الاتحاد الأوروبي ـ تداعيات الحرب الإلكترونية مع روسيا
بقلم نهى العبادي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تطور روسيا أدواتها الاستخبارية لمواكبة التقدم الناشئ في مجال الاتصالات، وباعتبار دول الاتحاد الأوروبي من أبرز الأهداف على لائحة التهديد الروسي فأن الحرب السيبرانية والقرصنة الإلكترونية على الشبكات الإستراتيجية للمعلومات والبيانات بالقارة العجوز باتت مقصد للوكالات الروسية.
روسيا وألمانيا يخوضان حروب التجسس الألكتروني-الاتحاد الأوروبي
تشكل الهجمات الإلكترونية لروسيا على قواعد البيانات الألمانية إشكالية كبرى للحكومة، فبحسب شبكة (DW) في تقريرها المعنون بـ(ميركل تُهدد بوتين ـ خفايا حرب التجسس الروسية على ألمانيا( وجهت المستشارة انجيلا ميركل في18 مايو 2020 إنذارًا شديد اللهجة للحكومة الروسية لهجماتها المستمرة على البلاد. وأكدت انجيلا ميركل أمام البرلمان أن كل استعداد لتحسين العلاقة مع روسيا يصطدم بسلوكها العدواني في التعامل مع البلاد، لافتة إلى امتلاكها أدلة دامغة على القرصنة التي تمارسها الأجهزة الروسية ضد منصات برلين واصفة إياها بـ(الهجمات المشينة).
وتتهم السلطات القضائية بألمانيا العميل الروسي لدى الاستخبارات العسكرية، ديمتري بايدن أو (سكاراموش) بالتورط في القرصنة الألكترونية التي حدثت لقاعدة بيانات البرلمان (البوندستاغ) في فبراير 2015. ويعتقد المسؤولون بألمانيا أن عملية القرصنة الروسية تضمنت الاستيلاء على الرسائل الالكترونية لنواب البرلمان إلى جانب تمكن المتهم بايدن من التسلل لأجهزة الحاسوب الخاصة بالمستشارة انجيلا ميركل في مقر البرلمان وتزويدها ببرمجيات خبيثة لفك شفرة المعلومات والبيانات ونقلها إلى الاستخبارات الروسية.
وتعتبر المؤسسة القضائية بألمانيا أن التجسس الذي نفذته الحكومة الروسية على مقر البرلمان وبريد المستشارة انجيلا ميركل أمر بالغ الخطورة على المؤسسة التشريعية للبلاد وتقويضًا لأمن المجتمع، وكان الحاسوب الشخصي لمكتب المستشارة الألمانية تحت سيطرة القراصنة الروس لعدة أيام ما يشكل تهديدًا لأمن المعلومات.
ونفت روسيا بالطبع هذه الاتهامات مؤكدة أنها لم تمارس القرصنة على البرلمان الروسي، وقال وزير خارجيتها سيرجي لافروف في 15 مايو 2020 إن هذه الاتهامات عارية من الصحة جملة وتفصيلا ، فخلال خمسة أعوام مرت على الهجوم لم تقدم برلين دليلا حقيقيًا عن تورط موسكو في القضية، مشيرًا إلى أن العقوبات التي تلوح ميركل بفرضها على موسكو جراء هذا الملف ضعيفة التأثير، فمن وجهة نظره لم تتخذ المستشارة موقفًا حازمًا من قضية سنودن في 2013 التي كشفت تجسس العميل الأمريكي إدوارد سنودن على البريد الشخصي لانجيلا ميركل.
روسيا والقرصنة على أبحاث كورونا -الاتحاد الأوروبي
أظهرت جائحة كورونا مدى حساسية التطورات الناشئة في مجال الهجمات السيبرانية، إذ حاولت بعض قواعد الاستخبارات الدولية القرصنة على أبحاث علاج الفيروس في إطار السباق المحموم لإنتاج لقاح أكثر فاعلية وتحقيق أعلى ربحية ممكنة من عوائده سواء اقتصادية أو استراتيجية.
اتهمت بريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، وفقًا لموقع يورو نيوز في 17 يوليو 2020 الحكومة الروسية بمحاولة شن هجمات إلكترونية لسرقة أبحاث حول لقاح فيروس كورونا من مختبرات الدول الثلاث، ووجهت لندن وواوتاوا وواشنطن اتهامًا لمجموعة تجسس إلكترونية يطلق عليها (أي بي تو 29) التابعة للاستخبارات الروسية باستهداف المؤسسات المشاركة في تطوير اللقاح.
وقال المركز الوطني للأمن السيبراني ببريطانيا إن روسيا تستهدف المؤسسات العاملة على تطوير لقاح فيروس كورونا، مستنكرًا هجمات موسكو ضد من يعملون لمواجهة الجائحة العالمية، مشيرًا إلى استخدام الاستخبارات الروسية لأدوات التصيد الاحتيالي لقرصنة معلومات مهمة لا تشمل فقط البيانات البحثية للقاح ولكن بيانات الحكومة الخاصة بالقطاع الطبي، وقاعدة بيانات الرعاية الصحية بالبلاد.
روسيا والهجوم الرقمي على جورجيا
وصف وزير خارجية بريطانيا، دومينيك راب الهجمات السيبرانية التي شنتها روسيا على جورجيا بالوقحة مؤكدًا أن جورجيا دولة ذات سيادة مستقلة وما تمارسه الاستخبارات الروسية ضدها هو أمر غير مقبول.
وأشار الوزير البريطاني في تقرير نشرته سكاي نيوز في 21 فبراير 2020 بعنوان (روسيا متهمة بشن “هجمات خطيرة” في جورجيا) إلى أن الحكومة الروسية عليها الاختيار أما أن تكون شريك دولي يحترم القانون أو تواصل سلوكها العدواني تجاه الدول الأخرى بما يهدد العلاقات الدولية.
وأصدرت الخارجية البريطانية بيانًا حول الأزمة قالت خلاله إن المركز القومي للأمن السيبراني بالبلاد لديها معلومات مؤكدة بتنفيذ الاستخبارات الروسية لهجمات إلكترونية واسعة التأثير في 28 أكتوبر 2019 ضد قواعد البيانات بجورجيا مستهدفة مواقع حكومية ووسائل إعلام ومؤسسات غير حكومية وهيئة المحاكم، وتسببت بتعطيل برامج قنوات التليفزيون بالبلاد.
لماذا تعتمد روسيا على الحروب السيبرانية؟-الاتحاد الأوروبي
تمارس روسيا هجمات سيبرانية واسعة ضد أوروبا التي تعتبرها من أبرز المنافسين لها على الساحة الدولية، إذ يعتبر الاتجاه نحو هذه النوعية من الهجمات هو أمر منطقي في ظل التطور التكنولوجي بالعالم والاعتماد على الوسائل الإلكترونية في المعاملات الاقتصادية وحفظ قواعد البيانات ووسائل التواصل الحكومي.
أن الاعتماد الكلي على الأنظمة الإلكترونية المميكنة بدلا من الوسائل الورقية التقليدية يجعل من هذه الهجمات أكثر تأثيرًا على استقرار الدول بما يتساوى أو يتجاوز مع الهجمات العسكرية، إذ يمكن للأخيرة إحداث ضرر للبنى التحتية لمنشآت الدول ومن ثم شل الحركة الطبيعية للمواطنين وكذلك يمكن للهجمات السيبرانية إيقاف الاتصالات بالدول وقطع البيانات والمعلومات وجعل القطاعات منعزلة وعاجزة عن إنجاز مهامها الأساسية.
وتعتمد الدول الأوروبية على الوسائل الإلكترونية في قطاعات البنوك والمعاملات الاقتصادية ما قد يسبب تضرر مالي للمؤسسات في مثل هذه الهجمات، فضلا عن تهديد أمن المعلومات للدول التي تحتفظ ببيانات مواطنيها وأسرارها الحساسة على الأنظمة الخوارزمية، ما يجعل هجمات روسيا أكثر تأثيرًا على أوروبا.
تأتي المملكة المتحدة في المرتبة الثانية عالميًا من حيث التعرض لهجمات سيبرانية، ويسبقها في الترتيب الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك وفقًا للموقع السويدي المهتم بتكنولوجيا المعلومات والأمن الإلكتروني (SPECOPS)، ويُظهر ذلك مدى الانتهاك السيبراني المُمارس ضد الدولتين وسط قيمة كبرى لهذه الممارسات المؤثرة.
قراءة مستقبلية الى الحروب السيبرانية
أن الحروب السيبرانية هي تعبير عن التطورات التي يعيشها العالم من آن لأخر، ولذلك فهي مستمرة على الأرجح ولن تنتهي طالما تأثيرها عميقًا، فأن ما قد يؤثر على تراجعها هو ظهور مسارًا آخر للهجمات الدولية إذا توقف العالم عن استخدام التكنولوجيا الحالية مستبدلا إياها بأنماط أحدث في ل عالم لا يتوقف عن التطور
وتستخدم روسيا هذه النوعية من الحرب ضد أوروبا التي تعتبرها من أبرز المنافسين لها لزعزعة الأمن المعلوماتي للمنطقة، وبالتالي فأن استمرار تأثير هذه الحروب على قوة الدول يعني استمرار روسيا في استهداف الاتحاد الأوروبي عبر الهجمات السيبرانية.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات