمكن القول بأن النساء أكثر مُسالمة بالضرورة من الرجال، ولكن هويتهن المشتركة كنساء يمكن أن يكون لها تأثير توحيدي وأن تُسهم في التوصل إلى حلول جديدة وأكثر استدامة”. من جهة أخرى، تنتمي خبيرة العلوم السياسية أيضًا إلى شبكة “نساء سويسريات في عمليات السلام” التابعة لوزارة الخارجية السويسرية والتي تم إطلاقها يوم 8 مارس، في مناسبة يوم المرأة العالمي لهذا العام.
حاليا، تضم الشبكة الجديدة خمس عشرة امرأة سويسرية يعملن في السلك الدبلوماسي أو لفائدة في المنظمات غير الحكومية أو لدى منظمات الدولية في مناطق مختلفة من العالم من أجل السلام. إنه مثال من بين عدة أمثلة على الكيفية التي تفرض بها سويسرا نفسها بشكل متزايد على المسرح الدولي كبلد رائد في مجال المساواة في الحقوق. في هذا السياق، ناقشت سويسرا مؤخرا، في الاجتماع الحالي الذي تعقده هيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك، مسألة عدم المساواة في الأجور بين الجنسين. ويؤكد السفير سيمون غيسبولر، الذي يرأس قسم “السلم وحقوق الإنسان” في وزارة الخارجية أن “حقوق المرأة هي من حقوق الإنسان وبدون حقوق الإنسان، فإن السلام والتنمية تظل وعودًا جوفاء”. ووفقًا لغيسبولر، فإن سويسرا تسترشد في هذا المجال بقرار الأمم المتحدة رقم 1325، الذي يُعتبر الركيزة العالمية لما يُعرف بـالسياسة الخارجية النسوية.
هذا التطور يؤثر أيضًا على توزيع القوى العاملة في وزارة الخارجية. وهكذا تشغل النساء اليوم أربعة من المناصب الست القيادية العليا في وزارة الخارجية وتتقلدن 22 من أصل 111 منصب سفير. (للتذكير، مثلت فرانشيسكا بوميتّا، أول سفيرة لسويسرا، بلادها في إيطاليا ابتداء من عام 1977).
مجلس دستوري متناصف في تشيلي
في سياق متصل، يمثل “المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة في الانتخابات” إحدى المنظمات الدولية التي تدعمها سويسرا في مجال الحقوق المتساوية. وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، تقول رومبيدزاي كانداواسفيكا – نودو: “نحن ندعم السلطات الانتخابية حول العالم من أجل إشراك النساء في العمليات الانتخابية وفي الاقتراعات”. وتضيف هذه السيدة من زيمبابوي، التي تترأس قسم “الحقوق السياسية والمشاركة المدنية” في المعهد (عبارة عن منظمة تضم في عضويتها ثلاثة وثلاثين دولة) أنه “بمساعدة سويسرا، ننخرط لفائدة مشاركة متساوية للنساء والرجال في الحياة السياسية”. وكمثال على ذلك، تستشهد كانداواسفيكا – نودو بالعملية الدستورية الجارية في تشيلي حيث سيتم في 11 أبريل المقبل انتخاب مجلس دستوري هناك، يتشكل مناصفة من نساء ورجال.
في دولة بنين الواقعة غرب إفريقيا، تقدم سويسرا الدعم للنساء اللواتي يترشّحن لتقلد مناصب سياسية. ففي هذا البلد، تضاعفت نسبة النساء المُنتخبات في المجالس البلدية خلال السنوات الأربع الماضية، كما يتضح من تقرير صادر عن الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (التابعة لوزارة الخارجية السويسرية). وفي أماكن أخرى من العالم، لا زالت عملية إدماج المرأة تتسم بقدر أكبر من الصعوبة، كما هو الحال مثلا في المملكة العربية السعودية حيث “لا تزال الأعراف الأبويّة في بلدنا تحدّ من حريات المرأة وحقوقها”، كما قالت الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة هتون أجواد الفاسي – التي تعمل منذ عام 2008 أستاذة لتاريخ المرأة في جامعة الملك سعود بالرياض – في مقابلة مع SWI swissinfo.ch.
عندما يتعلق الأمر بتعزيز حقوق الإنسان وحقوق المرأة في دول استبدادية، فإن بلدا مُحايدا مثل سويسرا يصل أيضًا إلى حدود قدرته على التحمّل. ويقول سيمون غيسبولر، السفير السويسري المعني بحقوق الانسان: “في حالات من هذا القبيل، يتطلب الأمر الكثير من المثابرة وراء الكواليس، وفي بعض الأحيان يتعيّن علينا أن نعطي بالاشتراك مع دول أخرى إشارة واضحة”. وبعد إقدام السلطات على اعتقال عدد من الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة من بينهن هتون أجواد الفاسي في يونيو 2018 (أطلق سراحها في يونيو 2019)، انضمت سويسرا إلى قرار تم التصويت عليه في خريف 2020 من طرف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يُدين النظام السعودي بشدة.
في نهاية المطاف، اتضح أن نظاما ملكيا مطلقا كالمملكة العربية السعودية لا يُمكنه الهروب تمامًا من هذا الضغط القادم من المجتمع المدني والدولية. فقد صادقت الآن الحكومة في الرياض أيضاً على “الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”. وفي هذا الصدد، ترى هَتُون أجواد الفاسي – التي لم تمنح بلادها حق التصويت للنساء إلا في عام 2015 (على المستوى البلدي فحسب) وكانت آخر دولة في العالم تقوم بذلك – أن هذا الانضمام “مقترنا مع المبادئ الإسلامية للمساواة والعدالة، يمنحنا إمكانية معيّنة للتأثير”.
Swissinfo